الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَدِّه، أنَّ عُمرَ، رضي الله عنه، قضَى فِي الجائفةِ إذا أنفذَتِ (4) الجَوْفَ، بأرْشِ جائِفَتَيْنِ (5). لأنَّه أنْفَذَه من مَوْضِعَيْن، فكانَ جائفَتَيْنِ كما لو أنْفَذَه بضَرْبتَيْن. وما ذكَروهُ (6) غيرُ صحيحٍ، فَإنَّ الاعْتبارَ بوصولِ الجُرْحِ إلى الجَوف، لا بكَيْفيَّةِ إيصالِه (7)، إذْ لا أثرَ لصُورةِ الفعْلِ مع التَّساوى في المعنَى، ولأنَّ مَا ذكرُوه من الكَيْفيَّةِ ليس بمَذْكورٍ في خَبَرٍ، وإنما العادةُ في الغالبِ وُقوعُ الجائفةِ هكذا، فلا يُعْتَبَرُ، كما أنَّ العادةَ في الغالبِ حُصولُها بالحديدِ، ولو حصَلَتْ بغيرِه لَكانَتْ جائفةً. ثُمَّ يَنْتَقِضُ ما ذكرُوه بما لو أدْخلَ يدَهُ في جائفةِ إنْسانٍ، فخَرقَ بَطْنَه مِن مَوْضِعٍ آخَرَ، فإنَّهُ يَلْزَمُهُ أرْشُ جائفةٍ بغيرِ خلافٍ نَعْلَمُه. وكذلك يُخَرَّجُ في مَنْ أوْضَحَ إنْسانًا في رأْسِه، ثم أخْرَج رأْسَ السِّكِّين من مَوْضعٍ آخرَ، فهي مُوضِحَتان. فإن هَشَمَهُ هَاشِمَةً لها مَخْرَجان، فهي هاشِمتانِ. وكذلك ما أشْبَههُ.
فصل:
فإن أدْخَلَ إصْبَعَه في فَرْجِ بِكْرٍ، فأذْهبَ بَكارَتَها، فليس بجَائفَةٍ، لأنَّ ذلك ليس بجَوْفٍ.
1510 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَه، وَهِىَ صَغِيرَةٌ، فَفَتَقَهَا، لَزِمَهُ ثُلثُ الدِّيَةِ)
.
مَعْنى الْفَتْق، خَرْقُ ما بين مَسْلَكِ البَوْلِ والْمَنِيِّ. وقيل: بل مَعْناه خَرْقُ ما بين القُبُلِ والدُّبُر، إلَّا أنَّ هذا بعيدٌ؛ لأنَّه يبْعُدُ أنْ يذهبَ بالوَطْءِ ما بينهما من الحاجزِ، فإنَّه حاجِزٌ
= وأخرجه البيهقي، في: باب الجائفة، من كتاب الديات. السنن الكبرى 8/ 85. وعبد الرزاق، في: باب الجائفة، من كتاب العقول. المصنف 9/ 370. وابن أبي شيبة، في: باب الجائفة كم فيها؟ ، من كتاب الديات. المصنف 9/ 211.
(4)
في م: "نفذت".
(5)
انظر: الإرواء 7/ 331.
(6)
في م: "ذكره".
(7)
في الأصل: "اتصاله".
غَليظٌ قَوِيٌّ. والكلامُ في هذهِ (1) المسألة في فَصْلين؛ أحدهما، في أصلِ وُجوبِ الضَّمانِ. والثاني، في قدْرِه:
أما الأوَّلُ، فإنَّ الضَّمانَ إنَّما يجبُ بوَطْءِ الصغيرةِ أو النَّحيفةِ التي لا تَحْتَمِلُ (2) الوَطْءَ، دُونَ الكبيرةِ المُحْتَمِلةِ له. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافعيُّ: يجبُ الضَّمانُ في الجميعِ؛ لأنَّه جِنايةٌ، فيجب الضَّمانُ به، كما لو كان في أجْنَبِيَّةٍ. ولَنا، أنَّه وَطءٌ مُسْتَحَقٌّ، فلم يجبْ ضَمانُ ما تَلِفَ به كالبَكارةِ، ولأنَّه فِعْلٌ مَأْذونٌ فيه ممَّن يصحُّ إذْنُه، فلم يُضْمَنْ ما تَلِفَ بسِرَايتِه، كما لو أذِنَتْ في مُداواتِها بما يُفْضِي إلى ذلك، وكقَطْعِ السارقِ، أو اسْتيفاءِ القِصاص، وعَكْسُه الصغيرةُ والمُكْرَهةُ على الزِّنَى. إذا ثبت هذا، فإنَّه يَلْزَمُه المهرُ المُسَمَّى في النِّكاحِ، مع أرْشِ الجناية، ويكونُ أرْشُ الجنايةِ في مالِه، إنْ كانَ عمدًا مَحْضًا، وهو أن يعْلمَ أنَّها لا تُطِيقُه، وأنَّ وَطْأَه يُفْضِيها. فأمَّا إنْ لم يَعْلَمْ ذلك، وكان ممَّا يَحْتَمِلُ أنْ لا يُفضِىَ إليه، فهو عمْدُ الخَطَإِ، فيكونُ على عاقلتِه، إلَّا على قولِ مَن قال: إنَّ العاقلةَ لا تَحْمِلُ عَمْدَ الخطإِ، فإنَّه يكونُ في مالِه.
الفصلُ الثَّانِي: فِي قدْرِ الواجبِ، وهو ثُلْثُ الدِّيَة. وبهذا قال قَتادةُ، وأبو حنيفةَ. وقال الشَّافعيُّ: تجبُ الدِّيَةُ كاملةً. ورُوى ذلك عن عمرَ بنِ عبد العزيز؛ لأنَّه أتْلَفَ مَنْفعةَ الوَطْءِ، فلزِمَتْه الدِّيَةُ، كما لو قَطَعَ إسْكَتَيْها. ولَنا، ما رُوِيَ عن عمرَ بن الخطَّاب، رضي الله عنه، أنَّه قضَى في الإِفْضاءِ بثُلثِ الدِّيَةِ (3). ولم نَعْرفْ له في الصحابةِ مُخالِفًا. ولأنَّ هذه جنايَةٌ (4) تَخْرِقُ الحاجزَ بين مَسْلَكِ البولِ والذَّكَرِ، فكان موُجَبُها ثُلْثَ الدِّيَةِ، كالجائفةِ. ولا نُسلِّمُ أنَّها تَمْنَعُ الوَطْءَ، وأمَّا قَطْعُ الإِسْكَتَيْنِ، فإنَّما أوْجبَ الدِّيَةَ؛ لأنَّه قطْعُ عُضْوَيْن فيهما نَفْعٌ وجمالٌ، فأشْبَهَ قَطْعَ الشّفتَينِ.
(1) سقط من: الأصل، ب.
(2)
في ب، م:"تحمل".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب الرجل يستكره المرأة فيفضيها، من كتاب الديات. المصنف 9/ 411.
(4)
في م: "الجناية".