الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحُدُودَ إذا اجتمعتْ وفيها قتلٌ، سَقَطَ ما سِواهُ، فالحَدُّ الواحدُ (20) أوْلَى. ووَجْهُ الرِّواية الأُولَى (21) قولُه تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (22). وهذا عامٌّ، ثم جاءتِ السُّنَّةُ بالرَّجْمِ في حَقِّ الثِّيِّبِ، والتَغْرِيبِ في حَقِّ البِكْرِ، فوجبَ الجمعُ بينهما. وإلى هذأ أشارَ علىٌّ، رضي الله عنه، بقولِهِ: جَلَدْتُها بكتابِ اللهِ، ورَجَمْتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقد صرَّحَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه في حديثِ عُبادَةَ:"والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، الْجَلْدُ والرَّجْمُ"(23). وهذا الصَّريحُ الثابِتُ بيَقِينٍ لا يُتْرَكُ إلَّا بمِثْلِه، والأحاديثُ الباقيَةُ ليست صريحةً، فإنَّه ذكرَ الرَّجْمَ ولم يَذْكُرِ الْجلدَ، فلا يُعارَضُ به الصريحُ، بدليل أنَّ التَّغْرِيبَ يجبُ بذكْرِه في هذا الحديثِ، وليس بمَذْكورٍ فى الآيةِ، ولأنَّه زانٍ فَيُجْلَدُ كالبِكْرِ، ولأنَّه قد شُرِعَ في حَقِّ البِكْرِ عُقُوبَتان؛ الجلدُ، والتَّغْريبُ، فيُشْرَعُ في حَقِّ المُحْصَنِ أيضًا عُقُوبَتانِ؛ الجلدُ، والرَّجْمُ، فيكونُ الرَّجْمُ مَكانَ التَّغْريبِ. فعلى هذه الرِّوايةِ، يَبْدأُ بالجَلْدِ أوَّلًا، ثم يَرْجُمُ، فإنْ والَى بينهما (24) جازَ، لأنَّ إتْلافَه مقصودٌ، فلا تَضُرُّ المُوالاةُ بينَهما، وإن جَلَدَه يومًا ورَجَمَهُ في آخرَ، جازَ، فإنَّ علِيًّا، رضي الله عنه، جلَد شُراحةَ يومَ الخميسِ، ثم رَجَمَها يومَ الجمعةِ، ثم قال: جلَدْتُها بكتابِ اللَّه تعالى، ورَجَمْتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.
الفصلُ الثالثُ:
أنَّ الرَّجْمَ لا يجبُ إلَّا علَى الْمُحْصَنِ، بإجْماعِ أهلِ العلمِ. وفى حديثِ عمرَ: إنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ على مَن زنَى وقد أُحْصِنَ (25). وقالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ". ذكرَ منها: "أو زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ"(26). وللإِحْصانِ شُروطٌ سبعة؛ أحدُهما، الوَطْءُ في القُبُلِ، ولا خلافَ في اشْتراطِه؛ لأنَّ
(20) سقط من: ب، م.
(21)
سقط من: م.
(22)
سورة النور 2.
(23)
تقدم تخريجه، في صفحة 308.
(24)
في ب، م:"بينهم".
(25)
تقدم تخريجه، في: 11/ 11.
(26)
تقدم تخريجه، في: 11/ 443.
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ الجَلْدُ والرَّجْمُ". والثِّيَابَةُ تَحْصُلُ بالوَطْءِ في القُبُلِ، فوَجَبَ اعتبارُه. ولا خِلَافَ في أنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ الخالِى عن الوَطْءِ، لا يَحْصُلُ به إحْصَانٌ؛ سواءٌ حَصَلَتْ فيه خَلْوَةٌ، أو وَطْءٌ فيما دونَ الفرجِ، أو في الدُّبُرِ، أَو لَم يحصُلْ شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ هذا لا تَصِيرُ به المرأةُ ثَيِّبًا، ولا تَخْرُجُ به عن حَدِّ الأبْكارِ، الِذينَ حَدُّهم جَلْدُ مائةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، بمُقْتضَى الخَبَرِ. ولا بُدَّ من أنْ يكونَ وَطْئًا حَصَلَ به تَغْيِيبُ الحَشَفَةِ في الفَرْجِ؛ لأنَّ ذلك حَدُّ الوَطْءِ الذي يتعلَّقُ به أحْكامُ الوَطْءِ. الثاني، أن يكونَ في (27) نكاحٍ؛ لأنَّ النِّكَاحَ يُسَمَّى إحْصانًا؛ بدليلِ قول اللَّه تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} (28). يعني المُتزَوِّجاتِ. ولا خلافَ بينَ أهلِ العلمِ، في أنَّ الزِّنَى، ووَطْءَ الشُّبْهةِ، لا يَصِيرُ به الواطىءُ مُحْصَنًا. ولا نَعْلمُ خلافًا في أنَّ التَّسَرِّىَ لا يحْصُلُ به الإِحْصانُ لواحدٍ منهما؛ لكَوْنِه ليس بنكاحٍ ولا تثْبُتُ فيه أحْكامُه. الثالث، أن يكونَ النِّكَاحُ صحيحًا. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم عَطاءٌ، وقَتادَةُ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقالَ أبو ثَوْر: يحْصُلُ الإِحْصانُ بالوَطْءِ في نكاحٍ فاسِدٍ. وحُكِىَ ذلك عن اللَّيثِ، والأوْزَاعِىِّ؛ لأنَّ الصحيحَ والفاسِدَ سواءٌ في أكثرِ الأحكامِ، مثل وُجوب المَهْرِ والعِدَّةِ، وتَحْريمِ الرَّبِيبَةِ وأمِّ المرأةِ، ولَحاقِ/ الولدِ، فكَذلك في الإِحْصانِ. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ في غيرِ مِلْكٍ. فلم يحْصُلْ به الإِحصانُ، كوَطْءِ الشُّبْهةِ، ولا نُسَلِّمُ ثُبوتَ (29) ما ذكرُوه من الأحْكامِ، وإنَّما [ثَبَتَتْ بالوَطْءِ](30) فيه، وهذه (31) ثبتَتْ في كلِّ وَطْءٍ، وليستْ مُخْتصَّةً بالنكاحِ، [إلَّا أنَّ النِّكاحَ](32) ههُنا صارَ شُبْهةً، فصارَ الوَطْءُ فيه كوَطْءِ الشُّبْهةِ سَواءً. الرابع، الحُرِّيَّةُ، وهى شَرْطٌ في قولِ
(27) سقط من: الأصل، م.
(28)
سورة النساء 24.
(29)
في م: "ثيوب" تصحيف.
(30)
في ب: "ثبت الوطء".
(31)
في ب: "وهذا".
(32)
سقط من: الأصل. نقل نظر.
أهلِ (33) العلم كلِّهم، إلَّا أبا ثَوْرٍ، قال: العبدُ والأمَةُ هما مُحْصَنَانِ، يُرْجَمانِ إذا زَنَيَا، إلَّا أن يكونَ إجْماعٌ يُخالِفُ ذلك. وحُكِىَ عن الأوْزَاعِىّ في العبدِ تحتَه حُرَّةٌ: هو مُحْصَنٌ، يُرْجَمُ إذا زَنَى، وإن كان تحتَه أمَةٌ، لم يُرْجَمْ. وهذه أقوالٌ تُخالِفُ النَّصَّ والإِجْماعَ، فإنَّ اللَّه تعالى قال:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (34). والرَّجْمُ لا يَتَنَصَّفُ، وإيجابُه كلُّه يُخالِفُ النَّصَّ بع مُخالفَةِ الإِجْماعِ المُنْعَقِدِ قَبْلَه، إلَّا أن يكونَ إذا عَتَقَا بعدَ الإِصابةِ، فهذا فيه اخْتلافٌ سنذْكرُه إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وقد وافَق الأوْزَاعِىُّ على أنَّ العَبْدَ إذا وَطِىءَ الأمَةَ، ثم عَتَقَا، لم يَصِيرَا مُحْصَنَيْنِ، وهو قولُ الجمهورِ، وزاد فقال في المَمْلوكَيْن إذا أُعْتِقَا، وهما متزوِّجَانِ، ثم وَطِئَها الزَّوْجُ: لا يَصِيرانِ مُحْصَنَيْنِ بذلك الوَطْءِ. وهو أيضًا قولٌ شاذٌ، خالَفَ أهلَ العلمِ به؛ فإنَّ الوطءَ وُجِدَ منهما حالَ كَمالِهما، فحصَّنَهما، كالصَّبِيَّيْن إذا بَلَغَا. الشَّرْطُ الخامسُ والسادسُ، البُلُوغُ والعقلُ، فلو وَطِىءَ وهو صَبِىٌّ أو مجنونٌ، ثم بلغَ أو عَقَلَ، لم يكُن مُحْصَنًا. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، ومذهبُ الشَّافِعِىِّ. ومِن أصْحابِه مَن قال: يصيرُ مُحْصَنًا، وكذلك العبدُ إذا وَطِىءَ في رِقِّه، ثم عَتَقَ، يصيرُ مُحْصَنًا؛ لأنَّ هذا وَطْءٌ يحْصُلُ به الإِحْلالُ للمُطلِّق ثلاثًا، فحصَلَ به الإِحْصانُ، كالموجودِ حالَ الكمالِ. ولَنا، قولُه عليه السلام:"والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ". فاعْتَبَرَ الثُّيوبَةَ خاصَّةً، ولو كانتْ تحْصُلُ قبلَ ذلك، لَكان يجبُ عليه الرَّجْمُ قبلَ بُلوغِه وعَقْلِه، وهو خلافُ الإِجماعِ، ويُفارِقُ الإِحصانُ الإِحْلالَ، لأنَّ اعتبارَ الوَطْءِ في حَقِّ المُطلِّق ، يَحْتَمِلُ أن يكونَ عقُوبةً له بتَحْريمِها عليه حتى يطأَها غيرُه، ولأنَّ هذا ممَّا تَأْبَاه الطِّباعُ ويَشُقُّ على النُّفُوسِ، فاعْتبرَه الشارِعُ زَجْرًا عن الطَّلَاقِ ثلاثًا، وهذا يَسْتَوِى فيه العاقِلُ والمجنونُ، بخلافِ الإِحْصانِ، فإنَّه اعْتُبِرَ لكَمالِ النِّعْمَةِ [في حَقِّهِ](35)، فإن مَنْ كَمَلَتِ النِّعْمَةُ في حَقِّه، كانتْ جِنايتُه أفْحَشَ وأحقَّ بزيادَةِ
(33) في ب: "أكثر هل".
(34)
سورة النساء 25.
(35)
سقط من: الأصل.