الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب قِتالِ أهْلِ البَغْيِ
والأصلُ في هذا البابِ قولُ اللَّه سبحانَه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} . إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (1) ففيها خمسُ فَوائِدَ؛ أحدها، أنَّهم لم يَخْرُجُوا بالبَغْيِ عن الإِيمانِ، فإنَّه سَمَّاهم مؤمِنين. الثَّانِيةُ، أنَّه أَوْجَبَ قِتالَهم. الثالثةُ، أنَّه أسْقَطَ قِتالَهم إذا فَاءُوا إلى أمْرِ اللهِ. الرَّابِعةُ، أنَّه أَسْقَطَ عنهم التَّبِعَةَ فيما أتْلَفُوه في قِتالِهم. الخامِسَةُ، أنَّ الآيةَ أفادَتْ جَوازَ قِتالِ كُلِّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا عليه. وروَى عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَعْطَى إِمَامًا صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ (2)، فَليُطِعْهُ مَا اسْتَطاعَ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُه، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". روَاه مُسْلم (3). وروَىَ عَرْفَجَةُ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ". ورفَع صوتَه: "أَلَا وَمَنْ (4) خَرَجَ عَلَى أُمَّتي وَهُمْ جَمِيعٌ، فَاضْربُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ"(5). فَكُلُّ مَنْ ثَبَتتْ إِمامَتُه، وجَبتْ طاعَتُه، وحَرُمَ الخُرُوجُ
(1) سورة الحجرات 9، 10.
(2)
في م: "فؤاده".
(3)
في: باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء. . .، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1472، 1473.
كما أخرجه أبو داود، في: باب ذكر الفتن. . .، من كتاب الفتن. سنن أبي داود 2/ 413. والنسائي، في: باب ما على من بايع الإِمام، من كتاب البيعة. المجتبى 7/ 137، 138. وابن ماجه، في: باب ما يكون من الفتن، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1306، 1307. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 161، 191، 193.
(4)
سقطت الواو من: الأصل، ب.
(5)
أخرجه مسلم، في: باب حكم من فرق أمر المسلمين. . .، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1479. وأبو داود، في: باب في قتل الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 543. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 341.
عليه وقِتالُه؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (6). وروَى عُبادَةُ بنُ الصَّامِتِ قال: بَايَعْنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على السَّمْعِ والطاعةِ، في الْمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وأَنْ لا نُنازِعَ الأَمْرَ أَهْلَه (7). ورُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وفَارَقَ الْجَماعَةَ، فَماتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ". رواهُ ابنُ عبد البَرِّ مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ وأبي ذرٍّ وابنِ عباسٍ، كلُّها بمعنىً واحدٍ (8). وأجْمَعَتِ الصَّحابَةُ، رضي الله عنهم، على قِتالِ البُغاةِ، فإنَّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، قاتَلَ [مانعِي الزَّكاةِ، وعليٌّ قاتلَ](9) أهْل الجَمَلِ وصِفِّينَ وأهلَ النَّهْرَوانِ. والخارجونَ عن قَبْضَةِ الإِمامِ، أصنافٌ أربَعَةٌ؛ أحدُها، قَوْمٌ امْتَنَعُوا من (10) طاعَتِه، وخرجُوا عن قَبْضَتِه بغيرِ تأْويلٍ، فهؤلاءِ قُطَّاعُ طَريقٍ، ساعُونَ في الأَرضِ بالفسادِ، يَأْتي حُكْمُهُم في بابٍ مُفْرَدٍ. الثاني، قَومٌ لهم تَأْويلٌ، إلَّا أنَّهمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ، لا مَنَعَةَ لهم، كالواحِدِ والاثْنَيْنِ والعشرةِ ونَحْوِهم، فهؤلاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، في قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحابِنا، وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ ابنَ مُلْجَمٍ لمَّا جَرَحَ عَليًّا، قالَ للحسنِ: إنْ بَرِئْتُ رَأَيْتُ رَأْيِي، وإِن
(6) سورة النساء 59.
(7)
أخرجه البخاري، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدى أمورًا تنكرونها، من كتاب الفتن، وفي: باب كيف يبايع الإِمام، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري 9/ 59، 96. ومسلم، في: باب وجوب طاعة الأمراء. . .، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1470. والنسائي، في: باب البيعة على السمع والطاعة، وباب البيعة على أن لا تنازع. . .، وباب البيعة على القول بالحق، وباب البيعة. . . بالعدل، وباب البيعة على الأثرة، من كتاب الجهاد. المجتبى 7/ 124 - 126. وابن ماجه، في: باب البيعة، من كتاب الجهاد 2/ 957. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 441، 5/ 314، 318، 319، 321.
(8)
وأخرجه البخاري، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي. . .، من كتاب الفتن، وفي: باب السمع والطاعة للإِمام، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري 9/ 58، 78. ومسلم، في: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم 3/ 1476. وأبو داود، في: باب في قتل الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 542. والنسائي، في: باب التغليظ في من قاتل تحت راية عمية، من كتاب تحريم الدم. المجتبى 7/ 112.
(9)
سقط من: ب. نقل نظر.
(10)
في م: "وخرجوا عن".
مِتُّ فَلا تُمَثِّلُوا به (11). فلم يُثْبِتْ لِفِعْلِه حُكْمَ البُغاةِ. ولأنَّنا لو أَثْبَتْنا للعدَدِ اليَسِيرِ حُكْمَ البُغاةِ، في سُقُوطِ ضَمانِ ما أَتْلَفُوهُ، أفْضَى إلى إِتْلافِ أمْوالِ النَّاسِ. وقال أبو بكرٍ: لا فرقَ بين الكثيرِ والقليلِ، وحُكْمُهم حُكْمُ الْبُغَاةِ إذا خَرَجُوا عن قَبْضَةِ الإِمامِ. الثالثُ، الخوارجُ الذين يُكَفِّرُونَ بالذَّنْبِ، ويُكَفِّرُونَ عثمانَ وعليًّا وطَلْحَةَ والزُّبيْرَ، وكثيرًا من الصَّحَابَةِ، ويَسْتَحِلُّونَ دِماءَ المسلمِين، وأَمْوالَهُم، إلَّا مَن خَرَجَ معهم، فظاهِرُ قولِ الفُقَهاءِ مِن أصْحابِنا المتَأَخِّرينَ، أنَّهم بُغَاةٌ، حُكْمُهم حُكْمُهم. وهذا قَولُ أبي حنيفةَ، والشَّافعيِّ، وجُمهورِ الفُقَهاءِ، وكثيرٍ من أهلِ الحديثِ. ومالِكٌ يَرَى اسْتِتابَتَهم، فإنْ تابُوا، وإلَّا قُتِلُوا على إفْسادِهِم، لا على كُفْرِهِم. وذهَبتْ طائِفةٌ من أهلِ الحديثِ إلى أنَّهم كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهم حُكْمُ الْمُرْتَدِّين، تُباحُ (12) دِماؤهُم وأَمْوالُهم، فإن تَحَيَّزُوا في مكانٍ، وكانتْ لهم مَنَعَةٌ وشَوْكَةٌ، صارُوا أهلَ حربٍ، كسائرِ الكُفَّارِ، وإن كانُوا في قَبْضَةِ الإِمامِ، اسْتَتابَهم، كاسْتِتابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، فإن تابُوا، وإلَّا ضُرِبَتْ أَعْناقُهم، وكانتْ أمْوالُهم فَيْئًا، لا يَرِثُهم وَرَثَتُهم المسلمون؛ لما رَوى أبو سعيدٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَأونَ الْقُرَآنُ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيَنِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، [وَيَنْظُرُ في الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا] (13)، وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ويَتَمَارَى في الْفُوقِ"(14) رواهُ مالِكٌ، في "مُوَطَّأه"، والبُخَارِيُّ في "صَحيحهِ"(15). وهو
(11) ذكره ابن سعد في: الطبقات الكبرى 3/ 35، 37.
(12)
في ب، م:"وتباح".
(13)
سقط من: ب. نقل نظر.
والقدح: خشب السهم، أو ما بين الريش والسهم.
(14)
الفوق: موضع الوتر من السهم. أي يتشكك هل علق به شيء من الدم؟
(15)
أخرجه مالك، في: باب ما جاء في القرآن، من كتاب القرآن. الموطأ 1/ 204، 205. والبخاري، في: باب ما جاء في قول الرجل: ويلك، من كتاب الأب، وفي: باب قتل الخوارج والملحدين، وباب من ترك قتال الخوارج، من كتاب الاستتابة. صحيح البخاري 8/ 47، 9/ 21، 22. =
حديثٌ صحيحٌ، ثابتُ الإِسْنادِ. وفي لفظٍ قال:"يَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ (16) الْبَرِيَّةِ، يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَما لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ؛ فَإِنَّ فِي (16) قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". روَاه البُخَارِيُّ (17). ورُوِيَ مَعْناهُ مِن وُجوهٍ. يقولُ: فَكَما خَرَجَ هَذَا السَّهْمُ نَقِيًّا خَالِيًا مِنَ الدَّمِ وَالْفَرْثِ، لم يتعلَّقْ منهما (18) بِشَىْءٍ، كذلكَ خُرُوجُ هؤلاءِ مِن الدِّينِ، يَعْنِي الْخَوَارِجَ. وعن أبي أُمَامَةَ، أَنَّه رَأَى رُءُوسًا مَنْصُوبَةً على دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فقال:"كِلَابُ النَّارِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خيرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوه". ثم قَرَأَ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (19) إلى آخِرِ الآيَةِ. فقِيلَ له: أنتَ سَمعْتَه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أَسْمَعْهُ إلَّا مَرّةً، أو مَرَّتين، أَو ثَلاثًا، [أو أرْبَعًا] (20) - حتى عَدَّ سَبْعًا - ما حَدَّثْتُكُمُوهُ (21). قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. ورَواه ابنُ مَاجَه، عن سَهْلٍ، عن ابنِ عُيَيْنَةَ، عن أبي غالبٍ، أنَّه سَمِعَ أَبا أُمامةَ يقولُ: "شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وخيرُ قَتلَى مَنْ
= كما أخرجه مسلم، في: باب ذكر الخوارج وصفاتهم، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 743، 744. وابن ماجه، في: باب ذكر الخوارج، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 60. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 33، 34.
(16)
سقط من: ب.
(17)
في: باب من رايا بقراءة القرآن. . .، من كتاب فضائل القرآن، وفي: باب قتل الخوارج والملحدين. . .، من كتاب استتابة المرتدين. صحيح البخاري 6/ 243، 244، 9/ 21.
كما أخرجه مسلم، في: باب التحريض على قتل الخوارج، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 746، 747. وأبو داود، في: باب في قتال الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 544، 545. والترمذي، في: باب في صفة المارقة، من أبواب الفتن. عارضة الأحوذي 9/ 37. وابن ماجه، في: باب في ذكر الخوارج، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 59. والإِمام أحمد في المسند 1/ 81، 131، 404.
(18)
في ب، م:"منها".
(19)
سورة آل عمران 106.
(20)
سقط من: ب.
(21)
أخرجه الترمذي، في: باب تفسير سورة آل عمران، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 11/ 127. وابن ماجه، في: باب في ذكر الخوارج، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 62. والإِمام أحمد في المسند 5/ 353، 256.
قَتَلُوا، كِلابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَد كانَ هَؤُلاءِ مُسْلِمينَ فصَارُوا كُفَّارًا". قلت: يا أبا أُمامةَ، هذا شيءٌ تقولُه؟ قال: بل سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وعن عليٍّ، رضي الله عنه، في قولِه تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (22). قال: "هم أهْلُ النَّهْرَوَانِ"(23). وعن أبي سعيدٍ، في حديثٍ آخرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتلَ عَادٍ"(24). وقال: "لَا يُجَاوِزُ إيمانُهُم حَنَاجِرَهُمْ". وأكثَرُ الْفقهاءِ على أَنَّهُم بُغَاةٌ، ولا يَرَوْنَ تَكْفِيرَهم، قال ابنُ عبد البَرِّ (25): لا أعلمُ أَحدًا وافقَ أَهلَ الحديثِ على تكْفيرِهم (26) وجَعْلِهم كالمُرْتَدِّينَ. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ، في الحديثِ الذي رَوَيْناه: قولُه: "يَتَمارَى فِي الفُوقِ". يَدُلُّ على أَنَّه لم يُكَفِّرْهم؛ لِأَنَّهم عَلِقُوا مِن الإِسْلَامِ بِشىءٍ، بحيثُ يُشَكُّ فِي خُرُوجِهِم منه. ورُوِيَ [أنَّ عَلِيًّا] (27) لمَّا قاتلَ أهلَ النَّهْرِ قال لأَصْحَابِه: لا تَبْدَأُوهم بِالقِتالِ. وبَعَثَ إليهم: أَقِيدُونا بِعبدِ اللَّه بنِ خَبَّابٍ. قالوا: كلُّنا قَتَلَه (28). فحينئذٍ اسْتَحلَّ قِتالَهم؛ لإِقْرارِهم على أنْفُسِهم بما يُوجِبُ قَتْلَهم. وذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ، عن عليٍّ، رضي الله عنه، أنَّه سُئِلَ عن أَهْلِ النَّهْرِ، أَكُفَّارٌ هم؟ قال: مِن الْكُفْرِ فَرُّوا. قيل: فمُنافقون؟ قال: إنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَذكُرُونَ اللهَ إلَّا قَلِيلًا. قِيلَ: فما
(22) سورة الكهف 103.
(23)
أخرجه البخاري، في: باب سورة الكهف، من كتاب التفسير. ولكن عن عمرو عن مصعب من قوله. صحيح البخاري 6/ 117.
(24)
أخرجه مسلم، في: باب ذكر الخوارج، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 741، 742، وأبو داود، في: باب في قتال الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 544. والنسائي، في: باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس، من كتاب التحريم. المجتبى 7/ 109.
(25)
في ب، م:"ابن المنذر".
(26)
في ب: "كفرهم".
(27)
في م: "عن علي أنه".
(28)
أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني 3/ 131، 132. والبيهقي، في: باب الخوارج يعتزلون. . .، من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى 8/ 185. وابن أبي شيبة، في: باب ما ذكر في الخوارج، من كتاب الجمل. المصنف 15/ 309، 323، 324.
هم؟ قال: هم قَوْمٌ أصابَتْهم فِتْنَةٌ، فَعَمُوا فيها وصَمُّوا، وبَغَوْا عَلَيْنا، وقَاتَلُونا فَقَاتَلْنَاهمْ (29). ولمَّا جَرَحَه ابنُ مُلْجَمٍ، قال للحسنِ: أَحْسِنُوا إسَارَهُ، فإنْ عِشْتُ فَأنا وَلِيُّ دَمِي، وإنْ مِتُّ فَضَرْبَةٌ كضَرْبَتِي. وهذا رَأْيُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ فيهم، وكثيرٍ مِن العلماءِ (30). والصحيحُ، إنْ شاءَ اللهُ، أنَّ الخوارِجَ يجوزُ قَتْلُهم ابْتداءً، والإِجازَةُ على جَرِيحِهِم؛ لأمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِهم، وَوَعْدِه بالثَّوابِ مَنْ قَتَلَهم، فإنَّ عَليًّا، رضي الله عنه، قال: لولا أنْ تَبْطَرُوا (31)، لَحَدَّثْتُكُمْ بما وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ يقتلونهم على لسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم (32)؛ ولأنَّ بِدْعَتَهم، وسُوءَ فِعْلِهم، يَقْتَضِي حِلَّ دِمَائِهِمْ؛ بِدَليلِ ما أخْبَرَ به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مِنْ عِظَمِ ذَنْبهِم، وأنَّهم شَرُّ الخَلْقِ والخليقةِ، وأَنَّهم يَمْرُقُونَ مِن الدِّينِ، وأَنَّهم كِلابُ النَّارِ، وحَثِّه على قَتْلِهم، وإخْباره بأَنَّه لو أدْرَكَهم لَقَتَلَهم قَتْلَ عادٍ، فلا يجوزُ إلْحاقُهم بِمَنْ أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالكَفِّ عنهم، وتَورَّعَ كثيرٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قِتالِهم، ولا بِدْعةَ فيهم. الصِّنْفُ الرَّابعُ، قومٌ من أهلِ الحقِّ، يَخْرجُون عن قَبْضَةِ الإِمامِ، ويَرومُون خَلْعَه لتأويلٍ سائِغٍ، وفيهم مَنَعَةٌ يَحْتاجُ في كفِّهم إلى جَمْعِ الجيشِ، فهؤلاءِ البُغاةُ، الذين نذكرُ في هذا البابِ حُكْمَهم، وواجبٌ على النَّاسِ مَعُونةُ إِمامِهم، في قتالِ البُغَاةِ؛ لما ذكرْنا في أوَّلِ البابِ؛ ولأنَّهم لو تَرَكُوا مَعُونَتَه، لقَهَره أهلُ البَغْيِ، وظهرَ الفسادُ في الأرضِ.
(29) في الأصل، ب:"فقتلناهم".
وأخرجه البيهقي، في: باب الدليل على أن الفئة الباغية. . .، من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى 8/ 174. وعبد الرزاق، في: باب ما جاء في الحرورية، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 150. وابن أبي شيبة، في: باب ما ذكر في الخوارج، من كتاب الجمل. المصنف 15/ 256، 257، 332.
(30)
في ب: "الفقهاء".
(31)
في النسخ: "ينظروا" تصحيف.
(32)
أخرجه مسلم، في: باب التحريض على قتل الخوارج، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 747. وأبو داود، في: باب في قتال الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 543. وابن ماجه، في: باب ذكر الخوارج، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 59.