الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّليل الثّاني:
عن أبي رافع (1): أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصَّدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها؛ قال: لا، حتّى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله. فانطلق إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال:(إنَّ الصَّدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم)(2).
وجه الاستدلال:
حيث بيَّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن الزَّكاة لا تحل لآل محمّد، ولا لمواليهم؛ فدل على أنّه لا يجوز إعطاؤهم من الزَّكاة، ولو كان ذلك أجرة العمل عليها (3).
الترجيح:
من خلال ذكر أدلة كلّ فريق، وما ورد عليها من مناقشات يتبين لنا بوضوح رجحان القول الأوّل. وعليه فلا يجوز استعمال أحد من آل البيت، ولا من مواليهم على الصدقات، ولو كان ما يأخذونه أجرة على عملهم.
ومما يرجح هذا القول:
أوَّلًا: قوته؛ حيث جاءت أدلته كلها نصية، صريحة الدلالة على ما نحن بصدده.
(1) هو أبو رافع القبطي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه إبراهيم - على الصحيح -، وقيل غير ذلك، أسلم لما بشر العباس بأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم انتصر على أهل خيبر، وكان إسلامه قبل بدر وشهد أحدًا وما بعدها، مات في أول خلافة علي رضي الله عنه على الصحيح -: الإصابة لابن حجر: 4/ 68، الاستيعاب لابن عبد البرّ: 4/ 70، تقريب التهذيب لابن حجر:1144.
(2)
أخرجه أبو داود في الزَّكاة، باب الصَّدقة على بني هاشم: 2/ 123 (1650)، والترمذي في الزَّكاة، باب ما جاء في كراهية الصَّدقة للنبي صلى الله عليه وسلم: 3/ 46 (657)، والنسائي في الزَّكاة، باب مولى القوم منهم: 5/ 112 (2611)، وأحمد في مسنده: 6/ 13 (23860)، وقال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
المغني لابن قدامة: 9/ 313.
ثانيًا: ضعف ما استدل به أصحاب القول الثّاني من أدلة؛ لكونها تعليلات أمكن مناقشتها، وإخراجها عن دلالتها.
المسألة الأخرى: هل يأخذ العامل على الزَّكاة منها، وإن كان غنيًا؟
لا خلاف بين العلماء في أنّه يجوز تولية العامل، وإن كان غنيًا، فلا يشترط فيه أن يكون فقيرًا (1).
وعمدة هذا الاتفاق ما يأتي:
أوَّلًا: حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصَّدقة لغني إِلَّا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها
…
) (2).
فهذا نصّ صريح على أن العامل عليها يعطى من الزَّكاة، وإن كان غنيًا. ثانيًا: أن ما يأخذه العامل إنّما هو أجرة عمله، فهو يأخذه على سبيل العوض، لا على سبيل المواساة، فجاز له أخذه مع الغنى (3).
ثالثًا: أن الله تعالى جعل العامل عليها صنفًا غير الفقراء، والمساكين؛ فلا يشترط وجود معناهما فيه، كما لا يشترط معناه فيهما (4).
رابعًا: الإجماع: قال ابن عبد البرّ: "وقد أجمع العلماء على أن الصَّدقة تحل لمن عمل عليها، وإن كان غنيًا"(5).
(1) بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 44، البحر الرائق لابن نجيم: 2/ 259، الاستذكار لابن عبد البرّ: 9/ 203، الخرشي على خليل: 2/ 216، المغني لابن قدامة: 9/ 314.
(2)
سبق تخريجه. انظر ص 261 من هذا الكتاب.
(3)
كما سبق ترجيحه في مطلب: "نوع ما يأخذه العامل"، ص 262 - 263.
(4)
المغني لابن قدامة: 9/ 313 - 314.
(5)
الاستذكار لابن عبد البرّ: 9/ 203.