الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجِبُ فيه غُرَّةً كاملةً، ويكون عَقْلُه وعَقْلُ أُمِّه على عاقِلَتِه المسلمين، اعْتبارًا بحالِ الاسْتِقْرارِ.
1477 - مسألة؛ قال: (وَإنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا، فأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ مِن الضَّرْبَةِ، فَفِيه دِيَةُ حُرٍّ إنْ كَانَ حُرًّا، أو قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مَمْلوكًا، إذَا كَانَ سُقُوطُه لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ أن يَكُونَ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ فَصَاعِدًا)
هذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ في الْجَنينِ، يَسْقُطُ حَيًّا من الضَّرْبِ، دِيَةً كاملةً، منهم؛ زيدُ بن ثابتٍ، وعُرْوَةُ، والزُّهْرِىُّ، والشَّعْبِىُّ، وقَتادَةُ، وابنُ شُبْرُمَةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ وذلك لأنَّه مات من جِنايَتِه بعدَ ولَادَتِه، في وقتٍ يعيشُ لِمِثْلِه، فأشْبَهَ قَتْلَه بعدَ وَضْعِه. وفى هذه المسألةِ ثلاثةُ فُصُولٍ:
أحدها: أنَّه إنَّما يُضْمَنُ بالدِّيَةِ إذا وضَعَتْه حَيًّا، ومتى عُلِمَتْ حَياتُه، ثَبَتَ له هذا الحكمُ، سواءٌ ثَبَتَتْ باسْتِهْلالِه، أو ارْتِضاعِه، أو بِنَفَسِهِ، أو عُطَاسِه، أو غيرِه من الأَماراتِ التي تُعْلَمُ بها حَياتُه. هذا ظاهِرُ قولِ الْخِرَقِىِّ. وهو مذهبُ الشافعىِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه لا يَثْبُتُ له حكمُ الحياةِ إلَّا بالاسْتِهْلالِ. وهذا قولُ الزُّهْرِىِّ، وقَتادةَ، ومالكٍ، وإسحاقَ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، وابنِ عباسٍ، والحسنِ بن عليٍّ، وجابرٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا اسْتَهَلَّ المَوْلُودُ، وَرِثَ ووُرِثَ"(1). مَفْهُومُه أنَّه لا يَرِثُ إذا لم يَسْتَهِلَّ. والاسْتِهْلالُ: الصِّيَاحُ. قاله ابنُ عباسٍ، والقاسمُ، والنَّخَعِىُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ، إلَّا مَسَّهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا، إلَّا مَرْيَمَ وابْنَها"(2). فلا يجوزُ غيرُ ما قالَه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) تقدم تخريجه، في: 3/ 459.
(2)
أخرجه الدارمي، في: باب ميراث الصبى، من كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 2/ 393.
والأصْلُ في تَسْمِيَةِ الصِّياحِ اسْتِهْلالًا، أنَّ مِن عادَةِ الناسِ أنَّهم إذا رَأَوُا الهلالَ صاحُوا، وأَرَاهُ (3) بعضُهم بعضًا، فسُمِّىَ صِياحُ المَوْلودِ اسْتِهْلالًا؛ لأنَّه في ظُهُورِه بعدَ خَفائِه كالهِلالِ، وصِياحُه كصِيَاحِ من يَتَراءَاهُ. ولَنا، أنَّه عُلِمَتْ حَياتُه، فأشْبَهَ المُسْتَهِلَّ، والخبرُ يَدُلُّ بمَعْناه وتَنْبِيهِه على ثُبُوتِ الحكمِ في سائِرِ الصُّوَرِ؛ لأنَّ شُرْبَه اللَّبَنَ أدَّلُ على حَياتِه من صِياحِه، وعُطاسُه صَوْتٌ منه فهو (4) كصِيَاحِه، وأمَّا الحَرَكةُ والاخْتِلاجُ المُنْفَرِدُ، فلا يَثْبُتُ به حُكْمُ الحياةِ؛ لأنَّه قد يتَحَرّكُ بالاخْتِلاجِ وسَبَبٍ آخرَ، وهو خُرُوجُه من مَضِيقٍ، فإنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ سِيَّما (5) إذا عُصِرَ ثم تُرِكَ، فلم تَثْبُتْ بذلك حَياتُه.
الفصل الثاني: أنَّه إنَّما يَجِبُ ضَمانُه إذا عُلِمَ مَوْتُه بسببِ الضَّرْبةِ، ويَحْصُلُ ذلك بسُقُوطِه في الحالِ ومَوْتِه، [أو بقائِه](6) مُتَأَلِّمًا (7) إلى أن يَمُوتَ، أو بقاءِ أُمِّه مُتألِّمةً إلى أن تُسْقِطَه، فيُعْلَمَ بذلك مَوْتُه بالجِنايةِ، كما لو ضَرَبَ رَجُلًا فمات عَقِيبَ ضَرْبِه، أو بَقِىَ ضَمِنًا (8) حتى مات. وإن ألْقَتْه حَيًّا، فجاء آخَرُ فقَتَلَه، وكان فيه حياةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فعلى الثاني القِصاصُ إذا كان عَمْدًا، أو الدِّيَةُ (9) كاملةً، وإن لم يَكُنْ فيه حياةٌ مُسْتَقِرةٌ، بل كانت حَرَكَتُه كحَرَكةِ المَذْبُوحِ، فالقاتلُ هو الأوَّلُ، وعليه الدِّيَةُ كاملةً، وعلى الثاني الأدَبُ. وإن وقَعَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثم بَقِىَ زَمَنًا سالِمًا لا أَلَم به، لم يَضْمَنْه الضارِبُ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّه لم يَمُتْ من جِنايَتِه.
الفصل الثالث: أنَّ الدِّيَةَ الكاملةَ إنَّما تَجِبُ فيه إذا كان سُقُوطُه لسِتَّةِ أشْهُرٍ
(3) في م: "وأراهم".
(4)
سقط من: ب، م.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
سقط من: م.
(7)
في ب: "سالما".
(8)
الضَّمِن؛ ككتف: الزمن والمبتلى في جسده.
(9)
في الأصل: "والدية".