الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى الأحاديث السابقة، وفيما ذكرته غنية.
مناقشة الاستدلال بالاحاديث السابقة:
أورد المانعون بعض المناقشات على الأحاديث السابقة، منها:
أوَّلًا: أن النيابة في الأحاديث السابقة إنّما وقعت على سبيل التبرع، وليس فيها تصريح بالوجوب (1).
قال القرطبي: "حديث الخثعمية ليس مقصوده الإيجاب، وإنّما مقصوده الحث على بر الوالدين، والنظر في مصالحهما دنيا ودينًا، وحبب المنفعة إليهما جبلة وشرعًا
…
". ثمّ ذكر حديث تشبيه الحجِّ بالدين، ثمّ قال: "
…
ففي هذا ما يدلُّ على أنّه من باب التطوعات، وإيصال البرّ، والخيرات للأموات .... " (2).
ويجاب عن ذلك بما يلي:
1 -
لا نسلم لكم أن هذه النصوص لا تصريح فيها بالإيجاب، أو أنّه ليس المقصود منها الإيجاب، بل قد جاء الإيجاب فيها بالفاظ صريحة نحو قوله صلى الله عليه وسلم:(فحجي عنه)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"حج عن أبيك، واعتمر"(3).
2 -
سلمنا أنّها لا تفيد الوجوب، وأنّها من باب التبرعات والبر، وعليه فإنها في هذه الحالة تفيد جواز النيابة، وأنتم لا تقولون به. ومن ثمّ تكونون قد نقضتم مذهبكم المانع من النيابة مطلقًا (4).
ثانيًا: قالوا: إنَّ ما رخص فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم للخثعمية إنّما هو خاص بها، كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز الرضاعة بعد الحولين، أي: الرضاعة في الكبر
(1) أحكام القران لأبي بكر بن العربي: 1/ 289، وعارضة الأحوذي، له: 4/ 158، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 4/ 152، وفتح الباري لابن حجر: 4/ 83.
(2)
الجامع لأحكام القرآن: 4/ 152.
(3)
فتح الباري لابن حجر: 4/ 83.
(4)
النيابة في العبادات للدكتور الهليل: ص /258.
مع اشتراط الله تعالى تمام الرضاعة في الحولين (1).
واحتجوا لدعوى الخصوصية هذه، بزيادة وردت في بعض طريق الحديث، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم:(لتحجي عنه، وليس لأحدٍ بعده)(2).
ويجاب عن دعوى الخصوصية بما يأتي:
1 -
أن الأصل عدم الخصوصية (3)؛ فالعام يعمل به حتّى يردّ ما يخصصه، ولادليل على التخصيص هنا.
2 -
أن القياس على قصة سالم مولى أبي حذيفة قياس مع الفارق، فلا يصح. وبيان ذلك: أن قصة سالم (4)، جاءت معارضة لاشتراط الله عز وجل تمام الرضاعة في الحولين (5)، ولأجل هذا التعارض ذهب الجمهور إلى أنّه لا يحرم من الرضاع إِلَّا ما كان في الصغر، وأمّا قصة سالم فهي خاصّة بسالم، ورخصه له دون غيره (6).
وأمّا حديث الخثعمية فلا شيء يعارضه من كتاب الله، ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) التمهيد لابن عبد البرّ: 9/ 125.
(2)
أخرجه ابن حزم في المحلى: 7/ 59. وذكر الحافظ ابن حجر أن هذه الرِّواية بهذه الزيادة رواها عبد الملك بن حبيب في الواضحة، بإسنادين مرسلين، ثمّ قال الحافظ: "ولا حجة فيه لضعف الإسنادين مع إرسالهما".: فتح الباري: 4/ 83.
(3)
فتح الباري لابن حجر: 4/ 83، نيل الأوطار للشوكاني: 4/ 286.
(4)
وقصة سالم هي: أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالمًا هو وزوجته، وكان سالم مولى لامرأة من الأنصار، فلما نزل قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} الآية، كلان من له أب معروف نسب إلى أبيه، ومن لا أب له معروف كان مولى وأخا في الدِّين، فعند ذلك جاءت سهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنَّ سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه ليدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا، فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الّذي في نفس أبي حذيفة"، فقالت: فرجعت، فأرضعته، فذهب الّذي في نفس أبي حذيفة. أخرج القصة مسلم في صحيحه: 2/ 1076 (1453).
(5)
كما في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} سورة البقرة، آية:233.
(6)
شرح النووي على صحيح مسلم: 10/ 30، 31، سبل السّلام للصنعاني: 3/ 440، 441.