الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع:
أنَّه إنْ لم يَتُبْ قُتِلَ؛ لما قَدَّمْنَا ذِكْرَه. وهو قولُ عامَّةِ الفُقَهاءِ، ويُقْتَلُ بالسَّيْفِ؛ لأنَّه آلَةُ القَتْلِ، ولا يُحْرَقُ بالنَّارِ. وقد رُوِىَ عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللهُ عنه؛ أنَّه أمرَ بِتَحْرِيقِ المُرْتَدِّينَ (19)، وفعَل ذلك بهم خالدٌ. والأَوَّلُ أوْلَى؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بعَذَابِ اللهِ". يَعْنِى النَّارَ. أخْرَجَه البُخارِىُّ، وأبو داودَ. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ"(20).
الفصل الخامس:
أنَّ مَفْهُومَ كلامِ الْخِرَقِىّ، أَنَّه إذا تابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُه، ولم يُقْتَلْ، أىَّ كُفْرٍ كان، وسَواءٌ كان زِنْدِيقًا يَسْتَسِرُّ بالكُفْرِ، أو لم يَكُنْ. وهذا مذهبُ الشَّافِعىِّ، والعَنْبَرِىِّ. ويُرْوَى ذلك عن عليٍّ، وابنِ مسعود، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ، واخْتيارُ أبى بكرٍ الخَلَّالِ، وقال: إنَّه أوْلَى على مذهبِ أبى عبد اللَّه. والرِّوايةُ الأُخْرَى، لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، ومَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُه. وهو قولُ مالِكٍ، واللَّيْثِ، وإسحاقَ. وعن أبى حَنيفةَ رِوَايَتان، كهاتَيْنِ، واخْتَارَ أبو بكْرٍ أنَّه لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} (21). والزِّنْدِيقُ لا تَظْهَرُ مِنْهُ علامَةٌ تُبَيِّنُ (22) رُجُوعَهُ وتَوْبَتَه؛ لأنَّه كان مُظْهِرًا لِلإِسلامِ، مُسِرًّا للكفرِ، فإذا وُقِفَ على ذلك، فأظْهَرَ التَّوْبَةَ، لم يَزِدْ على ما كان منه قبلَها، وهو إظْهارُ الإِسلامِ، وأمَّا مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُه، فقد قال اللهُ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} (23). وروى الأثْرَمُ بإسْنادِه عن ظِبْيانَ (24) بن
(19) أخرجه البيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال. . .، من كتاب قتال أهل البغى. السنن الكبرى 8/ 178. وعبد الرزاق، في: باب القتل بالنار، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 212.
(20)
تقدم تخريجه، في: 11/ 516.
(21)
سورة البقرة 160.
(22)
في الأصل: "يبين به".
(23)
سورة النساء 137.
(24)
انظر الاختلاف في فتح الظاء وكسرها بين ابن ماكولا والذهبى، في: الإِكمال 5/ 246، 247، والمشتبه 424، 425.
عُمارَةَ، أنَّ رَجلًا مِن بنى سَعْدٍ مَرَّ على مَسْجِدِ بنى حَنِيفَةَ، فإِذا هُم يَقْرَأونَ بِرَجَزِ مُسَيْلِمَةَ، فرَجَعَ إلى ابنِ مسعودٍ، فذكَر ذلك له، فبعثَ إليهم، فأتَى بهم، فاسْتَتابَهم، فتابُوا، فخَلَّى سَبِيلَهم، إلَّا رَجُلًا منهم يُقالُ له ابنَ النَّوَّاحَةِ. قال: قد أُتِيتُ بِك مَرَّةً، فَزَعَمْتَ أنَّكَ قد تُبْتَ، وأَرَاكَ قد عُدْتَ. فقَتَلَهُ (25). ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى، قَوْلُ اللهِ تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (26). ورُوِىَ أنَّ رجُلًا سَارَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، [فلم يُدْرَ](27)[ما سَارَّهُ بِه، حتى جَهَرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم](28)، فإذا هو يَسْتَأْذِنُه في قَتْلِ رجلٍ مِن المُنافِقين (29)، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ؟ ". قال: بلى، ولا شَهادةَ له. قال:"أَلَيْسَ يُصَلِّى؟ ". قال: بلى، ولا صلاةَ له. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أُولئِكَ الَّذِينَ نَهَانِى اللهُ عَنْ قَتْلِهِمْ"(30). وقد قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (31). ورُوِىَ أنَّ مَخْشِىَّ (32) بن حُمَيِّرٍ كان في النَّفَرِ الَّذين أنْزَلَ اللهُ فِيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (33). فأتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وتابَ إِلى اللهِ تعالى، فقَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ (34)، وهو الطَّائِفَةُ التي عَنَى اللهُ تعالى بقَوْلِه: {إِنْ نَعْفُ عَنْ
(25) وأخرجه البيهقي، في: باب من قال في المرتد: يستتاب. . .، من كتاب المرتد. السنن الكبرى 8/ 206. وعبد الرزاق، في: باب الكفر بعد الإِيمان، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 169. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يسلم ثم يرتد. . .، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 269.
(26)
سورة الأنفال 38.
(27)
سقط من: م.
(28)
سقط من: الأصل.
(29)
في م: "المسلمين".
(30)
أخرجه الدارمي، في: باب في القتال على قول النبي صلى الله عليه وسلم: أُمِرْت أن. . .، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 218. والإِمام مالك، في: باب جامع الصلاة، من كتاب قصر الصلاة في السفر. الموطأ 1/ 171. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 432، 433.
(31)
سورة النساء 145، 146.
(32)
في النسخ: "محش". خطأ. وانظر: الإِصابة 6/ 53. والإكمال 7/ 228.
(33)
سورة التوبة 65.
(34)
أخرجه الطبري، في: تفسير سورة التوبة، آية رقم 66. تفسير الطبري 10/ 173.