الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1542 - مسألة؛ قال: (والصَّبِىُّ إذَا كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، وعَقَلَ الإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ، فَهُوَ مُسْلِمٌ)
وجملتُه أنَّ الصَّبِىَّ يَصِحُّ إِسلامُه في الجملةِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وصاحِبَاه، وإسحاقُ، وابنُ أبي شَيْبَةَ، وأيُّوبُ (1). وقال الشَّافِعِىُّ، وزُفَرُ: لا يَصِحُّ إسلامُه حتى يَبْلُغَ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَبْلُغَ"(2). حديث حسَن. ولأنَّه قَوْلٌ تَثْبُتُ به الأحْكامُ، فَلَم يَصِحَّ من الصَّبِىِّ كَالْهبةِ؛ ولأنَّه أَحَدُ مَنْ رُفِعَ القَلَمُ عنه، فلم يَصِحَّ إسلامُهُ، كالمجنونِ، والنائِمِ، ولأنَّه ليس بمُكَلَّفٍ، أشْبَهَ الطِّفْلَ. ولَنا، عُمومُ قولِه عليه السلام:"مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. دَخَلَ الْجَنَّةَ"(3). وقولِه: "أُمِرْتُ أنْ (4) أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَإذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وأَمْوالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ"(5). وقال عليه السلام: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِه، أو يُنَصِّرَانِهِ (6)، حتى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا"(7). وهذه الأَخْبارُ يدخلُ في عُمومِها الصَّبِىُّ، ولأنَّ الإِسلامَ عِبادةٌ
(1) في ب، م:"وأبو أيوب". وتقدمت ترجمته، في: 2/ 126.
(2)
تقدم تخريجه، في: 2/ 50.
(3)
أخرجه البخاري، في: باب الثياب البيض، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 7/ 192، 193. ومسلم، في: باب من مات لا يشرك بالله شيئا. . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 95. والترمذي، في: باب في من يموت وهو يشهد أن لا إله إلا اللَّه، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذى 10/ 105، 106. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 467، 5/ 166، 391، 6/ 442.
(4)
سقط من: م.
(5)
تقدم تخريجه، في: 4/ 6.
(6)
في الأصل: "وينصرانه".
(7)
أخرجه البخاري، في: باب إذا أسلم الصبى، وباب ما قيل في أولاد المشركين، من كتاب الجنائز، وفى: باب تفسير سورة الروم، من كتاب التفسير، وفى: باب اللَّه أعلم بما كانوا عاملين، من كتاب القدر. صحيح البخاري 2/ 125، 6/ 143، 8/ 153. ومسلم، في: باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، من كتاب القدر. صحيح مسلم 4/ 2047، 2048. وأبو داود، في: باب في ذرارى المشركين، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 531. والترمذي، في: باب ما جاء في كل مولود يولد على الفطرة، من أبواب القدر. عارضة الأحوذى 8/ 303. والإِمام مالك، في: باب جامع الجنائز، من كتاب الجنائز. الموطأ 1/ 241. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 233، 275، 282، 315، 3/ 353، 4/ 24.
مَحْضَةٌ، فَصَحَّتْ من الصَّبِىِّ العاقِلِ، كالصلاةِ والحَجِّ، ولأنَّ اللَّه تعالى دَعا عبادَه إلى دارِ السَّلامِ، وجعل طريقَها الإِسلامَ، وجعلَ من لم يُجِبْ دَعْوتَه في الجحيمِ والعَذابِ الأليمِ، فلا يجوزُ مَنْعُ الصَّبِىِّ مِنْ إجابَةِ دَعْوَةِ اللهِ، مع إجابتِه إليها، وسُلوكِه طَرِيقَها، ولا إلزامُه بعذابِ اللهِ، والحكمُ عليه بالنَّارِ، وسدُّ طريقِ النَّجاةِ عليه مع هَرَبِه منها، ولأنَّ ما ذكَرْنَاه إجْماعٌ، فإنَّ عليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، أسْلَم صَبِيًّا، وقال (8):
سَبَقْتُكُمُ إلى الإِسلامِ طُرًّا
…
صَبِيًّا ما بَلَغْتُ أَوانَ حُلْمِى (9)
ولهذا قِيلَ: أوَّلُ من أَسْلَمَ من الرِّجالِ أبو بكرٍ، ومن الصِّبيانِ علىٌّ، ومن النِّساءِ خَدِيجَةُ، ومن العَبِيدِ بلالٌ. وقال عُرْوَةُ: أسْلَمَ علىٌّ والزُّبَيْرُ، وهما ابنا ثمانِ سِنِينَ، وبايعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم ابنُ الزُّبَيْرِ لسَبْعِ أو ثمانِ سِنِينَ، ولم يَرُدَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على أحَدٍ إسْلَامَه، من صَغِيرٍ ولا كَبِيرٍ. فأمَّا قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ". فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ هذا يقْتَضِى أنْ لا يُكْتَبَ عليه ذلك، والإِسلامُ يُكْتَبُ له لا عليه، ويَسْعَدُ به في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فهو كالصلاةِ تَصِحُّ منه وتُكْتَبُ له وإنْ لم تَجِبْ عليه، وكذلك غيرُها من العباداتِ المَحْضَةِ. فإن قِيل: فإنَّ الإِسلامَ يُوجِبُ الزَّكاةَ عليه في مالِه، ونَفقةَ قَرِيبِه المُسْلِمِ، ويَحْرِمُه مِيرَاثَ قَريبه الكَافِرِ، ويَفْسَخُ نكاحَه. قُلْنا: أَمَّا الزَّكاةُ فإنَّها نَفْعٌ؛ لأنَّها سَبَبُ الزِّيادةِ والنَّماءِ، وتَحْصِينِ المالِ والثوابِ، وأمَّا الميراثُ والنَّفَقةُ، فأَمرٌ مُتَوَهَّمٌ، وهو مَجْبُورٌ بميرَاثِه من أقاربِه المسلمينَ، وسُقوطِ نَفَقَةِ أقارِبِه الكُفَّارِ، ثم إنَّ هذا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ في جَنْبِ مَا يَحْصُلُ له من سعادةِ الدنيا والآخِرَةِ، وخَلاصِه من شَقاءِ الدَّارَيْنِ والخُلودِ في الجحيمِ، فيُنَزَّلُ ذلك (10) منْزِلَةَ الضَّرَرِ في أكْلِ القُوتِ، المُتضمِّنِ قُوتَ ما يأكلُه وكُلْفَةَ تَحْريكِ فِيه لمَّا كان بَقاؤُهُ به لم يُعَدَّ ضَرَرًا، والضَّرَرُ في مَسْألتِنا في جَنْبِ ما يحصُلُ من النَّفْعِ، أدْنَى من ذلك بكثيرٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الْخِرَقِىَّ اشْترَطَ
(8) البيت ضمن أبيات له في: البداية والنهاية 8/ 9.
(9)
في ب، م:"حلم".
(10)
سقط من: ب، م.