الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1461 - مسألة؛ قال: (وَإنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، فَهِىَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، حَالَّةً أَرْبَاعًا؛ خَمْسٌ وعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وخَمْسٌ وعِشْرُونَ حِقَّةً، وخَمْسٌ وعِشْرُونَ جَذَعَةً)
أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ دِيَةَ العَمْدِ تَجِبُ في مالِ القاتلِ، لا تَحْمِلُها العاقِلةُ. وهذا قَضِيَّةُ الأصْلِ، وهو أنَّ بَدَلَ المُتْلَفِ يَجِبُ على المُتْلِفِ، وأرْشُ الجِنايةِ على الْجانِى، قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَجْنِى جَانٍ إلَّا عَلَى نَفْسِه"(1). وقال لبعضِ أصحابِه، حين رأى معَه ولَدَه:"ابْنُكَ هذَا؟ ". قال: نعم. قال: "أمَا إنَّهُ لَا يَجْنِى عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِى عَلَيْهِ"(2). ولأنَّ مُوجِبَ الجِنايةِ أثَرُ فِعْلِ الجانِى، فيَجِبُ أن يَخْتَصَّ بضَرَرِها، كما يخْتَصُّ بنَفْعِها، فإنَّه لو كَسَبَ كان كَسْبُه له دُونَ غيرِه، وقد ثَبَتَ حكمُ ذلك في سائرِ الجِناياتِ والأكْسابِ، وإنَّما خُولِفَ هذا الأصلُ في قَتْلِ الحُرِّ (3) المَعْذُورِ فيه، لكَثْرةِ الواجِبِ، وعَجْزِ الجانِى في الغالِبِ عن تَحَمُّلِه، مع وُجُوبِ الكَفَّارةِ عليه، وقِيامِ عُذْرِه، تَخْفِيفًا عنه، ورِفْقًا به، والعامِدُ لا عُذْرَ له، فلا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ، ولا يُوجَدُ فيه المعنى المُقْتَضِى للمُواساةِ في الخطإِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّها تَجِبُ حالَّةً. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وقال أبو حنيفةَ: تَجِبُ في ثلاثِ سِنِينَ؛ لأنَّها دِيَةُ آدَمِىٍّ، فكانتْ مُؤَجَّلَةً، كدِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ. ولَنا، أنَّ ما وَجَبَ بالعَمْدِ المَحْضِ كان حالًّا،
(1) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام، من أبواب الفتن، وفى: باب سورة التوبة، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 9/ 4، 11/ 228. وابن ماجه، في: باب لا يجنى أحد على أحد، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 890. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 499.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في الخضاب، من كتاب الترجل، وفى: باب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 403، 477. والنسائي، في: باب هل يؤخذ أحد بجريرة غيره، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 47. وابن ماجه، في: باب لا يجنى أحد على أحد، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 890. والدارمى، في: باب لا يؤخذ أحد بجناية غيره، من كتاب الديات. سنن الدارمي 2/ 199.
(3)
سقط من: ب، م.
كالقِصاصِ، وأرْشِ أطْرافِ العَبْدِ، ولا يُشْبِهُ شِبْهَ العَمْدِ؛ لأنَّ القاتِلَ معذورٌ، لكَوْنِه لم يَقْصِدِ القَتْلَ، وإنَّما أفْضَى إليه من غيرِ اخْتِيارٍ منه، فأشْبَه الخطأَ، ولهذا تَحْمِلُه العاقِلةُ، ولأنَّ القَصْدَ التَّخْفيفُ عن (4) العاقلةِ الذين لم تَصْدُرْ منهم جِنايةٌ، وحَملُوا أداءَ مالٍ مُواساةً، فالأرْفَقُ بحالِهم التَّخْفيفُ عنهم، وهذا موجودٌ في الخطَإِ وشِبْهِ العَمْدِ على السَّواءِ، وأمَّا العَمْدُ، فإنَّما يَحْمِلُه الجانِى في غيرِ حالِ العُذْرِ، فوَجَبَ أن يكونَ مُلْحَقًا ببَدَلِ سائرِ المُتْلَفاتِ، ويُتَصَوَّرُ الخِلافُ معه، فيما إذا قَتَلَ ابْنَه، أو قَتَلَ أجْنَبِيًّا، وتَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ القِصاصِ، لعَفْوِ بعضِهم، أو غيرِ ذلك. واخْتلَفتِ الرِّوايةُ في مِقْدارِها، فرَوَى [جماعةٌ عن أحمدَ](5)، أَنَّها أَرْبَاعٌ، كما ذكَرَ الخِرَقِىُّ، وهو قولُ الزُّهْرِىِّ، ورَبِيعةَ، ومالكٍ، وسليمانَ بن يَسارٍ، وأبى حنيفةَ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ مَسْعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنه. ورَوَى جماعةٌ عن أحمدَ، أَنَّها ثلاثون حِقّةً، وثلاثون جَذَعةً، وأربعون خَلِفَةً في بُطونِها أولادُها. وبهذا قال عَطاءٌ، ومحمدُ بن الحسنِ، والشافعيُّ. ورُوِى ذلك عن عمرَ، وزيدٍ، وأبى مُوسَى، والمُغِيرَةِ؛ لما رَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا، دُفِعَ إلَى أَوْلِياءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ (6)، وإنْ شَاءُوا أخَذُوا الدِّيَةَ، وهِىَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وأَرْبَعُون خَلِفَةً، ومَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ". وذلك لتشْديدِ القَتْلِ. رَوَاه التِّرْمِذِىُّ (7)، وقال: هو حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وعن عبدِ اللَّه بن عمرٍو، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الخَطإِ، قَتِيلِ السَّوْطِ والْعَصَا، مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُون خَلِفَةً في بُطُونِها أوْلَادُهَا". روَاه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، وغيرُهم (8). وعن عمرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ رَجُلًا يُقال له: قَتادَة، حَذَفَ ابنَه بالسَّيْفِ، فقَتَلَه، فأخَذَ عمرُ منه الدِّيَةَ؛
(4) في ب، م:"على".
(5)
في ب: "الجماعة وأحمد".
(6)
في الأصل، ب:"قتلوا".
(7)
تقدم تخريجه، في: 11/ 595.
(8)
تقدم تخريجه، في: 6/ 240.