الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدْلَيْن، كالشَّهادَةِ على السَّرِقَةِ، ولا يَصِحُّ قياسُه على الزِّنَى، فإنَّه لم يُعْتَبَرْ فيه الأربعةُ لِعِلَّةِ القتلِ، بدليلِ اعتبارِ ذلك في زِنَى البِكْرِ، ولا قتلَ فيه، وإنَّما العِلَّةُ كَوْنُه زِنًى، ولم يُوجَدْ ذلك في الرِّدَّةِ، ثم الفرقُ بينهما أنَّ القَذْفَ بالزِّنَى يُوجِبُ ثمانين جلدةً، بخلافِ القَذْفِ بالرِّدَّةِ.
الفصل الثاني:
أنَّه إذا ثبتَتْ رِدَّتُه بالبَيِّنَة، أو غيرِها، فشَهِدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللَّه، لم يُكْشَفْ عن صِحَّةِ ما شُهِدَ عليه به، وخُلِّىَ سبيلُه، ولا يُكَلَّفُ الإِقْرارَ بما نُسِبَ إليه؛ لقولِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. فَإذَا قالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إلَّا بِحَقِّها، وحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عز وجل". مُتَّفَقٌ عليه (3). ولأنَّ هذا يَثْبُتُ به إسلامُ الكافرِ الأصْلِىِّ، فكذلك إسلامُ المُرْتَدِّ، ولا حاجةَ مع ثُبُوتِ إسْلامِه إلى الكَشْفِ عن صِحَّةِ رِدَّتِهِ. وكَلَامُ الْخِرَقِىِّ محمولٌ على مَن كَفَرَ بِجَحْدِ الوَحْدَانِيَّةِ، أو جَحْدِ رسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو جحدِهما معًا، فأمَّا من كَفَرَ بغيرِ هذا، فلا يَحْصُلُ إسلامُه إلَّا بالإِقْرارِ بما جَحَدَه. ومن أقَرَّ برسالةِ محمد صلى الله عليه وسلم، وأنْكَرَ كَوْنَه مَبْعوثًا إلى العالَمِينَ، لا يثبتُ إسلامُه حتى يشْهدَ أنَّ (4) محمدًا رسولُ اللهِ إلى الخَلْقِ أَجمَعِينَ، أو يَتَبَرَّأَ مع الشهادَتَيْنِ من كُلِّ دِينٍ خالَفَ (5) الإِسلامَ. وإن زَعَمَ أنَّ محمدًا رسولٌ (6) مبعوثٌ بعدُ غيرَ هذا، لَزِمَه الإِقْرَارُ بأنَّ هذا المبعوثَ هو رسولُ اللَّه؛ لأنَّه إذا اقْتَصرَ على الشَّهادتَيْن، احْتَمَلَ أنَّه أرادَ ما اعْتَقدَه. وإن ارتدَّ بجُحودِ فَرْضٍ، لم يُسْلِمْ حتى يُقِرَّ بما جَحدَه، ويُعيدَ الشَّهادتَيْن؛ لأنَّه كَذَّبَ اللهَ ورسولَه بما اعْتقدَه. وكذلك إنْ جحدَ نَبيًّا، أو آيةً من كتابِ اللهِ تعالى، أو كتابًا من كُتُبِهِ، أو مَلَكًا من ملائكتِه الذين ثبَتَ أنَّهم ملائِكَةُ اللهِ، أو اسْتباحَ مُحَرَّمًا، فلا بُدَّ في إسْلامِه من الإِقْرارِ
(3) تقدم تخريجه، في: 4/ 6.
(4)
في ب زيادة: "لا إله إلا اللَّه وأن".
(5)
في م: "يخالف".
(6)
في ب زيادة لفظ الجلالة.
بما جحَدَه. وأمَّا الكافِرُ بجَحْدِ الدِّينِ من أصْلِه، إذا شَهِدَ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، واقْتَصرَ على ذلك، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، يُحْكَمُ بإسْلامِه؛ لأنَّه رُوِىَ أنَّ يهوديًّا قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. ثم ماتَ، فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"(7). ولأنَّه لا يُقِرُّ برسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلَّا وهو مُقِرٌّ بمَنْ أرسلَه، وبتوحيدِه؛ لأنَّه صَدَّقَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فيما جاءَ به، وقد جاءَ بتَوْحِيدِه. والثانية، أنَّه إن كان مُقِرًّا بالتَّوْحيدِ كاليهودِ، حُكِمَ بإسْلامِه؛ لأنَّ تَوْحيدَ اللهِ ثابتٌ في حَقِّه، وقد ضَمَّ إليه الإِقْرارَ برسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فكَمَلَ إسلامُه، وإن كان غيرَ مُوَحِّدٍ، كالنَّصَارَى والمَجُوسِ والوَثَنِيِّين، لم يُحْكَم بإسْلامِه حتى يشهدَ (8) أن لا إلهَ إلَّا اللهُ. وبهذا جاءتْ أكثرُ الأخبارِ، وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ مَن يَجْحَدُ (9) شَيْئَيْن لا يزولُ جَحْدُهما إلَّا بإقْرارِه بهما جميعًا. وإن قالَ: أشهدُ أنَّ النَّبِىَّ رسولُ اللَّه. لم نَحْكُمْ بإسلامِه؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنْ يُريدَ غيرَ نبيِّنا. وإن قال: أنا مؤمنٌ. أو: أنا مُسْلِمٌ. فقال القاضي: يُحْكَمُ بإسْلامِه بهذا، وإن لم يَلْفِظْ بالشَّهادَتَيْنِ؛ لأنَّهما اسمانِ لشىءٍ مَعْلومٍ معروفٍ وهو الشَّهادَتانِ، فإذا أَخْبَرَ عن نَفْسِه بما تَضَمَّنَ الشَّهادتَيْنِ، كان مُخْبِرًا بهما. ورَوَى المِقْدَادُ، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، [أرأيتَ إنْ](10) لَقِيتُ رَجُلًا من الكُفَّارِ، فقاتَلَنِى، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَىَّ بالسَّيفِ، فقطَعَها، ثم لاذَ مِنِّى بِشَجَرَةٍ، فقال: أَسْلَمْتُ. أفأقْتُلُهُ يا رسولَ اللهِ بعدَ أنْ قالَها؟ قال: "لَا تَقْتُلُه، فَإنْ قَتَلْتَهُ، فَإنَّه بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وإنَّكَ بمنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ (11) كَلِمَتُه الَّتِى قَالَها". وعن عِمْرانَ
(7) أخرجه البخاري، في: باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلَّى عليه، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري 2/ 118. وأبو داود، في: باب في عيادة الذمى، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 164. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 260، 280. والبيهقي، في: باب عيادة المسلم غير المسلم. . .، من كتاب الجنائز. السنن الكبرى 3/ 383.
(8)
في الأصل: "شهد".
(9)
في ب، م:"جحد".
(10)
في الأصل: "إني".
(11)
في الأصل زيادة: "لك".