الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّالث
أخذ المال على الإمامة والخطابة
أوَّلًا: أخذ المال على الإمامة:
الإمامة (1) في الصّلاة من خير الأعمال، وأفضلها، ولا أدل على ذلك من أن
الّذي يتولاها هم خير النَّاس وأفضلهم، وكان على رأس من تولاها يوم شرعت:
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ تولاها بعده خلفاؤه الراشدون، ثمّ ما زال يتولاها بعد ذلك أهل
العلم والفضل المتصفون بالعدالة، وحسن القراءة، وغير ذلك من الصفات الّتي
يلزم توفرها لمن يتولى هذا المنصب.
ولما كانت الإمامة بهذه المكانة كان لا بد من معرفة حكم أخذ المال عليها فأقول:
لا خلاف بين العلماء أن ما يُعطاه الإمام في الصّلاة من غير شرط جائز، سواء
(1) الإمام في اللُّغة: تطلق على معان كثيرة أهمهاهنا أنّها بمعنى: القصد والتقدم؛ يقال: أمَهم وأمّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة. (القاموس المحيط للفيروزآبادي: مادة أمم) الإمامة في الاصطلاح: تطلق على ثلاثة معانٍ:
1 -
الإمامة الكبرى: وسيأتي الكلام عليها في موضعها من البحث - إن شاء الله-.
2 -
الإمامة الصغرى: وهي إمامة الصّلاة، وهي الّتي نحن بصددها.
3 -
الإمامة في الدِّين: والمراد العالم المقتدى به. انظر: منحة الخالق على البحر الرائق: 1/ 369، والمراد هنا من هذه المعاني، هو المعنى الثّاني، ولوضوحها لم يهتم الفقهاء كثيرًا بتعريفها، ولكن عرفها، بعض الفقهاء بأنّها:(ربط صلاة المؤتم بالإمام): الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: 1/ 163.
وقيل: هي "اقتداء الغير بالمصلّي". انظر: منحة الخالق لابن عابدين 1/ 163.
كان ما يُعطاه رزقًا، أم وقفًا، أم على سبيل الهدية، والبر، والصلة على إحسانه (1). قال ابن نجيم: "
…
فإن لم يشارطهم على شيء لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في كلّ وقت شيئًا كان حسنًا، ويطيب له" (2).
وقال ابن قدامة: "ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط"(3).
وقال البهوتي في الكشاف: "فإن دفع إلى الإمام شيء وبغير شرط، فلا بأس نصًا، وكذا لو كان يعطى من بيت المال، أو من وقف"(4).
وأمّا الإجارة على الإمامة في الصّلاة فقد اختلف الفقهاء في حكمها على أربعة أقوال:
القول الأوّل: لا يجوز أخذ الأجرة على الإمامة في الصّلاة إِلَّا للضرورة والحاجة.
والى هذا القول ذهب المتأخرون من الحنفية (5)، وهو قول عند الحنابلة (6)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (7).
(1) المبسوط للسرخسي: 1/ 140، الجر الرائق لابن نجيم: 1/ 268، رسائل ابن عابدين: 1/ 163 (رسالة شفاء الغليل)، الذّخيرة للقرافي: 2/ 66، والفروق له: 3/ 4 - 5، شرح الزرقاني على خليل: 1/ 162، 2/ 2، الشرح الكبير للدردير: 1/ 198، الخرشي على خليل: 1/ 236، الحاوي للماوردي: 2/ 77 - 78، كشاف القناع للبهوتي: 1/ 475، 4/ 12.
(2)
البحر الرائق لابن نجيم: 1/ 268.
(3)
المغني لابن قدامة: 3/ 20.
(4)
كشاف القناع للبهوتي: 1/ 475.
(5)
البحر الرائق لابن نجيم: 1/ 268، حاشية ابن عابدين 1/ 378، 5/ 34، 35، 242. ورسائل ابن عابدين: 1/ 161، الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية: 5/ 37 - 38.
(6)
الفروع لابن مفلح: 4/ 435، الإنصاف للمرداوي: 6/ 45 - 46.
(7)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: 23/ 366 - 367، 20/ 202 - 207.
القول الثّاني: لا يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على إمامة الصّلاة.
وإلى هذا القول ذهب متقدمو الحنفية (1)، والشّافعيّة في الأصح (2)، والحنابلة في المشهور في المذهب (3)، والظاهرية (4).
القول الثّالث: يجوز أخذ الأجرة على الإمامة بشرط أن ينضم إليها الأذان، أو القيام على المسجد، فأمّا إنَّ كانت مفردة فلا يجوز.
وإلى هذا ذهب المالكية في المشهور عندهم، ومنع ذلك ابن حبيب من المالكية (5).
القول الرّابع: يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على الإمامة.
وإلى هذا ذهب ابن عبد الحكم من المالكية، وتبعه بعض المالكية (6)، وهو وجه
(1) المبسوط للسرخسي: 1/ 140، 4/ 158، البحر الرائق لابن نجيم: 1/ 268، حاشية ابن عابدين: 1/ 378، 5/ 34، 35، 242، رسائل ابن عابدين: 1/ 161.
(2)
فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي: 12/ 288، 289 (بهامش تكملة المجموع للسبكي)، روضة الطالبين للنووي: 5/ 188، مغني المحتاج للشربيني: 2/ 344، تحفة المحتاج للهيثمي: 6/ 156، فتح المعين للمليباري: 3/ 112.
(3)
المغني لابن قدامة: 8/ 136، الفروع لابن مفلح: 4/ 435، الإنصاف للمرداوي: 6/ 45 - 46، كشاف القناع: 4/ 12، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 5/ 320.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهري: 8/ 191 - 192.
(5)
المدوّنة للإمام مالك: 4/ 420، 423، البيان والتحصيل لابن رشد الجد: 1/ 469، 470، مواهب الجليل للحطاب: 1/ 455، 456، الذّخيرة للقرافي: 2/ 62، 67، الفروق: 3/ 2، 4، المعيار المعرب: 1/ 131، عقد الجواهر المْينة لابن شاس: 1/ 120؛ طبع المجمع الفقهي بجدة.
(6)
الذّخيرة للقرافي: 2/ 66، 67، الخرشي على خليل: 1/ 236، جواهر الإكليل للآبي: 1/ 37، عارضة الأحوذي لابن العربي: 2/ 13، أحكام القرآن لابن العربي: 2/ 961، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 8/ 178.