الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هذه النصوص: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّساء: 12].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق أن يقضى"(1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"(2).
وغير ذلك من النصوص الكثيرة الّتي سبق الكلام عنها، وسيأتي الكلام عن بعضها كذلك في مباحث الحجِّ، والصوم - إن شاء الله تعالى -.
2 -
نوقشت هذه الآية كذلك بأنّها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]. وبغيرها من النصوص الّتي سبق ذكرها، ودلت على أن الإنسان ينتفع بعمل غيره (3).
الجواب عن دعوى النسخ:
أجيب عن دعوى النسخ بما يأتي:
أوَّلًا: أن الآية من قبيل الإخبارات، ولا يجرى النسخ في الخبز (4).
(1) سبق تخريجه والكلام حوله. انظر: ص/ 157.
(2)
متفق عليه. أخرجه البخاريّ في الصوم، باب من مات وعليه صوم: 4/ 226 (1952)، وأخرجه مسلم في الصِّيام، باب قضاء الصوم من الميِّت: 2/ 803 (1147) كلاهما عن حديث عائشة.
(3)
شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 309، البدع لأنَّ مفلح: 2/ 281، الرُّوح لابن القيم: ص 126 - 127، وانظر: جامع البيان للطبري: 13/ 74، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 17/ 114.
(4)
شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 309.
ثانيًا: أن الآية محكمة، والجمع بينها وبين الآية الأخرى الّتي قيل إنها ناسخة ممكن؛ قال ابن القيم (1):"وقالت طائفة أخرى: الآية منسوخة بقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}، وهذا منقول عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وهذا ضعيف أيضًا، ولايرفع حكم الآية بمجرد قول ابن عبّاس رضي الله عنهما، ولا غيره أنّها منسوخة، والجمع بين الآيتين غير متعذر، ولا ممتنع، فإن الأبناء اتبعوا الآباء في الآخرة، كما كانوا تبعًا لهم في الدنيا، وهذه التبعية هي من كرامة الآباء، وثوابهم الّذي نالوه بسعيهم. وأمّا كون الأبناء لحقوا بهم في الدرجة بلا سعي منهم، فهذا ليس هو لهم، وإنّما هو للآباء أقرّ الله أعينهم بإلحاق ذريتهم بهم في الجنَّة، وتفضل على الأبناء بشيء لم يكن لهم، كما تفضل بذلك على الوِلدان، والحور العين، والخلق الذين ينشئهم للجنة بغير أعمال، والقوم الذين يدخلهم الجنَّة بلا خير قدموه، ولا عمل عملوه، فقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38]، وقوله تعالى؛ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، آيتان محكمتان يقتضيهما عدل الرب، وكماله القدس، والعقل، والفطرة شاهدان بهما"(2).
(1) هو: محمّد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدِّين المعروف بابن قيم الجوزية، الفقيه الحنبلي الأصولي، المحدث المفسر النحوي الأديب الواعظ الخطيب، المصلح، المجتهد، ولد بدمشق، وبرع في كلّ العلوم، تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية، له مؤلفات عظيمة جليلة منها: زاد المعاد في هدى خير العباد، أعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان من مكائد الشيطان، وبدائع الفوائد، وغيرها كثير، توفي سنة 751 هـ بدمشق:(ذيل طبقات الحنابلة: 2/ 447، الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 400).
(2)
الرُّوح لابن القيم: ص/ 126 - 127.
3 -
أن المراد بالإنسان في الآية هو الكافر دون المؤمّن، فأمّا المؤمّن فإن له ما سعى، وما سُعِيَ له، بالأدلة الكثيرة الدالة على وصول ثواب الغير، وانتفاع الإنسان بعمل غيره (1).
الجواب:
أجيب عن المناقشة بأنّها ضعيفة جدًا، وأن مثل هذا العام لا يراد به الكافر وحده، بل هو للمسلم والكافر، وهو كالعام الّذي قبل، وهو قوله تعالى:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38].
والسياق كله من أوله إلى آخره كالصريح في إرادة العموم لقوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 40]، وهذا يعم الشر والخير قطعًا، ويتناول البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر (2).
4 -
قالوا: إنَّ الآية إخبار بشرع من قبلنا، وقد دلّ شرعنا على أن له ما سعى، وما سُعِيَ له (3).
الجواب:
أُجيبَ عن ذلك: بأنّه ضعيف جدًا؛ لأنّ الله تعالى أخبر بذلك إخبار مقرر له، محتج به، لا إخبار مبطل له، ولهذا قال:{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36]، فلو كان هذا باطلًا في هذه الشّريعة، لم يخبر به إخبار مقرر له محتج به (4).
(1) المرجع السابق: ص/ 125.
(2)
الرُّوح لابن القيم: ص/12.
(3)
المرجع السابق: ص/ 126.
(4)
الرُّوح لابن القيم: ص/126. قلت: هناك مناقشات كثيرة حول الآية ذكرها ابن القيم بلغت حوالى تسع مناقشات، وقد أوردها ابن القيم وردّ عليها جميعًا. انظر: الرُّوح لابن القيم: ص/125 - 126.