الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصّلاة؛ لأنّها أعظم ديون الله تعالى على عباده. وعليه، فإنّه إنَّ خلف الميِّت تركة، ولم يتطوع عنه أحدٌ بأداء الصلوات الّتي تركها، فإنّه يجب على أوليائه استئجار من يؤدِّي عنه تلك الصلوات.
مناقشة الاستدلال بالأحاديث السابقة:
نوقش الاستدلال بالأحاديث السابقة، والتي فيها تشبيه الحجِّ، والصوم بدين الآدميين، وقياس الصّلاة عليهما، بجامع أن كلًا منها عبادة بما يأتي:
أوَّلًا: أنّه لا دليل في هذه الأحاديث على أن دين الله هو دين حقيقي كدين الآدميين، ولكنه حق في بدن من هو عليه حتّى يؤدى إلى الله تعالى؛ إذ لو كان دينًا حقيقيًا لكان محالًا أن يشبه بالدين؛ لأنّ الأشياء إنّما تشبَّه بغيرها، ولا تُشبَّه بأنفسها (1).
الجواب عن هذه المناقشة:
يمكن الجواب عن هذه المناقشة بما يأتي:
1 -
أن اللُّغة والشرع يدلُّان على أن الصّلاة، والصيام، والحج إنّما هي ديون حقيقية كدين الآدميين، ولا فرق، وقد سبق بيان ذلك (2).
2 -
أن تشبيه دين الله عز وجل بدين الآدميين ليس من باب تشبيه الشيء بنفسه؛ لأنّ أحد الدينين جاء مقيدًا بأنّه لله، والدين الآخر جاء مقيدًا بأنّه للآدميين، ولما كان قد استقر عند السائلين وجوب قضاء دين الآدميين، وخفي عليهم ذلك في
(1) مشكل الآثار للطحاوي: 6/ 374.
(2)
انظر: ص 156 من هذا الكتاب.
دين الله عز وجل بين النّبيّ صلى الله عليه وسلم للسائل أن دين الله عز وجل كذلك يجب قضاؤه عن الميِّت،
بل جعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحق بالقضاء من دين الآدميين (1).
فعلم بذلك أن دين الله عز وجل دين حقيقة، وأنّه متعلّق بذمة الميِّت حال حياته وبتركته بعد وفاته.
ثانيًا: أن هذه الأحاديث إنّما وردت في قضاء الصوم، والحج، ولم ترد في قضاء الصّلاة؛ فقياسكم الصّلاة على الصوم، والحج، لايصح؛ لأنّ الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إِلَّا ما شرعه الله عز وجل، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2). فباب العبادات يقتصر فيه على النصوص، ولا يجوز التصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.
وعليه، فلا دلالة في هذه الأحاديث على مشروعية قضاء الصّلاة عن الميِّت، وأخذ الأجرة على ذلك (3).
(1) في هذه المسألة خلاف بين الفقهاء، فقد اختلفوا في أي الدينين يقدم إذا ضاقت التركة عنهما؛ فذهب الشّافعيّة إلى تقديم دين الله عز وجل، وذهب المالكية إلى تقديم دين العباد على دين الله عز وجل. أمّا الحنفية فقالوا: إنَّ دين الله عز وجل يسقط بالموت، إِلَّا إذا أُوصيَ به، فإنّه يخرج من ثلث التركة، وأمّا الحنابلة فيقدمون الدِّين المتعلّق بعين التركة، أو ببعضها، كالدين المرهون به شيء من التركة، ثمّ بعد ذلك الديون المتعلّقة بذمة المتوفى، ولا فرق في ذلك بين دين الله عز وجل ودين الآدمي. انظر في ذلك: حاشية ابن عابدين: 1/ 492، 5/ 484، الشرح الصغير للدردير: 4/ 618، نهاية المحتاج للرملي: 6/ 7، كشاف القناع للبهوتي: 4/ 403 - 404.
(2)
سورة الشورى، آية:21.
(3)
انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 29/ 17، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 7/ 440 - 441 (طبعة دار الشعب).