الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّاني النيابة في الحجِّ والعمرة عن الميِّت
المطلب الأوّل النيابة عن الميِّت في الحجِّ الواجب
اتفق العلماء على أن الميِّت إذا أوصى بالحج عنه، فإن النيابة عنه في هذه الحالة جائزة، ولا خلاف بينهم في ذلك (1).
أمّا إذا مات، ولم يوص؛ فهل تصح النيابة عنه في هذه الحالة أم لا؟
اختلف العلماء في حكم ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: تجب النيابة عن الميِّت في الحجِّ الواجب إذا مات، ولم يوص به، ويلزم ورثته أن يقيموا من يحج عنه من رأس ماله، ولا بد، إذا لم يوجد من يحج عنه تطوعًا.
وإلى هذا ذهب الشّافعيّة (2)، والحنابلة (3)، والظاهرية (4)، وروي ذلك عن أبي
(1) الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن: 2/ 225. 226، مختصر اختلاف العلماء لأبي جعفر الطحاوي: 2/ 91، حاشية ابن عابدين: 2/ 239، المدوّنة للإمام مالك: 1/ 491، المنتقى للباجي: 2/ 271، البيان والتحصيل لابن رشد: 3/ 419، حاشية الدسوقي: 2/ 18، الحاوي الكلبير للماوردي: 5/ 19، 20، المجموع للنووي: 7/ 116.المغنى لابن قدامة: 5/ 38، الإنصاف للمرداوي: 3/ 409.
(2)
الحاوي الكبير للماوردي: 5/ 19، 20.المجموع للنووي: 7/ 112، 114.
(3)
المغني لابن قدامة: 5/ 38، كشاف القناع للبهوتي: 2/ 393.
(4)
المحلى لابن حزم: 7/ 62.
هريرة، وابن عبّاس، وهو قول الحسن البصري، وسعيد ابن المسيَّب، وعطاء، والأوزاعي (1)، والثوري، وأبي ثور، وإسحاق، وغيرهم (2).
القول الثّاني: قالوا: إنَّ النيابة عن الميِّت جائزة، وليست واجبة؛ لأنّ فرض الحجِّ يسقط عنه، فلا يجب على ورثته الإحجاج عنه، فإن تبرعوا عنه بالحج هم أو غيرهم ممّن هم أهل للتبرع جاز ذلك.
وبهذا قال الحنفية (3).
(1) هو: عبد الرّحمن بن عمرو بن يُحمد بن عمرو الأوزاعي، أبو عمرو، إمام المسلمين في زمانه وإمام أهل الشّام خاصّة، الفقيه المحدث شيخ الإسلام أحد أتباع التابعين، ولد ببعلبك سنة 88 هـ، أجمع العلماء على إمامته، قال ابن حجر: ثقة جليل، من مؤلفاته: كتاب السنن، والمسائل وغيرها، توفي سنة 157 هـ ببيروت مرابطًا في سبيل الله: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 178، تقريب التهذيب لابن حجر ص/593.
(2)
المحلى لابن حزم: 7/ 64. 65، المغني لابن قدامة: 5/ 38.
(3)
الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن: 2/ 227، شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 320، حاشية ابن عابدين: 2/ 239،
تنبيه: نسب الإمامان ابن حزم، والنووي إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، القول بالمنع من النيابة إذا لم يوص، وهذه النسبة الّتي يظهر أنّها خطأ؛ لأنّ المنقول عن أبي حنيفة هو القول بالجواز. قال ابن عابدين نقلًا عن مناسك السروجي:"لو مات رجل بعد وجوب الحجِّ، ولم يوص به فحج رجل عنه، أو حج عن أبيه وأمه عن حجة الإسلام من غير وصية، قال أبو حنيفة: يجزيه إن شاء الله تعالى". قال ابن عابدين: "والمعنى: جاز عن حجة الإسلام إن شاء الله تعالى".
قلت: ولعلّ عذر هذين الإمامين في ذلك أنّه قد يفهم من القول بسقوط فرض الحجِّ عن الميِّت بالموت عند الحنفية، المنع من النيابة كما هو مذهب المالكية، ولكن مرادهم بسقوط الحجِّ عن الميِّت هو سقوط الوجوب، بحيث لا يجبر الورثة على ذلك، بخلاف ما إذا أوصى به فإنهم يجبرون على ذلك، والله تعالى أعلم. انظر: حاشية الشلبي على تببين الحقائق: 2/ 85، وحاشية ابن عابدين: 2/ 239، المجموع للنووي:7/ 112، المحلى لابن حزم: 7/ 62.