الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّ عليًّا قال في الْمَشُورةِ: إنَّه إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افْتَرَى. فحُدُّوهُ حَدَّ المُفْتَرِى. رَوَى ذلك الجُوزَجَانِىُّ، والدَّارَقُطْنِىُّ، وغيرُهما (17). والرِّوايةُ الثانية، أنَّ الحدَّ أربعون. وهو اختيارُ أبى بكرٍ، ومذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ عليًّا جَلَدَ الوليدَ بنَ عُقْبةَ أربعين، ثم قال: جَلَدَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمر ثمانين، وكُلٌّ سُّنَّةٌ، وهذا أحبُّ إلىَّ. روَاه مُسْلِم (18). وعن أنسٍ قال: أُتِىَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قد شَرِبَ الخمرَ، فضَربَه بالنِّعالِ نحوًا من أربعين، ثم أُتِىَ به أبو بكرٍ، فصنَعَ (19) مثلَ ذلك، ثم أُتِىَ به عمرُ، فاستشارَ الناسَ في الحدودِ، فقال ابنُ عوفٍ: أقلُّ الحدودِ ثمانون. فضربَه عمر. مُتَّفَقٌ عليه (20). وفعلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ لا يجوزُ تَرْكُه بفِعْلِ غيرِه، ولا ينعَقِدُ الإِجْماعُ على ما خالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ، وأبى بكرٍ وعلِىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهما، فتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ من عمرَ على أنَّها تَعْزيرٌ، يجوزُ فعلُها إذا رآه الإِمامُ.
الفصل الرابع:
أنَّ الحَدَّ إنَّما يَلْزمُ من شَرِبَها مُخْتارًا لشُرْبِها، فإن شَرِبَها مُكْرَهًا، فلا حَدَّ عليه، ولا إثْمَ، سَواءٌ أُكْرِه بالوَعِيدَ والضَّرْبِ، أو أُلْجِىءَ إلى شُرْبها بأن يُفْتَحَ (21) فُوهُ، وتُصَبَّ فيه، فإنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الخَطَإِ، والنِّسْيَانِ، ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"(22). وكذلك المُضْطَرُّ إليها لدَفْعِ غُصَّةٍ بها، إذا لم يجِدْ مائِعًا سِوَاها،
(17) تقدم تخريجه، في صفحة 295.
(18)
في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1331، 1332.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الحد في الخمر، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 473. وابن ماجه، في: باب حد السكران، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 858. والدارمى، في: باب في حد الخمر، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 175. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 82، 140، 144، 145.
(19)
في ب زيادة: "به".
(20)
أخرجه البخاري، في: باب الضرب بالجريد والنعال، من كتاب الحدود. صحيح البخاري 8/ 197. ومسلم، في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1331.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الحد في الخمر، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 472. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 180.
(21)
في ب: "فتح".
(22)
تقدم تخريجه، في: 1/ 146.
فإنَّ اللَّه تعالى قال في آيَةِ التَّحْرِيمِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (23). وإن شَرِبَها لِعَطَشٍ، نَظَرْنا؛ فإن كانتْ مَمْزوجَةً بما يَرْوِى من العَطَشِ، أُبِيحَتْ لدَفْعِه عندَ الضَّرورةِ، كما تُبَاحُ المَيْتَةُ عند المَخْمَصَةِ، وكَإباحَتِها لدَفْعِ الغُصَّةِ، وقد رَوَيْنا في حديثِ عبدِ اللَّه بنِ حُذافةَ، أنَّه أَسَرَه الرُّومُ، فحبَسَه طاغيتُهم في بيتٍ فيه ماءٌ مَمْزوجٌ بخَمْرٍ، ولَحمُ خنزيرٍ مَشْوِىٌّ، ليَأْكُلَه ويَشْربَ الخمرَ، وتركَه ثلاثةَ أيامٍ، فلم يفْعَلْ، ثم أخْرَجُوه حين خَشَوا مَوْتَه، فقال: واللهِ لقد كانَ اللهُ أحَلَّه لي، فإنِّى مُضْطَرٌّ، ولكن لم أكُنْ لأُشْمِتَكُمْ بدِينِ الإِسْلامِ (24). وإن شَرِبَها صِرْفًا، أو مَمْزُوجةً بِشىءٍ يَسِيرٍ لا يَرْوِى من العَطَشِ، أو شَرِبَها للتَّداوِى، لم يُبَحْ له ذلك، وعليه الحَدُّ. وقال أبو حنيفة: يُباحُ شربُها لهما. وللشافعيَّةِ وَجْهانِ، كالمذْهَبَيْن. ووجهٌ ثالثٌ، يُباحُ شربُها للتَّدَاوى دُونَ العَطَشِ؛ لأنَّها حالُ ضَرورَةٍ، فأُبِيحَتْ فيها، كدَفْعِ (25) الغُصَّةِ وسائرِ ما يُضْطَرُّ إليه. ولَنا، ما رَوَى الإِمامُ أحمدُ (26)، بإسْنادِه عن طارقِ بنِ سُوَيدٍ، أنَّه سأل رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّما أصنعُها للدَّواءِ. فقال: "إنَّه لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ". وبإسْنادِه عن مُخارِقٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ على أُمِّ سَلَمةَ، وقد نَبَذَتْ نَبِيذًا في جَرَّةٍ، فخرجَ والنَّبِيذُ يَهْدِرُ، فقال:"مَا هَذَا؟ ". فقالَتْ: فلانةُ اشْتكَتْ بطنَها، فنَقَعْتُ لها، فدَفَعَه برِجْلِه فكسَره، وقال:"إنَّ اللهَ لم يَجْعَلْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ شِفَاءً"(27).
(23) سورة البقرة 173.
(24)
أورده ابن حجر في الإِصابة 4/ 59. وعزاه إلى البيهقي.
(25)
في النسخ: "لدفع".
(26)
في: المسند 4/ 311، 317، 5/ 292، 293، 6/ 399.
كما أخرجه مسلم، في: باب تحريم التداوى بالخمر، من كتاب الأشربة. صحيح مسلم 3/ 1573. وأبو داود، في: باب في الأدوية المكروهة، من كتاب الطب. سنن أبي داود 2/ 334. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية التداوى بالمسكر، من أبواب الطب. عارضة الأحوذى 8/ 200 - 202. وابن ماجه، في: باب النهى أن يتداوى بالخمر، في كتاب الطب. سنن ابن ماجه 2/ 1157. والبيهقي، في: باب النهى عن التداوى بالمسكر، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 10/ 4.
(27)
ذكر السيوطي، في: الجامع الكبير 1/ 175، أنه عند البيهقي، وأبى يعلى، والطبراني في الكبير. وأخرجه البيهقي، في: باب النهى عن التداوى بالمسكر، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 10/ 5.