الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَبِيلَها، ولم يَضْرِبْها (38). ولأنَّ هذا شُبْهَةٌ، والحدودُ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. ولا فرقَ بين الإِكراهِ بالإِلْجاءِ، وهو أن يَغْلِبَها على نفسِها، وبينَ الإِكْراهِ بالتَّهْديدِ بالقَتْلِ ونحوه. نصَّ عليه أحمدُ، في راعٍ جاءتْه امرأةٌ، قد عَطِشَتْ، فسألَتْه أن يَسْقِيَها، فقال لها: أمْكنِينى من نفسِكِ. قال: هذه مُضْطَرَّةٌ. وقد رُوِىَ عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ امرأةً استسْقَتْ راعيًا، فأبَى أن يَسْقِيَها إلَّا أنْ تُمكنَه من نَفْسِها، ففعلَتْ، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ، فقال لعلىٍّ: ما تَرَى فيها؟ قال: إنَّها مُضْطَرَّةٌ. فأعْطاها عمرُ شيئًا، وتركَهَا (39).
فصل:
وإن أُكْرِهَ الرجلُ فزَنَى، فقال أصحابُنا: عليه الحَدُّ. وبه قال محمدُ بنُ الحسنِ، وأبو ثَوْرٍ؛ لأنَّ الوَطْءَ لا يكونُ إلَّا بالانْتشارِ، والإِكرَاهُ يُنافِيه. فإذا وُجِدَ الانْتِشارُ انتفَى الإِكراهُ، فيلزمُه الحَدُّ، كما لو أُكْرِهَ عل غيرِ الزِّنَى، فزنَى. وقال أبو حنيفة: إن أكرهَه السُّلطانُ، فلا حَدَّ عليه، وإنْ أكرهَه غيرُه، حُدَّ اسْتِحْسانًا. وقال الشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لا حَدَّ عليه؛ لِعُمومِ الخَبَرِ، ولأنَّ الحدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، والإِكراهُ شُبْهَةٌ، فيَمْنَعُ الحَدَّ، كما لو كانتِ امْرَأةً، يُحَقِّقُه أنَّ الإِكْراهَ، إذا كان بالتَّخْوِيفِ، أو بِمَنْعِ ما تفُوتُ حياتُه بمَنْعِه، كان الرَّجُلُ فيه كالمرأةِ، فإذا لم يجبْ عليها الحَدُّ، لم يَجِبْ عليه. وقولُهم: إنَّ التخويفَ يُنافى الانْتِشارَ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ التَّخْويفَ بتَرْكِ الفعلِ، والفعلُ لا يُخافُ منه، فلا يَمْنَعُ ذلك. وهذا أصحُّ الأقوالِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
1556 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ تَلَوَّطَ، قُتِلَ، بِكْرًا كَانَ أوْ ثَيِّبًا، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخرَى حُكْمُه حُكْمُ الزَّانِى)
أجْمَعَ أهلُ العلمِ على تَحْرِيمِ اللِّواطِ، وقد ذمَّه اللهُ تعالى في كتابِه، وعابَ من
(38) وأخرجه البيهقي، في: باب من زنى بامرأة مستكرهة، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 235، 236.
(39)
أخرجه البيهقي، في: الباب السابق. السنن الكبرى 8/ 236. وسعيد بن منصور، في: باب المرأة تلد لستة أشهر، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 69.
فعَله، وذَمَّه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال اللَّه تعالى:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} (1). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ"(2). واخْتلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في حَدِّه؛ فرُوِىَ عنه، أنَّ حَدَّه الرَّجْمُ، بِكْرًا كان أو ثَيِّبًا. وهذا قولُ عليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، وجابِرِ بنِ زيدٍ، وعبيد اللَّه (3) بنِ مَعْمَرٍ، والزُّهْرِىِّ، وأبى حَبِيبٍ (4)، ورَبِيعَةَ، ومالِكٍ، وإسحاقَ، وأحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ. [والرِّوايةُ الثانية، أنَّ حَدَّه حَدُّ الزَّانِى. وبه قال سعيد بن المُسَيَّب، وعَطاءٌ، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ](5)، وقَتادةُ، والأوْزَاعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ، وأبو ثَوْرٍ، وهو المشهورُ من قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا أتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَهُمَا زَانِيَانِ"(6). ولأنَّه إيلاجُ فَرْجِ آدَميٍّ في فَرْجِ آدَمِىٍّ، لا مِلْكَ له فيه، ولا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فكان زِنًى كالإِيلاجِ في فرْجِ المرأةِ، وإذا (7) ثَبَتَ كونُه زِنًى، دَخَلَ في عُمومِ الآيةِ والأخبارِ فيه، ولأنَّه فاحِشَةٌ، فكان زِنًى، كالفاحِشَةِ بينَ الرجلِ والمرأةِ. ورُوِىَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه أمرَ بتَحْريقِ اللُّوطِىِّ. وهو (8) قولُ ابنِ الزُّبَيْرِ؛ لما رَوَى صَفْوانُ بنُ
(1) سورة الأعراف 80، 81.
(2)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في حد اللوطى، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 240. والبيهقي، في: باب ما جاء في تحريم اللواط، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 231. والإِمام أحمد في: المسند 1/ 309، 317.
(3)
في م: "وعبد اللَّه". وهو عبيد اللَّه بن معمر بن عثمان التيمى، أحد أجواد قريش، اختلف في صحبته. انظر: الإصابة 4/ 402 - 404.
(4)
لعله أبو حبيب بن يعلى بن منية التميمي. انظر: الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 4/ 2/ 359، وتهذيب التهذيب 12/ 68.
(5)
سقط من: م.
(6)
أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في حد اللوطى، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 233.
(7)
سقطت الواو من: م.
(8)
في ب: "وهذا".