الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُغَلَّظُ بالانْحِتامِ، كذلك ههُنا تَتَغَلَّظُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ معها، ولا تَتَغَلَّظُ بما دونَ النِّصَابِ. وأمَّا الحِرْزُ فهو مُعْتَبَرٌ، فإنَّهم لو أخَذُوا مالًا مُضَيَّعًا لا حافِظَ له، لم يجبِ القَطْعُ. وإن أخذُوا ما يبْلُغُ نِصابًا ولا تَبْلُغُ حِصَّةُ كُلِّ واحدٍ منهم نصابًا، قُطِعُوا، على قياسِ قولِنا في السَّرِقَةِ. وقياسُ قولِ الشَّافِعِىُّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، أنَّه لا يجِبُ القَطْعُ حتى تَبْلُغَ حِصَّةُ كَلِّ واحدٍ منهم نِصابًا. ويُشْتَرَطُ أيضًا أن لا تكونَ لهم شُبْهَةٌ فيما يأْخُذونَه من المالِ، على ما ذكرْنا في المسْروقِ.
1597 - مسألة؛ قال: (وَنَفْيُهُمْ أنْ يُشَرَّدُوا، فَلَا يُتْرَكُوا يَأْوُونَ فِي بَلَدٍ)
وجملتُه أنَّ المُحارِبين إذا أخافُوا السَّبِيلَ، ولم يقتُلُوا، ولم يأخذُوا مالًا، فإنَّهم يُنْفَوْنَ من الأرضِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (1) ويُرْوَى عن ابن عباسٍ، أنَّ النَّفْىَ يكونُ في هذه الحالةِ، وهو قَوْلُ النَّخَعِىِّ، وقَتادَةَ، وعَطَاءٍ الخُراسَانِىِّ. والنَّفْىُ هو تَشْرِيدُهم عن الأمْصارِ والبُلْدانِ، فلا يُتْرَكُون يَأْوُونَ بلدًا. ويُرْوَى نحوُ هذا عن الحسنِ، والزُّهْرِىِّ. وعن ابن عباسٍ، أنَّه يُنْفَى من بلدِه إلى بلدٍ غيرِه، كنَفْى الزَّانِى. وبه قال طَائفةٌ من أهلِ العلمِ. قال أبو الزِّنَادِ: كان منفَى النَّاسِ إلى باضِعٍ (2)، من أرضِ الحبشةِ، ودَهْلك (3) أَقْصَى تِهامَةَ اليَمَنِ. وقال مالكٌ: يُحْبَسُ في البلدِ الذي يُنْفَى إليه، كقولِه في الزَّانِى. وقال أبو حنيفةَ: نَفْيُه حَبْسُه حتى يُحْدِثَ تَوْبةً. ونحوَ هذا قال الشَّافِعِىُّ، فإنه قال في هذه الحالِ: يُعَزِّرُهم الإِمامُ، وإن رأى أنْ يَحْبِسَهُم حبَسَهم. وقيل عنه: النَّفْىُ طلبُ الإِمام لهم لِيُقِيمَ فيهم حُدودَ اللَّه تعالى. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عباسٍ. وقال ابن سُرَيْجٍ: يَحْبِسُهم في غيرِ بلدِهم. وهذا مثلُ قولِ مالِكٍ. قالوا (4):
(1) سورة المائدة 33.
(2)
باضع: جزيرة في بحر اليمن. معجم البلدان 1/ 471.
(3)
في م: "وذلك". خطأ. ودهلك: جزيرة في بحر اليمن، مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة حارة، كان بنو أمية، إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. معجم البلدان 2/ 634.
(4)
سقط من: م.
وهذا أولى؛ لأنَّ تَشْرِيدَهم إخْراجٌ (5) لهم إلى مكانٍ يَقْطَعُونَ فيه الطَّريقَ، ويُؤْذُونَ به النَّاسَ، فكانَ حَبْسُهم أَوْلَى. وحَكَى أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، رِوايةً أُخْرَى، معناها أنَّ نَفْيَهم طلبُ الإِمامِ لهم، فإذا ظَفَرَ بهم عَزَّرَهم بما يَرْدَعُهم. ولَنا، ظاهرُ الآية، فإنَّ النَّفْىَ الطَّرْدُ والإِبْعادُ، والحبسُ إمساكٌ، وهما يتنَافيانِ. فأمَّا نَفْيهُم إلى غيرِ مكانٍ مُعَيَّنٍ، فلقولِه سبحانه:{أوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} . وهذا يتناوَلُ (6) نَفْيَه من جَمِيعِها. وما ذكروه يَبْطُل بنَفْىِ الزَّانِى، فإنَّه يُنْفَى إلى مكانٍ يَحْتَمِلُ أن يوجدَ منه الزِّنِى فيه. ولم يذكرْ أصحابُنا قدرَ مُدَّةِ نَفْيهِم، فيَحْتَمِلُ أن تتقدَّرَ مُدَّتُه بما تَظْهَرُ فيه تَوْبَتُهُم، وتَحْسُنُ سِيرَتُهم. ويَحْتَمِلُ أن يُنْفَوْا عامًا، كنَفْىِ الزَّانِى.
1598 -
مسألة؛ قال: (فَإنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أن يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، سَقَطَتْ عَنْهُم حُدُودُ (1) اللهِ تعَالَى، وأُخِذُوا بِحُقُوقِ الآدَمِيِّينَ؛ مِنَ الأنْفُسِ، والجِرَاحِ، والأمْوَالِ، إلَّا أنْ يُعْفَى لَهُم عَنْهَا)
لا نعلمُ في هذا خلافًا [بينَ أهلِ العلمِ](2). وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وأبُو ثَوْرٍ. والأصلُ في هذا قولُ اللَّه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3). فعلى هذا يسْقُطُ عنهم تَحَتُّمُ القَتْلِ والصَّلْبِ، والقَطْعِ والنَّفْىِ، ويَبْقَى عليهم القِصَاصُ في النَّفْسِ والجِرَاحِ، وغَرامةُ المالِ والدِّيَةُ لما لا قِصَاصَ فيه. فأمَّا إن تابَ بعدَ القُدْرةِ عليه، لم يَسْقُطْ عنه شَىْءٌ من الحُدودِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} . فأوجبَ عليهم الحَدَّ، ثم اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ قبلَ القُدْرةِ، فمَنْ عَدَاهم يَبْقَى على قضيةِ العُمومِ، ولأنَّه إذا تابَ قبلَ القُدْرةِ،
(5) في م: "خرج".
(6)
في ب: "يتناوله".
(1)
في ب: "حقوق".
(2)
سقط من: الأصل، ب.
(3)
سورة المائدة 34.