الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعللوا ذلك: بأن التنصيف هو عين الإنصاف فلا يزاد على النصف (1).
ويمكن مناقشة هذا التعليل:
بأن هذا كلام لا دليل عليه؛ فإن للعامل أجرته على قدر جهده، وعمله، وإذا كانت أجرته تستغرق ما جمعه، أو أكثره فللإمام أن يعطيه من بيت المال، أو يعطيه أجرته كاملة ممّا جمعه، ويعطي الفقراء ونحوهم من بيت المال ما يكفيهم، أمّا أن ينقص أجر العامل بدون وجه فلا؛ لأنّ ما يأخذه أجرة، وعوض عن عمله، وجهده، لا على سبيل المواساة، فيأخذه كاملًا.
القول الآخر: قالوا: إنَّ العامل يأخذ أجره كاملًا، وإن استغرق ذلك كل ما جمعه.
وإلى هذا ذهب المالكية (2).
وعللوا ذلك: بأن ما يأخذه إنما هو أجرة عمله، فيأخذ أجرته كاملة، وإن استغرقت كل ما جمعه (3).
الترجيح:
الذي يظهر أن الأمر في ذلك راجع للإمام، فإن للعامل أجره كاملًا؛ لأنه عوض عمله وجهده، فإن رأى الإمام إعطاءه الزكاة كلها، أو معظمها إن كانت قدر عمله، فله ذلك، ويعطي بقية الأصناف من بيت المال كفايتهم، وإن رأى إبقاء الزَّكاة لبقية الأصناف، وإعطاء العامل من بيت المال فعل؛ وذلك حسب ما تقتضيه المصلحة.
(1) شرح فتح القدير: 2/ 16، البحر الرائق: 2/ 259.
(2)
الخرشي على خليل: 2/ 216، الزرقاني على خليل: 2/ 177، جواهر الإكليل للآبي: 1/ 139، منح الجليل لعلّيش: 2/ 87.
(3)
الخرشي على خليل: 2/ 216.
ولعلّ هذه الحالة هي الّتي ينزل عليها قول من قال: إنَّ ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام، وكذا قول من قال: إنّه يكمل للعامل من بيت المال، أمّا إذا كانت هناك سعة، وكان سهم العامل يكفي أجرته، أو زيادة، فالترجيح هو ما قد سبق في أصل المسألة - والله أعلم -.
ثانيًا: إذا تلف ما جمعه العامل من الصدقات في يده قبل توزيعه على مستحقيه، فهل يضمن ذلك؟ وهل يستحق أجرة أم لا؟ أمّا المسألة الأولى وهي مسألة الضمان فإننا نفرق فيها بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان التلف بسبب تفريط من العامل فإنّه في هذه الحالة يضمن ما تلف بيده، وليس له أجر على عمله.
وعللوا ذلك: بأنّه متعدٍ بفعله، فيضمن ما تلف بيده، ويسقط أجره. وبهذا قال جمهور أهل العلم (1).
الحالة الأخرى: إذا كان التلف وقع بغير تفريط من العامل فإن جمهور العلماء على أن العامل لا يضمن في هذه الحالة (2).
وقد عللوا ذلك بما يأتي:
قالوا: إنَّ العامل في هذه الحالة أمين كالوكيل، وناظر مال اليتيم إذا تلف المال في يده بلا تفريط فلا يضمن (3).
وأمّا أجرته في هذه الحالة فقد اختلفوا في دفعها إليه على قولين:
(1) المبسوط للسرخسي: 3/ 9، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 44، جواهر الإكليل للآبي: 2/ 140، المجموع للنووي: 6/ 175، المغني لابن قدامة: 9/ 312 - 315.
(2)
المجموع للنووي: 6/ 175، مغني المحتاج للشربيني: 3/ 119، المغني لابن قدامة: 9/ 314 - 15، كشاف القناع للبهوتي: 2/ 276
(3)
المجموع للنووي: 6/ 175.
القول الأول: إنه يستحق الأجرة، وتكون في بيت المال.
وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
وقد عللوا ما ذهبوا إليه بما يأتي:
1 -
قالوا: إنَّ العامل أجير، ولأن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين، وهذا منها (4).
2 -
أنّه استحق بعمله ما شرط له، فإذا تعذر دفعه من مال الزَّكاة وجب من بيت المال (5).
القول الآخر: إنَّ حقه يسقط، ولا يستحق شيئًا في هذه الحالة. وإلى هذا ذهب الحنفية (6).
وعللوا ذلك بما يأتي:
أن نفقة العامل تسقط في هذه الحالة قياسًا على سقوط نفقة المضارب إذا هلك مال المضاربة بجامع أن كلًا من العامل، والمضارب تكون نفقته فيما تحت يده على سبيل الكفاية، فإن المضارب تكون نفقته في مال المضاربة، وكذلك العامل تكون نفقته في مال الزَّكاة الّذي يجمعه يأخذها على سبيل الكفاية، لا على سبيل الأجرة (7).
مناقشة الاستدلال: يمكن مناقشة هذا التعليل بما يأتي:
أن هذا مبني على مذهب الحنفية في أن ما يأخذه العامل ليس أجرة عمله، وإنّما هو نفقته، أو رزقه، وهذا غير صحيح - كما سيأتي -؛ فالذي عليه جمهور أهل
(1) جواهر الإكليل للآبي: 2/ 140.
(2)
المجموع للنووي: 6/ 175، مغني المحتاج للشربيني: 3/ 119.
(3)
المغني لابن قدامة: 9/ 312 - 315، الممتع شرح المقنع لزين الدِّين ابن المنجى: 2/ 212، كشاف
القناع للبهوتي: 2/ 276.
(4)
كشاف القناع للبهوتي: 2/ 276.
(5)
الممتع شرح المقنع لابن المنجي: 2/ 212.
(6)
المبسوط للسرخسي: 3/ 9، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 44، حاشية ابن عابدين: 2/ 59.
(7)
وفي هذا نظر، وسيأتي مناقشة ذلك في المطلب القادم.