الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} (35) فهو الذي عفا اللهُ عنه، وسَأَلَ اللهَ تعالى، أنْ يُقْتَلَ في سَبِيلِهِ، ولا يُعْلَمَ بمَكانِه، فقُتِلَ يومَ الْيَمَامَةِ، ولم يُعْلَمْ مَوْضِعُه. ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَفَّ عن المُنافقين بما أظْهَرُوا مِن الشَّهادَةِ، مع إِخْبارِ اللهِ تعالى له بِبَاطِنِهم، بقولِه تعالى:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (35) وغيرِها مِنَ الْآياتِ. وحديثُ ابنِ مسعودٍ حُجَّةٌ في قَبُولِ تَوْبَتِهِم، مع اسْتِسْرَارِهم بكُفْرِهم. وأمَّا قَتْلُه ابنَ النَّوَّاحَة، فيَحْتَمِلُ أنَّه قَتَلَه لِظُهُورِ كَذِبِه في تَوْبتهِ؛ لأنَّه أَظْهَرَها، وتَبَيَّنَ أنَّه ما زالَ عَمَّا كان عليه مِنْ كُفْرِهِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه قَتَلَه لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم له حينَ جاءَ رَسُولًا لِمُسَيْلِمَةَ:"لَولا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ، لَقَتَلْتُكَ"(36). فَقَتَلَهُ تَحْقِيقًا لِقَوْلِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقد رُوِىَ أنَّه قَتَلَه لذلك. وفى الجُملة، فالخِلافُ بينَ الأئِمَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبتِهم في الظَّاهِرِ مِنْ أحْكامِ الدنيا، مِنْ تَرْكِ قَتْلِهم، وثُبُوتِ أحْكامِ الإِسلامِ في حَقِّهم؛ وأمَّا قَبُولُ اللهِ تعالى لها في الباطِنِ، وغُفْرَانُه لِمَنْ تاب وأقْلَعَ [باطِنًا وظاهِرًا](37)، فلا خِلافَ فيه، فَإنَّ اللهَ تعالى قال في المنافِقِينَ:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (38).
فصل:
وَقَتْلُ الْمُرْتدِّ إلى الإِمامِ، حُرًّا كان أو عَبْدًا. وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ، إلَّا الشَّافِعِىَّ، في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ في العَبْدِ، فإِنَّ لِسَيِّدِه قَتْلَه؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"(39). ولأَنَّ حَفْصَةَ قتَلَتْ جارِيَةً سَحَرَتْهَا (40). ولأَنَّه
(35) سورة التوبة 56.
(36)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرسل، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 76. والدارمى، في: باب في النهى عن قتل الرسل، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 235. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 391.
(37)
في م: "ظاهرا أم باطنا".
(38)
سورة النساء 146.
(39)
أخرجه أبو داود، في: باب في إقامة الحد على المريض، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 471. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 145.
(40)
أخرجه البيهقي، في: باب تكفير الساحر وقتله، من كتاب القسامة. السنن الكبرى 8/ 136. =