الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأوَّلُ أصَّحُّ، إن شاءَ اللهُ، فإنَّ هذا لا مُقَدَّرَ فيه، ولم يَنْقُصْ شيئًا، فأشْبَهَ الضَّرْبَ، وتَضْمِينُ النَّقْصِ الحاصلِ حالَ جَرَيانِ الدَّمِ، إنَّما هو تَضْمِينُ الْخَوفِ عليه، وقد زالَ، فأشْبَهَ ما لو لَطَمهُ فاصْفَرَّ لَوْنُه حالَ اللَّطْمةِ، أو احْمَرَّ، ثُمَّ زالَ ذلك. وتَقْديرُ المرأةِ رَجُلًا لا يَصِحُّ؛ لأنَّ اللِّحْيَةَ زَيْنٌ للرَّجُلِ، وعَيْبٌ فيها، وتَقْدِيرُ ما يَعِيبُ بما يَزِينُ لا يَصِحُّ. وكذلك تَقْدِيرُ السِّنِّ في حالةِ إيرَادِ زَوالِهَا، بحالةٍ تُكْرَهُ، لا يجوزُ؛ فإنَّ الشىءَ يُقَدَّرُ بنَظِيرِه، ويُقاسُ على مِثْلِه، لا على ضِدِّه، ومَن قالَ بهذا الوَجْهِ، فإنَّما يُوجِبُ (10) أدْنَى ما يُمْكِنُ إيجابُه، وهو أقلُّ نَقْصٍ يُمْكِنُ تَقْدِيرُه.
فصل:
وإنْ لطَمَه على وَجْههِ، فلم يُؤَثِّرْ في وَجْهِه، فلا ضَمانَ عليه (11)؛ لأنَّه لم يَنقُصْ به جمالٌ ولا مَنْفَعةٌ، ولم يكنْ له حالٌ يَنْقُصُ فيها، فلم يَضْمَنْه، كما لو شَتَمَه. وإنْ سوَّدَ وَجْهَه أو خَضَّرهُ، ضَمِنَه بدِيَتِه؛ لأنَّه فوَّتَ الجمالَ على الكمالِ، فضَمِنَه بدِيَتِه، كما لو قطعَ أُذُنَي الْأَصمِّ، وأنْفَ الأخْشَمِ. وقال الشافعيُّ: ليس فيه إلَّا حُكومةٌ؛ لأنَّه لا مُقَدَّرَ فيه، ولا هو نَظِيرٌ لِمُقَدَّرٍ. وقد ذكرْنا أنَّه نَظِيرٌ لقَطْعِ الأُذنَيْنِ في ذَهابِ الجمالِ، بل هو أعْظَمُ في ذلك، فيكونُ بإيجابِ الدِّيَةِ أوْلَى. وإنْ زالَ السَّوادُ، رَدَّ (12) ما أخذَه؛ لزَوالِ سَبَبِ الضَّمانِ. وإنْ زالَ بعضُه، وجَبَتْ فيه حُكومةٌ، ورَدَّ الباقِيَ. وإنْ صَفَّرَ وجْهَه أو حَمَّرَه، فَفِيه حُكومةٌ؛ لأنَّ الجمالَ لم يذْهَبْ على الكمالِ، وهذا يُشْبِهُ ما لو سوَّدَ سِنَّه، أو غَيَّرَ لَوْنَها (13)، على ما ذكَرْنا من التَّفصيلِ فيها.
1517 - مسألة؛ قال: (وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ مِمَّا لَيْسَ فِيه شيءٌ مُوَقَّتٌ فِي الْحُرِّ، فَفِيه مَا نَقَصَهُ بَعْد الْتِئَامِ الْجُرْحِ، وَإنْ كَانَ فِيمَا جَنى عَلَيْهِ شَىْءٌ
(10) في الأصل: "أوجب".
(11)
سقط من: الأصل.
(12)
في م: "يرد".
(13)
في ب، م:"لونه".
مُوَقَّتٌ فِي الْحُرِّ، فَهُوَ مُوَقَّتٌ فِي الْعَبْدِ، فَفِي يَدِه نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَكَذَا الْأَمَةُ)
وجُمْلتُهُ أنَّ الجنايةَ على العبدِ يجبُ ضَمانُها بما نَقَصَ من قِيمَتِه؛ لأنَّ الواجبَ إنَّما وجبَ جَبْرًا لما فاتَ بالجنايةِ، ولا ينْجَبِرُ إلَّا بإيجابِ ما نَقَصَ من القِيمَةِ، فيجبُ ذلك، كما لو كانَتِ الجنايةُ على غَيْرِه من الحيواناتِ وسائرِ المالِ، ولا يجبُ زيادةٌ على ذلك؛ لأنَّ حقَّ المَجنِيِّ عليه قد انْجَبرَ، فلا يجبُ له زيادةٌ على ما فَوَّتَه الجَانِي عليه. هذا هو الْأَصْلُ، ولا نعلم فيه خِلافًا فيما ليس فيه مُقَدَّرٌ شَرْعِيٌّ. فإن كان الفائِتُ بالجنايةِ مُوَقَّتًا في الْحُرِّ، كيَدِه، ومُوضِحَتِه، ففيه عن أحمدَ روَايتانِ؛ إحداهما، أنَّ فيه أيضًا ما نَقَصَه، بالغًا ما بلَغ. وذكر أبو الخَطَّابِ أنَّ هذا اخْتيارُ الخَلَّالِ. ورَوى الْمَيْمُونيُّ عن أحمدَ، أنَّه قال: إنَّما يأْخُذُ قِيمَةَ مَا نَقَص منه على قول ابن عبَّاسٍ. ورُوىَ هذا عن مالكٍ، فيما عَدَا مُوضِحَتَه، ومُنَقِّلَتَه، وهاشِمَتَه، وجائِفتَه؛ لأنَّ ضمانَه ضَمانُ الأمْوالِ، فيجبُ فيه ما نقَصَ كالْبهائمِ، ولأنَّ ما ضُمِنَ بالقِيمَةِ بالغًا ما بلغَ، ضُمِنَ بعضُه بما نقَصَ، كسائرِ الأموالِ، ولأنَّ مُقْتَضَى الدَّليلِ ضَمانُ الفائتِ بما نَقَصَ، خالَفْناه فيما وُقِّتَ في الحُرِّ، كما خالَفْناه في ضَمانِ بَقيَّتِه بالدِّيَة المُؤَقَّتَة، ففى العبدِ يَبْقَى فيهما على مُقْتَضَى الدَّليلِ. وظاهرُ المذهبِ أنَّ ما كان مُوقَّتًا في الحُرِّ، فهو مُوَقَّتٌ في العبدِ، [مِن قيمَتِه](1)؛ ففى يَدِه، أو عَيْنهِ، أو أُذُنِه، أو شَفَتِه، نِصفُ قِيمَتِه، وفي مُوضِحَتِه نصفُ عُشْرِ قِيمَتِه، وما أوْجَبَ الدِّيَةَ في الحُرِّ، كالأنْفِ، واللِّسانِ، واليَدَيْنِ، والرِّجْلين، والعَيْنَيْن، والأُذُنَيْنِ، أوْجَبَ قِيمَةَ العبدِ، مع بَقاءِ مِلكِ السَّيِّدِ عليه. رُويَ هذا عن عليٍّ، رضي الله عنه (2). ورُويَ نحوُه عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ (3). وبه قالَ ابنُ سِيرينَ؛ وعمرُ بنُ عبدِ العزيز، والشافعيُّ، والثَّوْرِيُّ. وبه قال أبو حنيفةَ. قال أحمدُ: هذا قولُ
(1) سقط من: ب، م.
(2)
انظر: ما أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب العبد يجنى الجناية، من كتاب الديات المصنف 9/ 233.
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب جراحة العبد، من كتاب الديات. السنن الكبرى 8/ 104.
سعيدِ بنِ المُسَيَّب. وقال آخرون: ما أُصِيبَ به العبدُ فهو على ما نَقَصَ من قِيمَتِه. والظَّاهرُ أن هذا لو كان قولَ عليٍّ لَما احْتَجَّ أحمدُ فيه إلَّا به دُونَ غيرِه. إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ والثَّوْرِيَّ قالا: ما أوْجَبَ الدِّيَةَ من (4) الحُرِّ، يتَخيَّرُ سَيِّدُ العبدِ فيه، بين أنْ يُغْرِمَه قِيمَتَه، ويصيرَ مِلْكًا للجاني، وبينَ أنْ لا يُضَمِّنَه شيئًا، لِئلَّا يُؤَدِّىَ إلى اجْتماعِ البَدَلِ والمُبْدَلِ لرجلٍ واحدٍ. ورُوِيَ عن إياس بن مُعاويةَ، في مَن قطَعَ يَدَ عبدٍ عَمدًا، أو فَقَأَ عَيْنَه، هو له، وعليه ثَمَنُه. ووَجْهُ هذه الرِّوايةِ، قولُ عليٍّ، رضي الله عنه، ولم نَعْرِفْ له في الصَّحابةِ مُخالِفًا، ولأنَّه آدَمِيٌّ يُضْمَنُ بالْقِصاصِ والكَفَّارةِ، فكانَ في أطْرافِه مُقَدَّرٌ كالْحُرِّ، ولأنَّ أطْرافَه فيها مُقَدَّرٌ من الحُرِّ، فكان فيها مُقَدَّرٌ من العبدِ، كالشِّجاج الأرْبعِ عندَ مالكٍ، وما وجبَ في شِجاجِه مُقَدَّرٌ، وجبَ في أطْرافِه مُقَدَّرٌ (5) كالحُرِّ. وعلى أبي حنيفةَ، قولُ عليٍّ، وأنَّ (6) هذه الأعْضاءَ فيها مُقَدَّرٌ، فوجبَ ذلك فيها مع بَقاءِ مِلْكِ السَّيِّدِ في العبدِ، كاليَدِ الواحدةِ، وسائرِ الأعضاءِ، ولأنَّ مَن ضُمِنَتْ يَدُه بمُقَدَّرٍ، ضُمِنَت يَداهُ بمِثْلَيْه، من غيرِ أنْ يَمْلِكَه، كالحُرِّ. وقولُهم: إنَّه اجْتَمعَ البدلُ والمبْدَلُ لواحدٍ. ليس (7) بصحيحٍ؛ لأنَّ القِيمَةَ ههُنا بَدَلُ العُضْوِ وَحْدَه، ولو كان بدَلًا عن الجُمْلةِ، لَكان بدلُ اليَد الواحدةِ بَدَلًا عن نِصْفِه، وبدَلُ تِسْعِ أصابِعَ بدَلًا عن (8) تسعةِ أعْشارهِ، والأمرُ بخلافِه. والأمَةُ مثْلُ العبدِ في ذلك، إلَّا أنَّها تُشَبَّهُ بالحُرَّةِ، وإذا (9) بلَغتْ ثُلثَ قِيمَتِها، احْتَمَلَ أنَّ جنايتَها تُرَدُّ إلى النِّصفِ، فيكونُ في ثلاثِ أصابعَ ثلاثةُ أعْشارِ قِيمَتِها، وفي أربعةِ أصابعَ خُمْسُها، كما أنَّ المرأةَ تُساوِي الرجلَ في الجِرَاحِ إلى ثُلثِ
(4) في ب: "في".
(5)
في م: "مقدار". خطأ.
(6)
في م: "ولأن".
(7)
سقط من: ب، م.
(8)
في ب، م:"من".
(9)
سقطت الواو من: الأصل.