الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللّسانِ، وإنَّما عادَ في مَحَلٍّ آخَرَ، بخلافِ التي قَبْلها. وإنْ قَطَعَ لسانَه، فذهب كلامُه، ثم عادَ اللّسانُ دُونَ الكلامِ، لم يَرُدَّ الدِّيَةَ؛ لأنَّه قد ذهَب ما تجبُ الدِّيَةُ فيه بانْفِرادِه. وإنْ عادَ كلامُه دُون لِسانِه، لم يَرُدَّها أيضًا؛ لذلك.
فصل:
وإذا كانَ لِلسانِه طَرَفان، فقَطَعَ أحدَهما، فذهبَ كلامُه، ففيه الدِّيَةُ؛ لأنَّ ذهابَ الكلامِ بمُفْرَدِه يُوجِبُ الدِّيَةَ. وإنْ ذهبَ بعضُ الكلامِ، نَظْرتَ؛ فإنْ كان الطَّرَفان مُتَساويَيْنِ، وكان ما قطعَه بقَدْرِ ما ذهبَ من الكلامِ، وجبَ، وإنْ كان أحدُهما أكبرَ (25)، وجبَ الأكثرُ، على ما مَضَى، وإنْ لم يذهبْ من الكلامِ شيءٌ، وجبَ بقَدْرِ ما ذهبَ من اللِّسانِ من الدِّيَةِ. وإنْ كانَ أحدُهما مُنْحرِفًا عن سَمتِ اللِّسانِ، فهو خِلْقةٌ زائِدةٌ، وفيه حُكومةٌ. وإنْ قَطَعَ جميعَ اللِّسانِ، وجبتِ الدِّيَةُ من غيْرِ زيادةٍ، سواءٌ كان الطرفانِ مُتساوِيَيْنِ أو مُخْتلِفَيْنِ. وقال القاضي: إنْ كانا مُتساوِيَيْن، ففيهما الدِّيَةُ، وإنْ كان أحدُهما مُنْحرِفًا عن سَمْتِ اللِّسانِ، وجبتِ الدِّيَةُ وحكومةٌ في الخِلْقَةِ الزَّائدةِ. ولَنا، أنَّ هذه الزِّيادةَ عَيْبٌ ونقْصٌ يُرَدُّ بها المَبِيعُ، ويَنْقُصُ من ثَمنِه، فلمْ يجبْ فِيها شيءٌ، كالسَّلْعَةِ في الْيَدِ. وربَّما عادَ القَوْلان إلى شيءٍ واحدٍ؛ لأنَّ الحُكومةَ لا يَخْرُجُ بها شيءٌ إذَا كانتِ الزِّيادةُ عَيْبًا.
1491 -
مسألة؛ قال: (وَفِى كُلِّ سِنٍّ خمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، إذَا قُلِعَتْ مِمَّنْ قَدْ ثُغِرَ (1)، وَالْأَضْرَاسُ والْأَنْيَابُ كَالأَسْنَانِ)
لا نعلمُ بيْنَ أهلِ العلْمِ خِلافًا في أنَّ دِيةَ الأسنانِ خَمْسٌ خمسٌ في كلِّ سنٍّ. وقد رُوِىَ ذلك عن عُمرَ بن الخطَّابِ، وابنِ عبَّاسٍ (2)، ومُعاويةَ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعُروةَ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، والزُّهْرىِّ، وقَتادةَ، ومالكٍ، والثَّوْرىِّ، والشَّافعىِّ، وإسحاقَ،
(25) في الأصل: "أكثر".
(1)
في م: "أثغر".
(2)
أخرجه عبد الرزاق عن عمر وابن عباس، في: باب الأسنان، من كتاب العقول 9/ 345.
وأبى حنيفةَ، ومحمدِ بنِ الحسنِ. وفى كتابِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ". روَاه النَّسائىُّ (3). وعن عمرو بن شُعَيْبِ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ". رَواه أَبو داودَ (4). فأمَّا الأضْراسُ والأنْيابُ، فأكثرُ أهلِ العلمِ على أنَّها مِثْلُ الأسنانِ؛ منهم عُروةُ، وطاوسٌ، وقتادةُ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ، ومحمد بنُ الحسنِ. ورُوِىَ ذلك عن ابن عبَّاس (5)، ومعاويةَ. ورُوى عن عمرَ، رضى اللَّه عنه، أنَّه قَضَى في الأضْراسِ ببَعِيرٍ بَعِيرٍ. وعن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، أنَّه قال: لو كنْتُ أنا، لجعلتُ في الأضْراسِ بَعِيريْنِ بعيريْنِ، فتلك الدِّيَةُ سواء. ورَوى ذلك مالكٌ، في "مُوطَّإِهِ"(6). وعن عَطاءٍ نحوُه. وحُكِىَ عن أحمدَ روايةٌ (7)، أنَّ في جميعِ الأسْنان والأضْراسِ الدِّيةَ. فيتعيَّنُ حَمْلُ هذه الرِّوايةِ على مثْلِ قولِ سعيدٍ؛ للإِجْمَاعِ على أنَّ في كلِّ سِنٍّ خمْسًا من الإِبلِ، ووُرُودِ (8) الحديثِ به، فيكونُ في الأسْنان سِتُّون بعيرًا؛ لأنَّ فيه اثنىْ عَشْرَ سِنًّا، أرْبعَ ثَنايا، وأرْبعَ رَباعِيَّاتٍ (9)، وأربعةَ أنْيابٍ، فيها خمسٌ خمسٌ، وفيه عِشرون ضِرْسًا، في كلِّ جانبٍ عشرةٌ، خمسةٌ من فوْقٍ، وخمسْةٌ من أسْفلٍ، فيكونُ فيها أربعونَ بَعيرًا، في كلِّ ضِرْسٍ بَعِيرانِ، فتكْمُلُ الدِّيةُ. وحُجَّةُ من قال هذا، أنَّه ذُو عَدَدٍ
(3) تقدم تخريجه، في صفحة 5.
(4)
في: باب ديات الأعضاء، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 495.
كما أخرجه الدارمي، في: باب دية الأسنان، من كتاب الديات. سنن الدارمي 2/ 195.
(5)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الأسنان، من كتاب العقول 9/ 345. والبيهقي، في: باب الأسنان كلها سواء، من كتاب الديات. السنن الكبرى 8/ 90.
(6)
في: باب جامع عقل الأسنان، من كتاب العقول. الموطأ 2/ 861.
كما أخرجه عبد الرزاق، في: باب الأسنان، من كتاب العقول. المصنف 9/ 347. وابن أبي شيبة، في: باب من قال: تفضل بعض الأسنان على بعض، من كتاب الديات. المصنف 9/ 190.
(7)
في ب زيادة: "أخرى".
(8)
في ب، م:"وورد".
(9)
الرباعية: السن بين الثنية والناب.
يجبُ فيه الدِّيَةُ، فلم تزِدْ دِيَتُه على دِيَةِ الإِنسانِ (10)، كالأصابعِ، والأجْفانِ، وسائرِ ما في البدنِ، ولأنَّها تشْتمِلُ على مَنْفعةِ جِنْسٍ، فلم تزِدْ دِيَتُها على الدِّيَةِ، كسائرِ مَنافعِ الجِنْسِ، ولأنَّ الأضْراسَ تخْتصُّ بالمنفعةِ دُونَ الجمالِ، والأسنانُ فِيها منفعةٌ وجَمالٌ، فاخْتلَفا في الأرْشِ. ولَنا، ما روَى أبو داودَ (11)، بإسْنادِه عن ابن عبَّاسٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، هذِهِ وهذِهِ سَوَاءٌ". وهذا نَصٌّ. وقولُه في الأحاديثِ المُتقدِّمة: "في الأسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ". وَلم يُفَصِّلْ، يدْخُلُ في عُمومِها الأضْراسُ؛ لأنَّها أسنانٌ، ولأنَّ كلَّ دِيَةٍ وجَبتْ في جملةٍ كانتْ مَقْسومةً على العددِ دُونَ المنافعِ، كالأصابعِ، والأجْفانِ، والشَّفَتَيْنِ، وقد أوْمأَ ابنُ عباسٍ إلى هذا، فقال: لا أعْتبِرُها بالأصابع فأمَّا ما ذكرُوه من المعنَى، فلا بُدَّ مِنْ مُخالفةِ القياسِ فيه، فمَنْ ذهبَ إلى [قَوْلِنا، خالَفَ](12) المعنى الذي ذكرُوه، ومن ذهبَ إلى قوْلِهم، خالفَ التَّسْوِيَةَ الثابتةَ، بقياسِ سائرِ الأعضاءِ من جنْسٍ واحدٍ، فكان ما ذكرْناه مع مُوافقةِ الأخْبارِ وقولِ أكثرِ أهْلِ العلْمِ أوْلَى. وأمَّا على قَوْلِ عمرَ، أنَّ في كلِّ ضِرْسٍ بَعِيرًا، فيُخالِفُ القياسَيْنِ جميعًا، والأخبارَ، فإنَّه لا يُوجِبُ الدِّيَةَ الكاملةَ، وإنَّما يُوجِبُ ثمانينَ بعيرًا، ويُخالفُ بينَ الأعْضاءِ المُتجانِسَةِ. وإنَّما يجِبُ هذا الضَّمانُ في سِنِّ مَنْ قدْ ثُغِر (13)، وهو الذي أَبْدَلَ أسْنَانَه، وبلغَ حدًّا إذا قُلِعَتْ سِنُّه لم يَعُدْ بَدَلُها. ويُقالُ: ثُغِرَ (13)، واثَّغَرَ، واتَّغَر (13). إذا كان كذلك. فأمَّا سِنُّ الصَّبِىِّ الذي
(10) في الأصل: "الأسنان".
(11)
في: باب ديات الأعضاء، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 494.
كما أخرجه البخاري مختصرا، في: باب دية الأصابع، من كتاب الديات. صحيح البخاري 9/ 10. والترمذي، في: باب ما جاء في دية الأصابع، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى 6/ 176. والنسائي، في: باب عقل الأصابع، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 50. وابن ماجه، في: باب دية الأسنان، ودية الأصابع، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 885. والدارمى، في: باب في دية الأصابع، من كتاب الديات. سنن الدارمي 2/ 194.
(12)
في ب: "قول ما خالف".
(13)
انظر: اللسان (ث غ ر).
لم يُثْغِر، فلا يجِبُ بقَلْعِها في الحالِ شيءٌ. هذا قولُ مالكٍ، والشَّافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ولا أعلمُ فيه خِلافًا؛ وذلك (14) لأنَّ العادةَ عَوْدُ سِنِّه، فلم يجِبْ فيها في الحالِ شيءٌ، كنَتْفِ شَعَرِه، ولكِنْ يُنْتَظَرُ عَوْدُها؛ فإنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُيْأسُ من عَوْدِها، وجبَتْ دِيَتُها. قالَ أحمدُ، يتوقَّفُ سَنَةً؛ لأنَّه هو (15) الغالبُ في نَباتِها. وقال القاضي: إذا سقطَتْ أخَواتُها ولم تَعُدْ هي، أُخِذَتِ الدِّيَةُ. وإن نَبَتَ مَكانَها أُخْرَى، لم تجِبْ دِيَتُها، كما لو نُتِفَ، شَعَرُه فعادَ مثلُه. لكنْ إن عادَتْ قصيرةً أو مشَّوهةً ففِيها حُكومةٌ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ ذلِكَ بسببِ الجنايةِ عليها. وإنْ أمْكَنَ تَقْديرُ (16) نَقْصِها عن نَظيرتِها، ففِيها من دِيَتِها بقَدْرِ ما نقَصَ. وكذلك إن كانتْ فيها ثُلْمَةٌ أمْكَنَ تَقْديرُها (17)، ففيها بقَدْرِ ما ذَهَبَ منها، كما لو كسَرَ من سِنِّه (18) ذلك القَدْرَ. وإنْ نبتَتْ أطْولَ (19) من أخَواتها، ففيها حُكومةٌ؛ لأنَّ ذلك عَيْبٌ. وقيل فيها وَجْةٌ آخَرُ، لا شىءَ فيها؛ لأنَّ هذا زيادةٌ. والصحيحُ الأوَّل؛ لأنَّ ذلك شَيْنٌ حصَلَ بسببِ الجنايةِ، فأشبَهَ نَقْصَها. وإنْ نبتَتْ مائلةً عن صَفِّ الأسْنانِ، بحيثُ لا يُنْتَفَعُ بها، فَفِيها ديَتُها؛ لأنَّ ذلِكَ كذَهابِها، وإنْ كانَتْ يُنتفَعُ بها، ففيها حُكومةٌ؛ للشَّيْنِ الحاصلِ بها، ونَقْصِ نَفْعِها. وإن نبتَتْ صفراءَ أو حمراءَ أو مُتَغيِّرةً، ففيها حُكومةٌ؛ لنَقْصِ جمالِها. وإن نبتَتْ سوداءَ أو خضْراءَ، ففيها رِوَايتان، حكاهما القاضي؛ إحدَاهُما، فِيها دِيَتُها. والثَّانيةُ، فيها حُكومةٌ، كما لو سوَّدها من غيرِ قَلْعِها. وإنْ ماتَ الصَّبىُّ قبلَ اليَأْسِ مِن عَوْدِ سِنِّهِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لا شىءَ له؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّه لو عاشَ لَعادتْ، فلم يجبْ فِيها شيءٌ، كما لو نُتِفَ شَعَرُه. والثَّانِى، فيها الدِّيَةُ؛ لأنَّه قلَعَ سِنًّا وأُيِسَ مِنْ عَوْدِها، فوجبَتْ دِيَتُها، كما لو
(14) سقط من: ب.
(15)
سقط من: م.
(16)
في ب: "بقدر".
(17)
في ب: "بقدرها".
(18)
في الأصل زيادة: "بقدر".
(19)
في ب، م:"أكبر".