الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو قتلَه ليأْكُلَه في المَخْمَصَةِ (2) وجبَ القِصَاصُ، وغيرُ المُكلَّفِ كالمُكَلَّفِ في هذا. وقولُهم: لا يَمْلِكُ إباحةَ نفسِه. قُلْنا: والمُكلَّفُ لا يملِكُ إباحَةَ دَمِهِ، ولو قال: أبَحْتُ دَمِى. لم يُبَحْ، على أنَّه صَالَ، فقد أُبِيحَ دَمُه بفِعْلِه، فيَجِبُ أن يَسْقُطَ ضَمانُه، كالمُكَلَّفِ.
1611 - مسألة؛ قال: (وإذا دَخلَ مَنْزِلَهُ بالسِّلَاحِ، فأَمَرَهُ بِالخُرُوجِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَلَهُ أنْ يَضْرِبَهُ بِأَسْهَلِ ما يُخْرِجُه بِهِ، فإنْ عَلِمَ أنَّه يَخْرُجُ بِضَرْبِ عَصًا، لم يَجُزْ أنْ يَضْرِبَه بِحَدِيدَةٍ، فإنْ آلَ الضَّرْبُ إلى نَفْسِهِ، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ، وإن قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ كَانَ شَهِيدًا)
وجملتُه أنَّ الرَّجلَ إذا دَخَلَ مَنْزِلَ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلِصَاحِبِ الدَّارِ أمرُه بالخروجِ من مَنْزلِه، سَواءٌ كان معه سلاحٌ أو لم يكُنْ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بدُخولِ مِلْكِ غيرِه، فكانَ لصاحِبِ الدارِ (1) مُطالبتُه بتَرْكِ التَّعَدِّى، كما لو غَصَبَ منه شيئًا، فإن خرجَ بالأمرِ، لم يكُنْ له ضَرْبُه، لأنَّ المقْصودَ إخراجُه. وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه رأى لِصًّا، فأصْلَتَ عليه السَّيْفَ، قال: فلو تَرَكْناه لَقَتلَه (2). وجاءَ رَجُلٌ إلى الحسنِ، فقالَ: لِصٌّ دَخَل بَيْتِى ومعه حَدِيدةٌ، أقتلُه؟ قال: نعم، بأىِّ قِتْلَةٍ قَدَرْتَ أن تَقْتُلَه. ولَنا، أنَّه أمْكَنَ إزالةُ العُدْوانِ بغيرِ القَتْلِ، فلم يَجُزِ القتلُ، كما لو غَصَبَ منه شيئًا، فأمْكَنَ أخْذُه بغيرِ القتلِ. وفعلُ ابنِ عمرَ يُحْمَلُ على قَصْدِ التَّرْهِيبِ، لا على أنَّه (3) قَصَدَ إيقَاعَ الفِعْلِ. فإن لم يَخْرُجْ بالأمرِ، فله ضَرْبُه بأسْهَلِ ما يَعْلَمُ أنَّه يَنْدَفِعُ به؛ لأنَّ المقصودَ دَفْعُه، فإذا انْدَفعَ بقليلٍ، فلا حاجَةَ إلى أكثرَ منه، فإن عَلِمَ أنَّه يخرُجُ بالعَصا، لم يكُنْ له ضَرْبُه بالحديدِ؛
(2) في ب، م:"المحصنة". خطأ.
(1)
في الأصل: "الملك".
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب اللص، من كتاب العقول. المصنف 10/ 112. وابن أبي شيبة، في: باب في قتل اللص، من كتاب الديات. المصنف 9/ 454.
(3)
سقط من: ب، م.
لأنَّ الحديدَ آلةٌ للقتلِ، بخلافِ العَصَا. وإن ذهبَ مُوَلِّيًا، لم يكُن له قَتْلُه، ولا اتِّبَاعُه، كأهلِ البَغْىِ. وإن ضَرَبَه ضَرْبَةً عَطَّلَتْه، لم يكُن له أن يُثْنِىَ عليه؛ لأنَّه كُفِىَ شَرَّه. وإن ضربَه فَقَطَعَ يمينَه، فَوَلَّى مُدْبِرًا، فضربَه فقطَعَ رِجْلَه، فَقَطْعُ الرِّجْلِ مَضْمُونٌ عليه (4) بالقِصَاصِ أو الدِّيَةِ؛ لأنَّه في حالٍ لا يجوزُ له ضَرْبُه، وقَطْعُ اليَدِ غيرُ مَضْمونٍ. فإن ماتَ من سِرَايةِ القَطْعِ، فعليه نصفُ الدِّيَةِ، كما لو ماتَ من جِرَاحَةِ اثْنَين. وإن عادَ إليه بعدَ قَطْعِ رِجْلِه، فَقطَعَ يدَه الأُخْرَى، فاليدَان غيرُ مَضْمونتَيْن. وإن ماتَ، فعليه ثُلُثُ الدِّيَةِ، كما لو ماتَ من جِرَاحَةِ ثلاثةِ أنْفُسٍ. وقياسُ (5) المذهبِ أن يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الجُرْحَيْنِ قَطْعُ رَجُلٍ واحِدٍ، فكانَ حكمُهما واحدًا، كما لو جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا مائةَ جُرْحٍ، وجرحَه آخرُ جُرْحًا واحدًا، وماتَ، كانتْ ديتُه بينهما نِصْفَيْن، ولا تُقْسَمُ الدِّيَةُ على عَدَدِ الجِراحَاتِ، كذا ههُنا. فأمَّا إن لم يُمْكِنْه دَفْعُه إلَّا بالقتلِ، أو خافَ أن يَبْدُرَه بالقتْلِ إن لم يَقْتُلْه، فله ضَرْبُه بما يَقْتُلُه، أو يقْطَعُ طَرَفَه، وما أَتْلَفَ منه فهو هَدْرٌ؛ لأنَّه تَلِفَ لدفعِ شَرِّه، فلم يَضْمَنْه، كالباغِى، ولأنَّه اضْطَرَّ صاحبَ الدارِ إلى قتلِه، فصارَ كالقاتِلِ لنفسِه. وإن قُتِلَ صاحبُ الدَّارِ فهو شهيدٌ؛ لِمَا رَوَى عبد اللَّه بنُ عمرِو بنِ العاصِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ أُرِيدَ مَالُه بِغَيْرَ حَقٍّ، فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ". روَاه الخَلَّال بإسْنادِه (6). ولأنَّه قُتِلَ لدَفْعِ ظالمٍ، فكانَ شهيدًا، كالعادِلِ إذا قتلَه الْباغِى.
(4) سقط من: الأصل، ب.
(5)
في ب، م:"فقياس".
(6)
وأخرجه البخاري، في: باب من قاتل دون ماله، من كتاب المظالم والغصب. صحيح البخاري 3/ 179. ومسلم، في: باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق. . .، من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم 1/ 125. وأبو داود، في: باب في قتال اللصوص، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 546. والترمذي، في: باب ما جاء فيمن قُتِل دون ماله فهو شهيد، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى 6/ 190. والنسائي، في: باب من قتل دون ماله، من كتاب تحريم الدم. المجتبى 7/ 105، 106. وابن ماجه، في: باب من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 861.