الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن وَقْتِه، وحديثُ علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: يا أيُّها النَّاسُ، أقيمُوا على أرِقَّائكُم الحَدَّ، مَنْ أحْصَنَ منهم، ومن لم يُحْصَنْ؛ فإنَّ أَمَةً لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم زَنَتْ، فأمرَنِى أن أجلدَها. وذكرَ الحديثَ. روَاه أبو داودَ (17)، ولم يذكُرْ أنَّه غَرَّبَها. وأَمَّا الآيَةُ، فإنَّها حُجَّةٌ لنا؛ لأنَّ العذابَ المذكورَ في القرآنِ مِائَةُ جلدةٍ لا غيرُ، فيَنْصَرِفُ التَّنْصيفُ إليه دونَ غيرِه؛ بدليلِ أنَّه لم ينْصَرِفْ إلى تَنْصِيفِ الرَّجْمِ، ولأنَّ التَّغْرِيبَ في حقِّ العبدِ عُقوبةٌ لسيِّدِه دونَه، فلم يجبْ في الزِّنَى، كالتَّغْرِيمِ، بيانُ ذلك، أنَّ العبدَ لا ضرَرَ عليه في تَغْريبِه؛ لأنَّه غَرِيبٌ في مَوْضِعِه، ويترفَّهُ بتَغْريبِه من الخِدْمَةِ، ويَتَضَرَّرُ سيِّدُه بتَفْويتِ خِدْمَتِه، والخطرِ بخُروجِه من تحتِ يدِه، والكُلْفَةِ في حِفْظِه، والإِنفاقِ عليه مع بُعْدِه عنه، فيصيرُ الحدُّ مَشْروعًا في حقِّ غيرِ الزَّانِي، والضررُ على غيرِ الجانِي، وما فعلَ ابنُ عمرَ، ففى حَقِّ نفسِه وإسْقاطِ حَقِّه، وله فعلُ ذلك من غيرِ زِنًى ولا جِنَايَةٍ، فلا يكونُ حُجَّةً في حَقِّ غيرِه.
فصل:
وإذا زنَى العبدُ، ثم عَتَقَ، حُدَّ حَدَّ الرَّقِيقِ؛ لأنَّه إنَّما يُقامُ عليه الحَدُّ الذي وَجَبَ عليه. ولو زَنَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ، ثم لَحِقَ بدارِ الحَربِ، ثم سُبِىَ واسْتُرِقَّ، حُدَّ حَدَّ الأحْرارِ؛ لأنَّه وَجَبَ عليه وهو حُرٌّ. ولو كان أحدُ الزَّانِيَيْنِ رَقِيقًا، والآخَرُ حُرًّا، فعلى كُلِّ واحدٍ منهما حَدُّه. ولو زَنَى بِكرٌ بثيِّبٍ، حُدَّ كُلُّ واحدٍ منهما حَدَّه؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما إنَّما تَلْزمُه عُقوبَةُ جِنَايَتِه. ولو زَنَى بعدَ العِتْق، وقَبْلَ العلمِ به، فعليه حَدُّ الأحْرارِ؛ لأنَّه زَنَى وهو حُرٌّ. وإن أُقِيمَ عليه حَدُّ الرَّقِيقِ قبلَ العِلْمِ بحُرِّيَّتِه، ثم عُلِمتْ بعدُ، تُمِّمَ عليه حَدُّ الأحْرارِ. وإن عَفَا السَّيِّدُ عن عبدِه، لم يَسْقُطْ عنه الحَدُّ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا الحسنَ، قال: يَصِحُّ عَفْوُه. وليس بصحيحٍ؛ لأنَّه حَقٌّ للهِ تعالى، فلا يسْقُطُ بإسْقاطِ سَيِّدِه، كالعِبَاداتِ، وكالحُرِّ إذا عَفَا عنه الإِمامُ.
فصل: وللسَّيِّدِ إقامَةُ الحَدِّ بالجَلْدِ على رَقِيقِه القِنِّ، في قولِ أكثرِ العلماءِ.
(17) تقدم تخريجه، في صفحة 329.
رُوِىَ نحوُ ذلك عن علىٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابن عمرَ، وأبى حُمَيْدٍ وأبى أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّيْن، وفاطمةَ ابنةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعَلْقَمَةَ، والأسْودِ، والحسنِ (18)، والزُّهْرِيِّ، وهُبَيْرَةَ بنِ يَرِيمَ (19)، وأبى مَيْسَرَةَ، ومالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشَّافِعِيِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابن الْمُنْذِرِ. وقال ابنُ أبي ليلى: أدْرَكْتُ بَقايا الأنْصارِ يَجْلِدُونَ ولائِدَهم في مجالِسِهم الحُدودَ إذا زَنَوْا. وعن الحسنِ بن محمدٍ، أنَّ فاطمةَ حَدَّتْ جَارَيَةً لها زَنَتْ. وعن إبراهيمَ، أنَّ عَلْقَمَةَ والأسْوَدَ كانَا يُقيمانِ الحُدُودَ على مَنْ زَنَى من خَدَمِ عشائِرِهم. رَوَى ذلك سعيدٌ، في "سُنَنِه" (20). وقال أصْحابُ الرّأْيِ: ليس له ذلك؛ لأنّ الحُدودَ إلى السلطانِ، ولأنَّ من لا يَمْلِكُ إقامةَ الحَدِّ على الحُرِّ لا يَمْلِكُه على العبدِ، كالصبِىِّ، ولأنَّ الحَدَّ لا يجبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أو إقْرارٍ، ويُعْتَبَرُ لذلك شروطٌ، مِنْ عَدالةِ الشُّهودِ، ومَجيئِهِم مُجْتَمِعينَ، أو في مجلسٍ واحدٍ، وذِكْرِ حَقِيقَةِ الزِّنَى، وغيرِ ذلك من الشُّروطِ التي تحتاجُ إلى فقيهٍ يعرفُها، ويعرفُ الخِلافَ فيها، والصَّوابَ منها، وكذلك الإِقْرارُ، فيَنْبَغِى أن يُفَوَّضَ ذلك إلى الإِمامِ أو نائِبه، كحَدِّ الأحْرَارِ، ولأنَّه حَدٌّ هو حَقٌّ للَّه (21) تعالى، فَيُفَوَّضُ إلى الإِمامِ، كالقتلِ والقَطْعِ. ولَنا، ما رَوى سعيدٌ (22)، حدَّثنا سفيانُ، عن أيُّوبَ بن موسى، عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ. عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "إذَا زَنَتْ أَمَةُ أحَدِكُمْ، فتَبَيَّنَ (23) زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ بِهَا، فإنْ عَادَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ بها، فَإنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ (24) بها، فإنْ عَادَتِ الرَّابِعَةَ،
(18) سقط من: م.
(19)
هبيرة بن يريم الشيباني الكوفي، تابعي، لا بأس بحديثه. تهذيب التهذيب 11/ 23، 24. وفي النسخ:"وهبيرة بن مريم". تصحيف.
(20)
وأخرجه البيهقي، في: باب حد الرجل أمته إذا زنت، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 245. وعبد الرزاق، في: باب زنا الأمة، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 394.
(21)
في م: "اللَّه".
(22)
تقدم تخريجه، في صفحة 332، عن غير سعيد.
(23)
في ب، م:"فتيقن".
(24)
ثرَّب فلانا وعليه: لامه وعيَّره بذنبه.
فَلْيَجْلِدْهَا، ولْيَبِعْها (25) وَلَوْ بِضَفِيرٍ". وقال (26): حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، حدَّثنا عبدُ الأعْلَى، عن أبي جَمِيلةَ، عن علىٍّ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". وروَاه الدَّارَقُطْنِيُّ (27). ولأنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تأْديبَ أَمَتِه وتَزْويجَها، فَمَلَكَ إقَامَةَ الحَدِّ عليها، كالسُّلْطَانِ، وفارقَ الصَّبِيَّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يَمْلِكُ إقامةَ الحَدِّ بشروطٍ أربعةٍ؛ أحدُها، أن يكونَ جلدًا كحَدِّ الزِّنَى، والشُّرْبِ، وحَدِّ القَذْفِ، فأمَّا القتلُ في الرِّدَّةِ، والقَطْعُ في السَّرِقَةِ، فلا يَمْلِكُهما إلَّا الإِمامُ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وفيهما وَجْهٌ آخرُ، أنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُهُما. وهو ظاهِرُ مذهب الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمومِ قولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"أقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". ورُوِىَ أنَّ ابنَ عمرَ قطَعَ عبدًا سَرَقَ (28). وكذلك عائِشةُ. وعن حَفْصَةَ أنَّها قَتَلَتْ أَمَةً لها سَحرَتْها (28). ولأنَّ ذلك حَدٌّ أشْبَهَ الجَلْدَ. وقالَ القاضي: كلامُ أحمدَ يَقْتَضِي أنَّ في قَطْعِ السَّارِقِ روَايتَيْن. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ تَفْويضُ الحَدِّ إلى الإِمامِ؛ لأنَّه حَقٌّ للهِ تعالى، فيُفَوَّضُ إلى نائِبِه، كما في حَقِّ الأحْرارِ، ولما ذكَرَه أصحابُ أبي حَنِيفةَ، وإنَّما فُوِّضَ إلى السَّيِّدِ الجَلْدُ خاصَّةً، لأنَّه تأدِيبٌ، والسَّيِّدُ يَمْلِكُ تأديبَ (29) عبدِه وضَرْبَه على الذَّنْبِ، وهذا من جنسِه، وإنَّما افْتَرَقَا في أنَّ هذا مُقَدَّرٌ، والتأديبُ غيرُ مُقَدَّرٍ، وهذا لا أَثَرَ له في مَنْعِ السَّيِّدِ منه، بخلافِ القَطْعِ والقَتْلِ، فإنَّهما إتْلافٌ لجُمْلَتِه أو بَعْضِه (30) الصَّحِيحِ، ولا يَمْلِكُ السَّيِّدُ هذا من عَبْدِه، ولا شيئًا من جِنْسِه، والخبرُ الواردُ في حَدِّ السَّيِّدِ عبدَه، إنَّما جاءَ في الزِّنَى خاصَّةً، وإنَّما قِسْنَا عليْه ما يُشْبِهُه من الجَلْدِ. وقولُه:"أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". إنَّما جاء في سِياقِ الجَلْدِ في الزِّنَى، فإنَّ أوَّلَ الحديثِ عن عليٍّ
(25) في ب: "أو ليبعها".
(26)
أي سعيد.
(27)
تقدم تخريجه، في صفحة 329.
(28)
أخرج عبد الرزاق ما روى عن ابن عمر، في: باب سرقة العبد، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 239. وما روى عن حفصة تقدم، في صفحة 271.
(29)
سقط من: م.
(30)
في م: "وبعضه".
قالَ: أُخْبِرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بأَمَةٍ لهم فَجَرَتْ، فَأَرْسَلَنِى إليها، فقال:"اجْلِدْهَا الحَدَّ". قال: فانطلَقْتُ، فوَجَدْتُها لم تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا، فرَجَعْتُ إليه، فقال:"أفَرَغْتَ؟ ". فقلتُ: وجَدْتُها لم تَجِفَّ من دَمِها. قال: "إذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا، فَاجْلِدْهَا الحَدَّ، وأَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"(31). فالظَّاهِرُ أنَّه إنَّما أرادَ ذلك الحَدَّ وشِبْهَه. وأمَّا فعلُ حَفْصَةَ، فقد أَنْكَرَهُ عثمانُ عليها، وشَقَّ عليه، وقولُه أَوْلَى مِنْ قَوْلِها. وما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، فلا نعلَمُ ثُبوتَه عنه. الشَّرْطُ الثَّانِي، أن يَخْتَصَّ السَّيِّدُ بالمَمْلوكِ، فإن كان مُشْتَرَكًا بينَ اثْنَيْنِ، أو كانتِ الأَمَةُ مُزَوَّجَةً، أو كان المملوكُ مُكاتَبًا، أو بعضُه حُرًّا، لم يَمْلِكِ السَّيِّدُ إقامَةَ الحَدِّ عليه. وقال [مالِكٌ، ](32) والشَّافِعِيُّ: يَمْلِكُ السَّيِّدُ إقامَةَ الحَدِّ على الأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِعُمُومِ الخبَرِ، ولأنَّه مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهَا، وإنَّما يَمْلِكُ الزَّوْجُ بعضَ نَفْعِها، فَأشْبَهَتِ المُسْتَأْجَرَةَ. ولَنا، ما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه قال: إذا كانتِ الأمَةُ ذاتَ زوجٍ، رُفِعَتْ إلى السُّلْطانِ، وإن لم يكُنْ لها زَوْجٌ، جلدَها سَيِّدُها نصْفَ ما على المُحْصَنِ (33). ولا (34) نَعْرِفُ له مُخالِفًا في عصرِه، فكانَ إجْماعًا. ولأنَّ نَفْعَها مملوكٌ لغيرِه مُطْلَقًا، أشْبَهتِ الْمُشْتَرَكَةَ، ولأنَّ المُشْتَرَكَ إنَّما مُنِعَ من إقَامةِ الحَدِّ عليه، لأنَّه يُقِيمُه في غيرِ مِلْكِه، فإنَّ الجزءَ (35) الحُرَّ أو المملوكَ (36) لغيرهِ، ليس بمَمْلوكٍ له، وهو يُقِيمُ الحَدَّ عليه، وهذا يُشْبِهُه؛ لأنَّ مَحَلَّ الحَدِّ هو مَحَلُّ اسْتِمْتاعِ الزَّوْجِ، وهو بدنُها فلا يَمْلِكُه، والخبرُ مَخْصوصٌ بالمُشْتَرَكِ، فنَقِيسُ عليه، والمُسْتأجَرَةُ إجارتُها مُؤَقَّتةٌ تَنْقَضِى (37). ويَحْتَمِلُ أنْ نقولَ: لا يَمْلِكُ إقامَتَه عليها في حالِ إجارتِها؛
(31) في م زيادة: "قال".
(32)
سقط من: الأصل.
(33)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب زنى الأمة، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 395.
(34)
في م: "ولم".
(35)
سقط من: ب.
(36)
في الأصل: "والمملوك".
(37)
في الأصل: "فتقضى".
لأنَّه رُبَّما أفْضَى إلى تَفْويتِ حَقِّ المُسْتَأْجِرِ، وكذلك الأمَةُ المَرْهونَةُ، يُخَرَّجُ فيها وَجْهان. الشرطُ الثالث، أنَّ يَثْبُتَ الحَدُّ بِبَيِّنَةٍ أو اعْترافٍ، فإن ثَبَتَ باعْترافٍ، فلِلسَّيِّدِ إقامتُه، إذا كانَ يعرفُ الاعْترافَ الذي يَثْبُتُ به الحَدُّ وشُروطَه، وإن ثَبَتَ ببَيِّنةٍ، اعْتُبِرَ أنْ يَثْبُتَ عندَ الحاكمِ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تحْتاجُ إلى البحثِ عن العدالَةِ، ومعرفَةِ شرُوطِ سَماعِها ولَفْظِها، ولا يقومُ بذلك إلَّا الحاكِمُ. وقال القاضي يعقوب (38): إنْ كان السَّيِّدُ يُحْسِنُ سَماعَ البَيِّنَةِ، ويَعْرِفُ شُروطَ العدالَةِ، جازَ أن يسْمَعَها، ويُقِيمَ الحَدَّ بها، كما يُقِيمُه بالإِقْرارِ. وهذا ظاهرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّها أحَدُ ما يَثْبُتُ به الحَدُّ، فأشْبَهتِ الإِقْرارَ. ولا يُقيمُ السَّيِّدُ الحَدِّ بعِلْمِه. وهذا قولُ مالِكٍ؛ لأنَّه لا يُقِيمُه الإِمَامُ بعلْمِه، فالسَّيِّدُ أوْلَى، فإنَّ ولايةَ الإِمامِ للحَدِّ أقْوَى مِنْ وِلايَةِ السَّيِّدِ؛ لكَوْنِها مُتَّفَقًا عليها، وثابتةً بالإِجْماعِ، فإذا لم يَثْبُتِ الْحَدُّ في حَقِّه بالعِلْمِ، فههُنا أوْلَى. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه يُقِيمُهُ بعِلْمِه؛ لأنَّه قد ثَبَتَ عندَه، فمَلَكَ إقامَتَه، كما لو أقَرَّ به، ويفارِقُ الحاكِمَ؛ لأنَّ الحاكِمَ مُتَّهَمٌ، ولا يَمْلِكُ مَحَلَّ إقامَتِه، وهذا بخلافِه. الشرطُ الرابع، أن يكونَ السَّيِّدُ بالغًا عاقِلًا عالِمًا بالحُدُودِ وكَيْفِيَّةِ إقامَتِها؛ لأنَّ الصَّبِىَّ والمجنُونَ لِيسَا من أهلِ الولاياتِ، والجاهلَ بالحَدِّ لا يُمْكِنُه إقامَتُه على الوجْهِ الشَّرْعِيِّ، فلا يُفَوَّضُ إليه. وفي الفاسِقِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّ هذه ولايةٌ، فنافَاها الفِسْقُ، كولايةِ التَّزْوِيجِ. والثَّانى، يَمْلِكُه؛ لأنَّ هذه ولايةٌ اسْتَفادَها بالمِلْكِ، فلم يُنَافِها الفِسْقُ، كبَيْعِ العبدِ. وإن كان مُكاتَبًا ففيه احْتمالانِ؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّه ليس من أهلِ الوِلَايةِ. والثاني، يَمْلِكُه؛ لأنَّه مُسْتَفادٌ (39) بالمِلْكِ، فأَشْبَهَ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِه. وفي المرأَةِ أيضًا احْتمالانِ؛ أحدُهما، لا تَمْلِكُه؛ لأنَّها ليستْ من أهلِ الولايات. والثانى، تَمْلِكُهُ؛ لأنَّ فاطِمَةَ جَلَدَتْ أمَةً لها، وعائِشَةَ قَطَعَتْ أمَةً لها سَرَقَتْ، وحَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لها (40)
(38) يعقوب بن إبراهيم بن سطور البرزيني أبو على القاضي، دخل بغداد سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، وولى القضاء بباب الأزج سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وكان ذا معرفة ثاقبة بأحكام القضاء، وإنفاذ السجلات، ومات وهو على القضاء سنة ست وثمانين وأربعمائة. طبقات الحنابلة 2/ 245 - 247.
(39)
في ب، م:"يستفاد".
(40)
سقط من: الأصل.