الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيتناولُ أقلَّ ما يقَعُ عليه الاسمُ، والقَصْرُ يُسَمَّى سَفَرًا، ويجوزُ فيه التَّيَمُّمُ، والنافِلَةُ على الراحِلَةِ. ولا يُحْبَسُ في البَلَدِ الَّذِى نُفِىَ إليه. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وقال مالِكٌ: يُحْبَسُ. وَلنا، أنَّه زيادةٌ لم يَرِدْ بها الشَّرْعُ، فلا تُشْرَعُ، كالزِّيادَةِ على العامِّ.
فصل:
وإذا زَنَى الغريبُ، غُرِّبَ إلى بَلَدٍ غيرِ وطنِه. وإن زَنَى في البلدِ الَّذِى غُرِّبَ إليه، غُرِّبَ منه إلى غيرِ البلدِ الَّذِى غُرِّبَ منه؛ لأنَّ الأمرَ بالتَّغْريبِ يتَناولُه حيث كان، ولأنَّه قد أَنِسَ بالبَلَدِ الَّذِى سكنَه، فيُبْعَدُ عنه.
فصل: ويَخْرُجُ مع المرأةِ مَحْرَمُها حتى يُسْكِنَها في مَوْضعٍ، ثم إنْ شاءَ رجعَ إذا أَمِنَ عليها، وإن شاءَ أقامَ معها حتى يَكْمُلَ حولُها. وإن أبَى الخروجَ معها، بذَلَتْ له الأُجْرَةَ. قال أصْحابُنا: وتَبْذُلُ من مالِها؛ لأنَّ هذا من مُؤْنَةِ سَفَرِها. ويَحْتَمِلُ أن لا يجبَ ذلك عليها؛ لأنَّ الواجبَ عليها التَّغَرُّبُ بنَفْسِها، فلم يلْزَمْها زيادةٌ عليه كالرجلِ، ولأنَّ هذا من مُؤْنَةِ إقامةِ الحَدِّ، فلم يَلْزَمْها، كأُجْرَةِ الجلَّادِ. فعلى هذا تُبْذَلُ الأُجْرةُ من بيتِ المالِ. وعلى قولِ أصْحابِنا، إن لم يكُنْ لها مالٌ، بُذِلَتْ من بيتِ المالِ. فإن أبَى مَحْرَمُها الخروجَ معها، لم يُجْبَرْ، وإن لم يكنْ لها مَحْرَمٌ، غُرِّبَتْ مع نِساءٍ ثقات. والقولُ في أُجرَةِ مَن يسافرُ معها منهنَّ، كالقولِ في أُجْرَةِ المَحْرَمِ. فإن أَعْوَز، فقد قال أحمدُ: تَبْقَى بغيرِ مَحْرَمٍ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه لا سبيلَ إلى تأْخِيرِه، فأشْبَهَ سفَرَ الهِجْرَةِ والحجِّ إذا ماتَ محرمُها في الطَّرِيقِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يسْقُطَ النَّفْىُ، إذا لم تَجدْ مَحْرَمًا، كما يسْقُطُ سَفَرُ الحجِّ، إذا لم يكُنْ لها مَحْرَمٌ، فإنَّ تَغْريبَها إغراءٌ لها بالفُجُورِ، وتعريضٌ لها للفِتْنةِ، وعُمومُ الحديثِ مَخْصوصٌ بعُمومِ النَّهْىِ عن سَفَرِها بغيرِ مَحْرَمٍ.
فصل: ويجب أن يحضُرَ الحَدَّ طائفةٌ من المؤمنين؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (17). قال أصحابُنا: والطائِفَةُ واحدٌ فما فوقَه. وهذا
(17) سورة النور 2.
قولُ ابنِ عباسٍ، ومُجاهدٍ. والظاهرُ أنَّهم أرادُوا واحدًا مع الَّذِى يُقِيمُ الحَدَّ؛ لأنَّ الذي يُقِيمُ الحَدَّ حاصِلٌ ضرورَةً، فيَتَعَيَّنُ صَرْفُ الأمرِ إلى غيرِه. وقال عَطاءٌ، وإسحاقُ: اثنان. فإن أرادَ به واحدًا مع الَّذِى يُقِيمُ الحَدَّ، فهو مِثْلُ القَوْلِ الأوَّلِ، وإن أرادَ اثنينِ غيرَه، فوَجْهُه أنَّ الطائِفَةَ اسمٌ، لمَا زادَ على الواحدِ، وأقلُّه اثْنانِ. وقال الزُّهْرِىُّ: ثلاثةٌ؛ لأنَّ الطَّائِفَةَ جماعَة، وأقلُّ الجمعِ ثلاثةٌ، وقال مالِكٌ: أربَعَةٌ؛ لأنَّه العددُ الذي يَثْبُتُ به الزِّنَى. وللشافِعِىِّ، قَوْلَانِ، كَقَوْل الزُّهْرِىّ ومالكٍ. وقال رَبِيعةُ: خمسةٌ. وقال الحسنُ: عشرةٌ. وقال قتادةُ: نَفَرٌ. واحتجَّ أصحابُنَا بقولِ ابنِ عباسٍ، ولأنَّ اسمَ الطَّائِفةِ يقَعُ على الواحِدِ، بدليلِ قولِ اللَّه تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (18). ثم قال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (18). [وقيل في قولِه تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} (19). أنَّه مَخْشِىُّ (20) بنُ حُمَيِّرٍ (21) وحدَه](22). ولا يجبُ أن يَحْضُرَ الإِمامُ، ولا الشُّهودُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: إنْ ثَبَتَ الحَدُّ ببَيِّنَةٍ، فعليها الحضُورُ، والبَداءَةُ بِالرَّجْمِ، [وإن ثَبَتَ باعْترافٍ، وَجَبَ على الإِمامِ الحضُورُ، والبَدَاءةُ بالرَّجْمِ](23)؛ لمَا رُوِىَ عن عليٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنه قال: الرَّجْمُ رَجْمَانِ؛ فما كان منه بإقْرارٍ، فأوَّلُ مَن يَرْجُمُ الإِمامُ، ثم النَّاسُ، وما كان بِبَيِّنَةٍ، فأَوَّلُ من يَرْجُمُ البَيِّنَةُ، ثم النَّاسُ. رواه سعيدٌ، بإسنادِه (24). ولأنَّه إذا لم تَحْضُرِ الْبَيِّنَةُ ولا الإِمامُ، كان ذلك شُبْهَةً، والحَدُّ يسْقُطُ بِالشُّبُهاتِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بِرَجْمِ ماعِزٍ والغامِدِيَّةِ، ولم يَحْضُرْهما، والحَدُّ ثَبَتَ باعْترافِهِما.
(18) سورة الحجرات 9، 10.
(19)
سورة التوبة 66.
(20)
في النسخ: "محش". وتقدم في صفحة 270.
(21)
تقدم تخريجه، في صفحة 270.
(22)
سقط من: ب.
(23)
سقط من: ب. نقل نظر.
(24)
تقدم تخريجه، في صفحة 313.