الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِنايةٌ (13) ورَدَتْ على مَحَلٍّ مُسْتَحِقٍّ، فقُدِّمَ صاحِبُها على المُسْتَحِقِّ قبلَه، كالجِنايةِ على المَمْلُوكِ الذي لم يَجْنِ. وقال شريحٌ، في عَبْدٍ شَجَّ رَجُلًا، ثم آخَرَ، [ثم آخَرَ](14)، فقال شُرَيحٌ: يُدْفَعُ إلى الأوَّلِ، إلَّا أن يَفْدِيَه مَوْلاه، ثم يُدْفَعُ إلى الثاني، ثم يُدْفَعُ إلى الثالثِ، إلَّا أن يَفْدِيَه الأوْسَطُ. ولَنا، أنَّهم تَساوَوْا في سَبَبِ تعَلُّقِ الحَقِّ به، فتَساوَوْا في الاسْتِحقاقِ، كما لو جَنَى عليهم دَفْعةً واحدةً، بل لو قُدِّمَ بعضُهم، كان الأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ حَقَّهُ أسْبَقُ، ولا يَصِحُّ القِياسُ على المِلْكِ، فإنَّ حَقَّ المَجْنِىِّ عليه أقْوَى، بدليلِ أنَّهما لو وُجِدَا دَفْعةً واحدةً، قُدِّمَ حَقُّ (15) المَجْنِىِّ عليه، ولأنَّ حَقَّ المَجْنِىِّ عليه ثَبَتَ بغيرِ رِضَى صاحِبِه عِوَضًا، وحَقَّ المالِكِ ثَبَتَ برِضَاه أو بغيرِ عِوَضٍ، فافْتَرَقَا.
فصل:
وإن أعْتَقَ السَّيِّدُ عبدَه الجانِى، عَتَقَ، وضَمِنَ ما تَعَلّقَ به من الأرْشِ؛ لأنَّه أتْلَفَ مَحَلَّ الجِنايةِ على مَنْ تَعَلّقَ حَقُّه به، فلَزِمَه غَرَامَتُه، كما لو قَتَلَه. ويَنْبَنِى قَدْرُ الضَّمانِ على الرِّوايتَيْنِ، فيما إذا اختارَ إمْساكَه بعدَ الجِنايةِ؛ لأنَّه امْتَنَعَ من تَسْلِيمِه بإعْتاقِه، فهو بمنزلةِ امْتِناعِه من تَسْلِيمِه باخْتِيارِ فِدَائِه. ونَقَلَ ابنُ منصورٍ عن أحمدَ، أنَّه إن أعْتَقَه، عالِمًا بجِنايتِه، فعليه الدِّيَةُ، يَعْنِى دِيةَ المَقْتُولِ، وإن لم يَكُنْ عالِمًا بجنايتِه، فعليه قِيمَةُ العَبْدِ؛ وذلك لأنَّه إذا أعْتَقَه مع العلمِ، كان مُخْتارًا لفِدائِه، بخِلافِ ما إذا لم يَعْلَمْ، فإنَّه لم يَخْتَرِ الفِداءَ؛ لعَدَمِ عِلْمِه به، فلم يَلْزَمْه أكثرُ من قِيمةِ ما فَوَّتَه.
فصل: فإنْ باعَه، أو وَهَبَه، صَحَّ بَيْعُه؛ لما ذكَرْنا في البَيْعِ، ولم يَزُلْ تَعَلُّقُ الجِنايةِ عن رَقَبَتِه، فإن كان المُشْتَرِى عالمًا بحالِه، فلا خِيارَ له؛ لأنَّه دخَلَ على بَصِيرةٍ، ويَنْتَقِلُ
(13) في ب: "جنايته".
(14)
سقط من: م.
(15)
في م: "لحق".
الخِيارُ في فِدائِه وتَسْلِيمِه إليه، كالسَّيِّدِ الأوَّلِ، وإن لم يَعْلَمْ، فله الخِيارُ بين إمْساكِه ورَدِّه، كسائرِ المَعِيبات (16).
1466 -
مسألة؛ قال: (والْعَاقِلَةُ الْعُمُومةُ، وأوْلَادُهُمْ وإنْ سَفَلُوا، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبِى عَبْدِ اللهِ. والرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، الْأَبُ، وَالِابْنُ (1)، وَالإِخْوَةُ، وكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنَ الْعَاقِلَةِ)
العاقِلَةُ: مَنْ يَحْمِلُ العَقْلَ. والعَقْلُ: الدِّيَةُ، تُسَمَّى عَقْلًا؛ لأنَّها تَعْقِلُ لِسانَ وَلِىِّ (2) المَقْتُولِ. وقيل: إنَّما سُمِّيَتِ العاقلةُ، لأنَّهم يمْنَعُونَ عن القاتِلِ، والعَقْلُ: المَنْعُ، ولهذا سُمِّىَ بعضُ العُلُومِ عَقْلًا؛ لأنَّه يمْنَعُ من الإِقْدامِ على المَضَارِّ. ولا خِلافَ بين أهلِ العلمِ في (3) أنَّ العاقلةَ العَصَباتُ، وأنَّ غَيْرَهم من الإِخْوَةِ من الأُمِّ، وسائرِ ذَوِى الأرْحامِ، والزَّوْجِ، وكُلِّ مَن عدَا العَصَباتِ، ليس (4) هم من العاقلةِ. واخْتُلِفَ في الآباءِ والْبَنينَ، هل هم من الْعَاقِلَةِ أو لا. وعن أحمدَ في ذلك رِوَايتان؛ إحداهما، أنَّ (5) كلَّ العَصَبةِ من العاقلةِ، يَدْخُلُ فيه آباءُ القاتلِ، وأبناؤُه، وإخْوَتُه، وعُمُومَتُه، وأبناؤُهم. وهذا اختيارُ أبي بكرٍ، والشريفِ أبى جعفرٍ. وهو مذهبُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ؛ لما رَوَى عمرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، قال: قَضَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّ عَقْلَ المرأةِ بينَ عَصَبَتِها، مَنْ كانوا، لا يَرِثُونَ منها شيئًا إلَّا ما فضَلَ عن وَرَثَتِها، وإن قُتِلَتْ فعَقْلُها بين ورَثَتِها. روَاه أبو داودَ (6). ولأنَّهم عَصَبةٌ، فأشْبَهُوا الإِخْوةَ، يُحَقِّقُه أنَّ العَقْلَ موضوعٌ
(16) في الأصل، م:"المبيعات".
(1)
سقط من: الأصل، ب.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: ب.
(4)
في م: "ليسوا".
(5)
سقط من: ب، م.
(6)
في: باب ديات الأعضاء، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 496.
كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 38. وابن ماجه، في: باب عقل المرأة على عصبتها وميراثها لولدها، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 884. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 224.