الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العُقوبةِ، والنِّعْمَةُ في العاقلِ البَالِغِ أكْمَلُ. واللهُ أعلمُ. الشرط السابع، أن يُوجَدَ الكمالُ فيهما جميعًا حالَ الوَطْءِ، فيَطَأُ الرجلُ العاقلُ الحُرُّ امرأةً عاقلةً حُرّةً. وهذا قولُ أبى حنيفةَ وأصحابِه، ونحوُه قولُ عَطاءٍ، والحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعِىِّ، وقَتادَةَ، والثَّوْرِىِّ، وإسْحَاقَ. قالُوه (36) في الرَّقِيقِ. وقال مالِكٌ: إذا كان أحدُهما كاملًا صارَ مُحْصَنًا، إلَّا الصَّبِىَّ إذا وَطِىءَ الكبيرةَ، لم يُحْصِنْها، ونحوُه عن الأوْزَاعِىِّ. واخْتلَفَ عن الشَّافِعِىِّ، فقيل: له قَوْلانِ، أحدُهما، كقولِنا. والثانى، أنَّ الكامِلَ يصيرُ مُحْصَنًا. وهذا قولُ ابنِ المُنْذِرِ، لأنَّه حُرٌّ، بالِغٌ عاقِلٌ، وَطِىءَ في نكاحٍ صحيحٍ، فصارَ مُحْصَنًا، كما لو كانَ الآخَرُ مِثْلَه. وقال بعضُهم: إنَّما القَوْلان في الصَّبِىِّ دونَ العبدِ، فإنَّه يصيرُ مُحْصَنًا، قولًا واحدًا، إذا كانَ كامِلًا. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ لم يُحْصَنْ به (37) أحدُ المُتواطِئَينِ، فلم يُحْصَنِ الآخرُ، كالتَّسَرِّى، ولأنَّه متى كان أحدُهما ناقصًا، لم يَكْمُلِ الوَطْءُ، فلا يحْصُلُ به الإِحْصانُ، كما لو كانا غيرَ كامِلَيْن، وبهذا فارقَ ما قاسُوا عليه.
فصل:
ولا يُشْتَرطُ الإِسلامُ في الإِحصانِ. وبهذا قال الزُّهْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ. فعلى هذا يكون الذِّمِّيَّانِ مُحْصَنَيْنِ، فإن تزوَّجَ المسلمُ ذِمِّيَّةً، فوَطِئَها، صارا (38) مُحْصَنَيْنِ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، في (39) الذِّمِّيَّةِ: لا تُحْصِنُ المسلِمَ. وقال عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، ومُجاهِدٌ، والثَّوْرِىُّ: هو شَرْطٌ في الإِحْصانِ. فلا يكونُ الكافِرُ مُحْصَنًا، ولا تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مسلمًا؛ لأن ابنَ عمرَ روَى، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ"(40). ولأنَّه إحْصانٌ من شَرْطِه الحُرِّيَّةُ، فكان الإِسلامُ شَرْطًا فيه، كإحْصانِ القَذْفِ. وقال مالِكٌ كقولِهِمْ، إلَّا أنَّ الذِّمِّيَّةَ تُحْصِنُ المسلمَ، بِناءً على أصْلهِ
(36) في ب: "قالوا".
(37)
سقط من: الأصل.
(38)
في م: "صار".
(39)
في م: "أن".
(40)
أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني 3/ 327.
في أنَّه لا يَعْتَبِرُ الكمالَ في الزَّوْجَيْن، وينْبَغِى أن يكونَ ذلك قولًا للشَّافِعِى. ولَنا، ما روَى مالِكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنَّه قال: جاءَ اليهودُ إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، [فذكَروا له أنَّ رجلًا منهم وامرأةً زَنَيَا. وذكرَ الحديثَ، فأمرَ بهما رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم](41) فرُجِما. مُتَّفَقٌ عليه (42). ولأنَّ الجنايَةَ بالزِّنَى استَوَتْ من المسلمِ والذِّمِّىِّ، فيجبُ أن يَسْتَويَا في الْحَدِّ. وحديثُهم لم يَصِحَّ، ولا نعرفُه في مُسْنَدٍ. وقيل: هو مَوْقوفٌ على ابن عمر. ثم يتَعيَّنُ حَمْلُه على إحْصانِ القَذْفِ، جَمْعًا بين الحديثَيْن، فإنَّ راوِيَهما واحدٌ، وحديثُنا صريحٌ في الرَّجْمِ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ خَبَرِهِم على الإِحْصانِ الآخَرِ. فإن قالوا: إنَّما رَجَمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم اليَهُودِيَّيْن بحُكْمِ التَّوْراةِ، بدليلِ أنَّه راجَعها، فلما تبيَّن له أنَّ ذلك حكمُ اللهِ عليهِمْ، أقامَه فيهم، وفيها أنزلَ اللهُ تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (43). قُلنا: إنَّما حَكَمَ عليهم بما أَنْزَلَ اللهُ إليه، بدليلِ قولِه تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (44). ولأنَّه لا يَسُوغُ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الحُكْمُ بغيرِ
(41) سقط من: ب. نقل نظر.
(42)
أخرجه البخاري، في: باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، من كتاب الجنائز، وفى: باب قول اللَّه تعالى: يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. . .، من كتاب المناقب، وفى: باب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ. . .} ، من كتاب التفسير، وفى: باب الرجم بالبلاط، من كتاب الحدود، وفى: باب. ما يجوز من تفسير التوراة. . .، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 2/ 111، 4/ 251، 6/ 46، 47، 8/ 205، 9/ 193. ومسلم، في: باب رجم اليهود. . .، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1326.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في رجم اليهوديين، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 463، 465. والترمذي، في: باب ما جاء في رجم أهل الكتاب، من كتاب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 214. وابن ماجه، في: باب رجم اليهودى واليهودية، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 854. والدارمى، في: باب في الحكم بين أهل الكتاب، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 178، 179. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في، الرجم، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 819. والإِمام أحمد في: المسند 2/ 5، 7، 62، 63، 76.
(43)
سورة المائدة 44.
(44)
سورة المائدة 48.