الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأوَّل: المنصوص على مصارفه:
هو القسم الّذي يشمل الزَّكاة الواجبة والصدقات المستحبة، وأربعة أخماس الفيء عند من قال بتخميسه، وأربعة أخماس خمس الغنيمة.
ومصارف هذه الأموال محددة بنص القرآن؛ وذلك كما يلي:
قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
…
} [التوبة: 60].
فهذا مصرف الزَّكاة الواجبة.
وأمّا أربعة أخماس الفيء فهي منصوص على مصارفها في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
…
} [الحشر: 7].
وأمّا أربعة أخماس خمس الغنيمة فمصرفه محدد بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
…
} [الأنفال: 41]
والقسم الأخر: ما ليس منصوصًا على مصارفه:
وهذالقسم راجع إلى اجتهاد الإمام ونظره في المصلحة العامة، فتصرّفه فيها تصرف مصلحة يدور معها حيث دارت، وقد سبق الكلام على ذلك مفصلًا.
وموارد هذ"لقسم كلّ أنواع المال الّتي تقدّم ذكرها عدا المنصوص على مصارفه منها، وهي المتقدمة في القسم الأوّل.
المسألة الرّابعة: ضابط ما يؤخد من بيت المال:
تقدّم فيما سبقه تعريف الرزق، والعطاء، والفرق بينهما، حيث تبين أن بعض العلماء حاول التفريق بينهما إِلَّا أن عرف الاستعمال عند الفقهاء لم يفرق بينهما فنراهم يستعلمون لفظ "الرزق" بمعنى العطاء، و "العطاء" بمعنى الرزق، والذي يهمنا
هنا أن الرزق مضبوط معروف عند العلماء، وبقي أن نعرف متى يكون المأخوذ من بيت المال رزقًا، ومتى يكون أجرة، أو نحوها؟
أمّا ما يخص الرزق من بيت المال فأمره واضح قد بينه العلماء، ومن ذلك ما سبق بيانه في تعريف الرزق، وأنّه ما يرتبه الإمام من بيت المال، لمن يقوم بمصالح المسلمين، ويلزم كي يكون رزقًا ما يأتي:
1 -
أن يكون العامل مسلمًا. أي: من أهل القربة.
2 -
أن يكون العمل ممّا يختص المسلم بفعله دون الكافر؛ كالأذان، والإمامة، ونحوهما.
3 -
أن يكون هذا العمل في مصالح المسلمين.
وهذا هو الّذي عناه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: "أمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضًا، وأجرة، بل رزق، للإعانة على الطّاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطّاعة"(1).
وعليه، فإذا اختلت الشروط السابقة بقي العمل مستحقًا بالأجرة.
فإنّه بالشرط الأوّل يخرج العامل غير المسلم. وبالثّاني ما لا يختص المسلم بفعله؛ كبناء الجسور، والقناطر، والمساجد، ونحوها، فإن هذه الأعمال يعملها المسلم والكافر. الثّالث ما لا يكون في مصالح المسلمين؛ فلا يؤخذ عليه الرزق من بيت المال.
ولهذا جاز للإمام الاستئجار على النفع الّذي لا يختص المسلم بفعله دون الكافر. قال شيخ الإسلام: "ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع: أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث،
(1) الاختيارات الفقهية لابن تيمية للبعلي: ص 153 تحقيق/ محمّد حامد الفقي/ مكتبة السُّنَّة المحمدية بمصر. وانظر: الخراج لأبي يوسف، ص/ 202 وما بعدها، الفروق للقرافي: 3/ 5، المغني لابن قدامة: 6/ 142.
والفقه، والإمامة، والأذان، لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إِلَّا مسلم، بخلاف النفع الّذي يفعله المسلم والكافر كالبناء، والخياط، والنسج، ونحو ذلك، وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فإنّه يبقى مستحقًا بالعوض معمولًا لأجله، والعمل إذا عمل للعوض، لم يبق عبادة كالصناعات الّتي تعمل بالأجرة" (1).
وهذا ما صرح به ابن قدامة حيث قال: "وما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط، والحساب، والشعر المباح، وأشباهه، وبناء المساجد، والقناطر جاز أخذ الأجر عليه؛ لأنّه يقع تارة قربة، وتارة غير قربة، فلم يمنع من الاستئجار لفعله؛ كغرس الأشجار، وبناء البيوت"(2).
وحينئذ يجوز للإمام الاستئجار على هذه الأعمال، ويكون ما يأخذه العامل أجرة لا رزقًا. قال شمس الدِّين الرملي: "يكفي الإمام لا غيره إنَّ استأجر من بيت المال أن يقول: استأجرتك كلّ شهر بكذا
…
" (3).
ومما سبق يتضح أن ما يؤخذ من بيت المال تارة يكون رزقًا، وتارة يكون أجرة (4)؛ وذلك على حسب ما ذكر من ضوابط، وعلى ضوء ما نقل عن أهل العلم في ذلك.
(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 30/ 206 - 207.
(2)
المغني لابن قدامة: 8/ 141.
(3)
نهاية المحتاج للرملي: 1/ 418، وانظر: روضة الطالبين: 1/ 206.
(4)
المحلى لابن حزم: 8/ 196، قال ابن حزم:"وإجارة الأمير من يقضي بين النَّاس مشاهرة جائزة". فهذا يدلُّ على أن ما يخرج من بيت المال قد يكون أجرة، كما قد يكون رزقًا.