الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْثًا. هذا قولُ القاضي واختيارُهُ. والمنْصوصُ عن أحمدَ، فيما إذا شهدَ أحدُهما بقَتْلِه، والآخَرُ بالإِقْرارِ بقَتْلِه، أنَّه يثْبُتُ القتلُ. واختارَ أبو بكرٍ ثُبوتَ القتلِ ههُنا، وفيما إذا شَهِدَ أحدُهما أنَّه قَتلَه بسيفٍ وشَهِدَ الآخرُ أنَّه قَتلَه بسِكِّينٍ؛ لأنهما اتَّفقا على القتلِ، واخْتلَفا في صفَتِه. وقال الشافعيُّ: هو لَوْثٌ في هذه الصُّورةِ، في أحدِ القَوْلَيْن، وفي الصُّورَتَيْن اللَّتَيْن قبلَها هو لَوْثٌ؛ لأنَّها شَهادةٌ تُغَلِّبُ على الظَّنِّ صِدْقَ المدَّعِي، أشْبَهتْ شهادةَ النِّساءِ والعبيدِ. ولَنا، أنَّها شهادةٌ مَرْدُودةٌ؛ للاخْتلافِ فيها، فلم تكُنْ لَوْثًا، كالصُّورةِ الأولى.
فصل:
وليس من شَرْط اللَّوْثِ أن يكونَ بالقتيلِ أثَرٌ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ. وعن أحمدَ: أنَّه شَرْطٌ. وهذا قولُ حمادٍ، وأبي حنيفةَ، والثَّوْرِيِّ؛ لأنَّه إذا لم يكُنْ به أثَرٌ، احْتَمَلَ أنَّه ماتَ حَتْفَ أنْفِه. ولَنا؛ أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يسْألِ الأنصارَ، هل كان بقَتيلِهم أثرٌ أو لا؟ ولأنَّ القتلَ يَحْصُلُ بما لا أَثرَ له، كغَمِّ الوَجْهِ، والخَنْقِ، وعَصْرِ الخُصْيتَيْن، وضَرْبةِ (20) الفُؤادِ، فأشْبَهَ مَن به أثَرٌ، ومَن به أثرٌ قد يموتُ حَتْفَ أنْفِه؛ لسَقْطَتِه، أو صَرْعِهِ (21)، أو يقتُلُ نفسَه. فعلى قولِ (22) مَن اعْتبرَ الأثرَ، إن خرجَ الدَّمُ من أُذُنِه، فهو لَوْثٌ؛ لأنَّه لا يكونُ إلَّا لِخَنْقٍ (23) له، أو أمرٍ أُصِيبَ به، وإن خَرجَ من أنْفِه، فهل يكونُ لَوْثًا؟ على وَجْهَين.
الفصل الثاني: أنَّ القَسامةَ لا تثْبُتُ ما لم يتَّفِقِ الأوْلياءُ على الدَّعْوَى، فإن كَذَّبَ بعضُهم بعضًا، فقال أحدُهم: قَتَلَه هذا. وقالَ الآخَرُ: لم يقْتُلْه هذا. أو قال: بل قتَلَه هذا الآخرُ، لم تثْبُتِ القَسامةُ. نصَّ عليه أحمدُ. وسواءٌ كان المكذِّبُ عَدْلًا أو فاسقًا.
(20) في الأصل: "وضرب".
(21)
في م: "صرعته".
(22)
في ب: "هذا".
(23)
في ب: "بخنق". وفي م: "بالخنق".
وذُكِرَ عن الشافعيِّ أنَّ القَسامةَ لا تبْطُلُ بتكْذيبِ الفاسِقِ؛ لأنَّ قولَه غيرُ مَقْبولٍ. ولَنا، أنَّه مُقِرٌّ على نفسِه بتَبْرئةِ مَن ادَّعَى عليه أخوه، فقُبِلَ، كما لو ادَّعَى دَيْنًا لهما، وإنَّما لا يُقْبَلُ قولُه على غيرِه، فأمَّا على نفسِه، فهو كالعَدْلِ؛ لأنَّه لا يُتَّهَمُ في حقِّها؛ فأمَّا إنْ لم يُكذِّبْه، ولم يُوافِقْه في الدَّعْوَى، مثل إنْ قال أحدُهما: قتَلَه هذا. وقالَ الآخرُ: لا نعلمُ قاتِلَه. فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّ القَسامةَ لا تثْبُتُ؛ لاشْتراطِه ادِّعاءَ الأوْلياءِ على واحدٍ. وهذا قولُ مالكٍ. وكذلك إن كان أحدُ الوَلِيَّيْن غائبًا، فادَّعَى الحاضرُ دُونَ الغائبِ، أو ادَّعَيا جميعًا على واحدٍ، ونَكَلَ أحدُهما عن الأيْمانِ، لم يثْبُتِ القتلُ، في قياسِ قولِ الْخِرَقِيِّ. ومُقتضَى قولِ أبي بكرٍ والقاضِي، ثُبوتُ القَسامةِ. وكذلك مذهبُ الشافعِيِّ؛ لأنَّ أحدَهما لم يُكذِّبِ الآخَرَ، فلم تبْطُلِ القَسامةُ، كما لو كان أحدُ الوارثَيْن امرأةً أو صغيرًا، فعلى قولِهم، يَحْلِفُ المُدَّعِى خمسين يَمِينًا، ويَسْتَحِقُّ نصفَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الأيْمانَ ههُنا بمنزلةِ البَيِّنَةِ، ولا يثْبُتُ شيءٌ من الحَقِّ إلَّا بعدَ كَمالِ البَيِّنَةِ، فأشْبَهَ ما لو ادَّعَى أحدُهما دَيْنًا لأبيهما، فإِنَّه لا يسْتَحِقُ نَصيبَه من الدَّيْن إلَّا أن يُقِيمَ بَيِّنَةً كاملةً. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ، فيما إذا كان أحدُهما غائبًا، أنَّ الأوَّلَ فيه وَجْهان؛ أحدهما، أنَّه يَحْلِفُ خمسةً (24) وعشرين يَمِينًا، وهذا قولُ ابنِ حامدٍ؛ لأنَّ الأيْمانَ مَقْسومةٌ عليه وعلى أخيهِ، بدليل ما لو كانا حاضِريْن مُتَّفِقَيْنِ في الدَّعْوى، ولا يَحْلِفُ الإِنسانُ عن غيرِه، فلا (25) يَلْزَمُه أكثرُ من حِصَّتِه، فإذا حضرَ الغائبُ أقْسَم خمسةً وعشرين يَمِينًا وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه يَبْنِي على أيْمانِ أخِيه. وذكرَ أبو بكرٍ والقاضى في نَظِيرِ هذه المسألةِ؛ أنَّ الأوَّل يَحْلِفُ خمسين يَمِينًا، وهل يَحْلِفُ الثاني خمسين أو خمسةً وعشرين؟ على وَجْهَين؛ أحدهما (26)، يَحْلِفُ خمسين؛ لأنَّ أخاه لم يَسْتَحِقَّ إلَّا
(24) جرى سياق المؤلف في الباب كله على قوله: "خمسا وعشرين". وأثبتنا الصواب.
(25)
في الأصل: "فلم".
(26)
في م زيادة: "يقول".
بخَمْسِين، فكذلك هو. ولنا، أنَّهما لم يتَّفِقَا في الدَّعْوَى، فلم تثْبُتِ القَسامةُ، كما لو كَذَّبَه؛ ولأنَّ الحقَّ في مَحَلِّ الوفاقِ، إنَّما يثْبُتُ بأيْمانِهما التي أُقِيمتْ مُقامَ البَيِّنَة، ولا يجوزُ أنْ يقومَ أحدُهما مَقَامَ الآخَرِ في الأيْمانِ، كما في سائرِ الدَّعاوَى. فعلى هذا، إن قَدِمَ الغائبُ، فوافَقَ أخاه، أو عادَ من لم يَعْلَمْ، فقال: قد عَرَفْتُه، هو الذي عَيَّنَه أخِي. أقسَما حينئذٍ. وإن قال أحدُهما: قتَلَه هذا. وقالَ الآخَرُ: قتَلَه هذا وفلانٌ (27). فعلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، لا تثْبُتُ القسَامةُ؛ لأنَّها لا تكونُ إلَّا على واحدٍ. وعلى قولِ غيرهِ، يحْلِفان على مَن اتَّفقَا عليه، ويَسْتحِقَّانِ نصفَ الدِّيَة، ولا يجبُ القَوَدُ؛ لأنَّه إنَّما يجبُ في الدَّعْوَى على واحدٍ، ويَحْلِفان جميعًا على هذا الذي اتَّفَقا عليه على حَسَبِ دَعواهما، ويستَحِقَّانِ نصفَ الدِّيَةِ، ولا يجبُ أكثرُ من نصفِ الدِّيَة؛ لأنَّ أحدَهما يُكَذِّبُ (28) الآخَرَ في النصفِ الآخَرِ، فَبَقِيَ اللَّوْثُ في حَقِّه في نصفِ الدَّمِ الذي اتَّفَقا عليه، ولم يَثْبُتْ في النِّصْفِ الذي كَذَّبه أخُوه فيه، ولا يَحْلِفُ الآخَرُ على الآخَرِ؛ لأنَّ أخاه كَذَّبَه في دَعْواه عليه. وإنْ قال أحدُهما: قَتَلَ أبي زيدٌ وآخرُ لا أعرِفُه. وقال الآخرُ: قتلَه عمرو وآخرُ لا أعرِفُه. لم تثْبُتِ القَسامةُ، في ظاهرِ قولِ الْخِرَقِيِّ؛ لأنَّها لا تكونُ إلَّا على واحدٍ، ولأنَّهما ما اتَّفَقا في الدَّعْوَى على واحدٍ، ولا يُمْكِنُ أنْ يحْلِفا على مَن لم يَتَّفِقَا على (29) الدَّعْوَى عليه، والحقُّ إنَّما ثبَتَ في مَحَلِّ الوِفاقِ بأيْمانِ الجميعِ، فكيف يثْبُتُ في الفَرْعِ بأيْمانِ البعضِ! وقال أبو بكرٍ والقاضي: تثْبُتُ القَسامةُ. وهذا مذهبُ الشافعي؛ لأنَّه ليس ههُنا تكْذِيبٌ، فإنَّه يجوزُ أن يكونَ الذي جَهِلَه كلُّ واحدٍ منهما، هو الذي عرَفه أخُوه، فيَحْلِفُ كلُّ واحدٍ منهما على الذي عَيَّنَه خمسين يَمِينًا، ويسْتَحِقُّ رُبْعَ الدِّيَةِ، فإن عادَ كلُّ واحدٍ منهما، فقالَ: قد عَرَفْتُ الذي جَهِلْتُه (30)، وهو الذي عَيَّنه أخِي.
(27) في الأصل: "أو فلان".
(28)
في ب: "كذب".
(29)
في م: "في".
(30)
في م: "جهله".