الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظَنَنَّا أنَّ مَن اسْتعان بنا من المسلمين لَزِمَتْنا مَعُونَتُه. لم يَنْتَقِضْ عَهْدُهم. وإن فعل ذلك المُسْتَأمَنُون، انْتَقَضَ عَهْدُهم. والفَرْقُ بينهما أنَّ أهلَ الذِّمَّةِ أَقْوَى حُكْمًا؛ لأَنَّ عَهْدَهم مُؤَبَّدٌ، ولا يجوزُ نَقْضُه لخَوْفِ الخِيانةِ منهم، ويَلْزَمُ الإِمامَ الدَّفْعُ عنهم، والمُسْتَأمَنُونَ بخلافِ ذلك.
فصل:
وإذا ارْتَدَّ قومٌ فأتْلَفُوا مالًا للمسلمين، لَزِمَهم ضَمانُ ما أتلفُوه، سواءٌ تَحَيَّزُوا، أو صاروا في مَنَعَةٍ، أو لم يَصِيرُوا. ذَكَرَه أبو بكرٍ. قال القاضي: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. وقال الشافِعِيُّ: حُكْمُهم حُكْمُ أَهْلِ البَغْي، فيما أَتْلَفُوه (12) من الأنْفُسِ والأمْوالِ؛ لأنَّ تَضْمِينَهم، يُؤَدِّي إلى تَنْفِيرِهم عن الرُّجُوعِ إلى الإِسْلامِ، فأشْبَهُوا أهْلَ البَغْيِ. ولَنا، ما رُوِيَ عن أبي بكرٍ، رضي الله عنه، أنَّه قال لأهْلِ الرِّدَّةِ، حين رَجَعُوا: تَرُدُّون علينا ما أَخَذْتُم منا، ولا نَرُدُّ عليكم ما أخَذْنا منكُمْ، وأن تَدُوا قَتْلانا، ولا نَدِي قَتْلاكم. قالوا: نعم. يا خَلِيفَةَ رسولِ اللهِ. فقال عمرُ: كُلُّ ما قُلْتَ [كما قُلْتَ](13)، إلَّا أن يَدُوا ما قُتِلَ مِنَّا، فلا؛ لأنَّهم قَوْمٌ قُتِلُوا في سبيلِ اللهِ واسْتُشْهِدُوا (14). ولأنَّهم أتْلَفُوه بغيرِ تأْويلٍ، فأشْبَهُوا أهلَ الذِّمَّةِ. فأمَّا القَتْلَى، فحُكْمُهم فيهم حُكْمُ أهلِ البَغْى؛ لما ذكَرْنا من خبرِ أبى بكرٍ وعُمرَ، ولأنَّ طُلَيْحَةَ الأسَدِيَّ قَتَلَ عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسَدِيَّ، وثابتَ بن أقْرَمَ (15)، فلم يَغْرَمْهما (16)، وبنو حَنِيفَةَ قَتَلُوا مَن قَتَلُوا من المسلمين يومَ الْيَمامَةِ، فلم يَغْرَمُوا شيئًا. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ قولُ (17) أحمدَ، وكلامُه في المالِ، على وُجُوبِ رَدِّ ما هو (17) في أيدِيهم دُونَ ما أتْلَفُوه، وعلى مَنْ أتْلَفَ مِن غيرِ أنْ يكونَ له مَنَعَةٌ، أو أَتْلَفَ في غيرِ الحَرْبِ، وما أَتْلَفُوهُ حالَ الحَرْبِ، فلا ضمانَ عليهم فيه؛ لأنَّه إذا سَقَطَ ذلك عن أهْلِ البَغْيِ، كيْلا يُؤَدِّيَ إلى تَنْفِيرِهم عن الرُّجُوعِ إلى الطَّاعَةِ، فَلأنْ يَسْقُطَ
(12) في ب، م:"أتلفوا".
(13)
سقط من: الأصل.
(14)
تقدم تخريجه، في صفحة 250.
(15)
في ب، م:"أثرم" تحريف.
(16)
انظر ما تقدم في صفحة 251.
(17)
سقط من: م.
ذلك كيلا يُؤَدِّيَ إلى التَّنْفِيرِ عَنِ الإِسلامِ أَولَى، لأنَّهم إذا امْتَنَعُوا صارُوا كُفارًا مُمْتَنِعِينَ بِدارِهِم، فَأشْبَهُوا أهلَ الْحَرْبِ. ويُحْمَلُ قَوْلُ أبي بكرٍ على ما بَقِيَ في أيدِيهم مِن المالِ، فيكونُ مذهبُ أحمدَ ومذهبُ الشَّافِعِيِّ في هذا سواءً. وهذا أعْدَلُ وأَصَحُّ. إنْ شاء اللهُ تعالى. فأمَّا مَنْ لا مَنَعَةَ له فيَضْمَنُ ما أَتْلَفَ مِن نفْسٍ ومالٍ، كالواحِدِ مِن المسلمينَ، أو أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّه لا مَنَعَةَ له، ولا يَكْثُرُ ذلك منه، فَبَقِىَ المالُ والنَّفْسُ بالنِّسْبَةِ إليه على (18) عِصْمَتِه، ووُجُوبِ ضَمانِه. واللهُ أعلمُ.
(18) في الأصل: "في".