الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعةً، وأربعينَ خَلِفَةً. روَاه مالكٌ في "مُوَطَّإِهِ"(9). ووَجْهُ الأُولَى (10)، ما رَوَى الزُّهْرِىُّ، عن السَّائبِ بن يَزِيدَ، قال: كانت الدِّيَةُ على عهدِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَرْبَاعًا؛ خَمْسًا وعشرينَ جَذَعَةً، وخَمْسًا وعشرينَ حِقَّةً، وخمسًا وعشرينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وخمسًا وعشرينَ بنتَ مَخَاضٍ (11). ولأنَّه قولُ ابنِ مسعودٍ، ولأنَّه حَقٌّ يتَعَلَّقُ بجنسِ الحَيوانِ، فلا يُعْتَبرُ فيه الحَمْلُ، كالزَّكَاةِ والأُضْحِيَةِ.
فصل:
والخَلِفَةُ: الحامِلُ. وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "في بُطُونِهَا أوْلَادُها" تأكيدٌ، وقَلَّما تَحْمِلُ إلَّا ثَنِيَّةٌ، وهى التي لها خَمْسُ سِنِينَ ودَخَلَتْ في السَّادِسَةِ، وأىُّ ناقةٍ حَمَلَتْ فهى خَلِفَةٌ، تُجْزِئُ في الدِّيَةِ. وقد قيل: لا تُجْزِئُ إلَّا ثَنِيَّةٌ؛ لأنَّ في بعضِ ألفاظِ الحديثِ: "أَرْبَعُونَ خَلِفَةً، مَا بَيْنَ ثَنِيَّةِ عَامِهَا إلَى بَازِلٍ". ولأنَّ سائرَ أنواعِ الإِبِلِ مُقَدَّرَةُ السِّنِّ، فكذلك الخَلِفَةُ. والذي ذكَره القاضِى هو الأَوْلَى (12)؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أطْلَقَ الخَلِفَةَ، والخَلِفَةُ هي الحامِلُ، فيَقْتَضِى أن تُجْزِئَ كلُّ حاملٍ. ولو أحْضَرَها خَلِفَةً، فأسْقَطتْ قبلَ قَبْضِها، فعليه بَدَلُها، فإنَّ أسْقَطتْ بعدَ قَبْضِها، أجْزَأتْ؛ لأنَّه بَرِئَ منها بدَفْعِها.
فصل: فإن اخْتَلَفا في حَمْلِها، رُجِعَ إلى أهْلِ الخِبرَةِ، كما يُرْجَعُ في حَمْلِ المرأةِ إلى القَوابِلِ. وإنْ تَسَلَّمها الوَلِىُّ، ثم قال: لم تكُنْ حَوامِلَ، وقد ضَمَرتْ أجْوافُها، فقال الجانِى: بل قد ولَدَتْ عندَك. نَظَرْتَ؛ فإن قَبَضَها بقَوْلِ أهلِ الخِبْرةِ، فالقولُ قولُ الجانِى؛ لأنَّ الظاهرَ إصابَتُهم، وإن قَبَضَها بغيرِ قَوْلِهم، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الحَمْلِ.
1462 -
مسألة؛ قال: (وَإنْ كَانَ الْقَتْلُ شِبْهَ العَمْدِ (1)، فَكَمَا وَصَفْتُ فِي أَسْنَانِهَا، إلَّا أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا)
وجملَتُه أنَّ القولَ في أسْنانِ دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ، كالقَوْلِ في دِيَةِ العَمْدِ، سواءٌ في اخْتلافِ
(9) في: باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، من كتاب العقول. الموطأ 2/ 867.
(10)
في ب، م:"الأول".
(11)
أورده السيوطي، وذكر أن سنده ضعيف. انظر: جمع الجوامع 1/ 1226.
(12)
في الأصل: "الأول".
(1)
في م: "عمد".
الرِّوايتَيْنِ فيها، واخْتلافِ العُلَماءِ فيها، وقد سَبَقَ الكلامُ في ذلك، إلَّا أنَّها تُخالِفُ العَمْدَ في أمْرَيْنِ؛ أحدهما، أنَّها على العاقِلَةِ، في ظاهرِ المَذْهَبِ. وبه قال الشّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، والشافعيُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ، وأَصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ سِيرِينَ، والزُّهْرِىُّ، والحارثُ العُكْلىُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وقَتادةُ، رأبو ثَوْرٍ: هي على القاتلِ في مالِه. واختاره أبو بكرٍ عبدُ العزيز؛ لأنَّها مُوجِبُ فِعْلٍ قَصَدَه، فلم تَحْمِلْه العاقِلَةُ، كالعَمْدِ المَحْضِ، ولأنَّها دِيَةٌ مُغلَّظَةٌ، فأشْبَهتْ دِيَةَ العَمْدِ. وهكذا يَجِبُ أن يكونَ مَذْهَبُ مالكٍ؛ لأنَّ شِبْهَ العَمْدِ عندَه من بابِ العَمْدِ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: اقْتَتَلَتِ امْرأتانِ مِن هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحداهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فقَضَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بدِيَةِ المرأةِ علَى عاقِلَتِها. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأنَّه نَوْعُ قَتْلٍ لا يُوجِبُ قِصَاصًا، فوَجَبَتْ دِيَتُه على العاقِلَةِ، كالخَطإِ، ويُخالِفُ العَمْدَ المَحْضَ؛ لأنَّه يُغلَّظُ من كلِّ وَجْهٍ، لقَصْدِه الفِعْلَ، وإرَادَتِه القَتْلَ، وَعَمْدُ الخَطإِ يُغلَّظُ من وَجْهٍ، وهو قَصْدُه الفِعْلَ، ويُخَفَّفُ (3) مِن وَجْهٍ، وهو كَوْنُه لم يُرِدِ القَتْلَ (4)، فَاقْتَضَى تَغْلِظَها من وَجْهٍ وهو الأسْنَانُ، وَتَخْفِيفَها من وَجْهٍ وهو حَمْلُ العاقِلَةِ لها وَتَأْجِيلُها. ولا أعلمُ في أنَّها تَجِبُ مُؤَجَّلةً خِلافًا بينَ أهلِ العلمِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادةُ، وأبو هاشمٍ (5)، وعُبَيْد اللَّه (6) بن عمرَ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. [وقد حُكِىَ](7) عن قَوْمٍ من الْخَوارجِ، أَنَّهم قالوا: الدِّيَةُ حالَّةٌ؛ لأنَّها بَدَلُ مُتْلَفٍ. ولم يُنْقَلْ إلينا ذلك عن مَن يُعَدُّ خِلافُه خِلافًا. وتُخالِفُ الدِّيَةُ سائرَ
(2) تقدم تخريجه، في: 11/ 463.
(3)
في الأصل، ب:"ويخف".
(4)
في ب: "القتيل".
(5)
يحيى بن دينار، تقدم في: 10/ 410.
(6)
في ب، م:"وعبيد اللَّه".
(7)
في الأصل: "وحكى".