الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
أشدُّ الضَّرْبِ في الحَدِّ ضَرْبُ الزَّانِى، ثم حَدُّ القَذْفِ، ثم حَدُّ الشُّرْبِ، ثم التَّعْزِيرُ. وقال مالِكٌ: كُلُّها واحِدٌ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرَ بجَلْدِ الزَّانِى والقاذِفِ أمرًا واحدًا، ومقصودُ جميعِها واحِدٌ، وهو الزَّجْرُ، فيجبُ تَساوِيها في الصِّفَةِ. وعن أبي حنيفةَ: التَّعْزِيرُ أشدُّها، ثم حَدُّ الزَّانِى، ثم حَدُّ الشُّرْبِ، ثم حَدُّ القَذْفِ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى خَصَّ الزَّانِىَ بمَزيدِ تأْكيدٍ، بقولِه سبحانه:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (2). فاقْتَضَى ذلك مَزِيدَ تأْكيدٍ فيه، ولا يُمْكِنُ ذلك في العَددِ، فتعيَّنَ جَعْلُه في الصِّفَةِ، ولأنَّ ما دُونَه أَخَفُّ منه عَددًا، فلا يجوزُ أن يزيدَ عليه في إيلامِه ووجَعِه؛ لأنَّه يُفْضِى إلى التَّسْوِيَةِ بينَهما، أو زيادةِ القليلِ على ألمِ الكثيرِ.
1603 - مسألة؛ قال: (وَيُجْلَدُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أرْبَعِينَ، بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ)
[هذا على الرِّواية التي تقول: إنَّ حَدَّ الحُرِّ في الشُّرْبِ ثمانون. فحَدُّ العبدِ والأمةِ نصفُها أربعون (1). وعلى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى، حدُّهما عشرون، نصفُ حَدِّ الحُرِّ، بدُونِ سَوْطِ الحُرِّ](2)؛ لأنَّه لَمَّا خُفِّفَ عنه في عَدَدِه؛ خُفِّفَ عنه في صِفَتِه، كالتَّعْزِيرِ مع الحَدِّ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ سَوْطُه كسَوْطِ الحُرِّ؛ لأنَّه إنَّما يتحَقَّقُ التَّنصيفُ إذا كان السَّوْطُ مثلَ السَّوْطِ، أمَّا إذا كان نِصْفًا في عَدَدِه، وأخفَّ منه في سَوْطِه، كان أقلَّ من النِّصْفِ، واللَّه تعالى قد أوْجَبَ النِّصفَ، بقولِه تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (3).
فصل: ولا تُقَامُ الحدودُ في المساجِدِ. وبهذا قال عَكِرْمَةُ، والشَّعْبِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ. وكان ابنُ أبي ليلى يَرَى إقامتَه في المسجدِ. ولَنا، ما
(2) سورة النور 2.
(1)
في م: "وأربعون".
(2)
سقط من: ب.
(3)
سورة النساء 25.
رَوَى حَكِيم بنِ حِزامٍ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يُسْتَقَادَ في المسْجدِ، وأن تُنْشَدَ فيه الأشعارُ، وأن تُقامَ فيه الحدودُ (4). ورُوِىَ عن عمرَ، أنَّه أُتِىَ بِرَجُلٍ، فقال: أخْرِجَاه من المسجدِ، فاضْرِباهُ (5). وعن عليٍّ، أنَّه أُتِىَ بِسَارِقٍ، فقال: يا قَنْبَرُ، أخْرِجْه من المسجدِ، فاقْطَعْ يدَه (6). ولأنَّ المساجِدَ لم تُبْنَ لهذا، إنَّما بُنِيَتْ للصَّلَاةِ، وقراءةِ القرآنِ، وذِكْرِ اللَّه تعالى، ولا نَأْمَنُ أن يَحْدُثَ من المحدودِ حَدَثٌ [في المسجدِ](7) فيُنَجِّسَه ويُؤْذِيَه، وقد أمرَ اللَّه تعالى بتَطْهيرِه، فقال:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (8).
1604 -
مسألة؛ قال: (وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ، فَقَدْ (1) حَرُمَ، إلَّا أنْ يَغْلِىَ قَبْلَ ذلِكَ، فَيَحْرُمُ)
أمَّا إذا غَلَى العصيرُ كغَلَيَانِ القِدْرِ، وقَذَفَ بزَبَدِه، فلا خلافَ في تَحْريمِه. وإن أتَتْ عليه ثلاثةُ أيَّامٍ ولم يَغْلِ، فقال أصْحابُنا: هو حَرَامٌ. وقال أحمد: اشْرَبْهُ ثلاثًا، ما لم يَغْلِ، فإذا أتى (2) عليه أكثَرُ من ثلاثةِ أيَّامٍ، فلا تَشْرَبْهُ. وأكثرُ أهِل العلمِ يقولون: هو مُبَاحٌ ما لم يَغْلِ ويُسْكِرْ؛ لقولِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اشْرَبُوا في كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا". أخْرَجَه (3) أبو داودَ (4). ولأنَّ عِلَّةَ تَحْريمِه الشِّدَّةُ المُطْرِبَةُ، وإنَّما ذلك في
(4) أخرجه أبو داود، في: باب في إقامة الحد في المسجد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 476.
(5)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب لا تقام الحدود في المسجد، من كتاب العقول. المصنف 10/ 23. وذكره صاحب كنز العمال فيه 8/ 316.
(6)
لم نجده فيما بين أيدينا.
(7)
سقط من: م.
(8)
سورة البقرة 125. وفى النسخ: {وَالْقَائِمِينَ} مكان: {وَالْعَاكِفِينَ}. وذلك في قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} . سورة الحج 26.
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل، ب:"أتت".
(3)
في م: "رواه".
(4)
في: باب في الأوعية، من كتاب الأشربة. سنن أبي داود 2/ 298. =