الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
قالوا: إن الصيام من الأجنبي تبرع، والتبرع يشبه قضاء الدين عن الميت، والدين لا يلزم فيه إذن الميت أو وليه (1).
الترجيح:
من خلال عرض الأدلة للقولين، وما ورد عليها من مناقشات يتبين رجحان القول الأول القاضي بصحة النيابة من الأجنبي عن الميت في قضاء ما وجب عليه من صيام؛ وذلك لما يلي:
أولاً: قوة ما استدلوا به، حيث جاءت أدلتهم قوية؛ لأن معظمها أدلة نقلية واضحة الدلالة على المراد.
ثانيًا: أنه أمكن مناقشة أدلة القول الآخر مما أوهن من دلالتها.
ثالثًا: أن المقصود من المسألة هو: إبراء ذمة الميت، وفكّ رهانه، وهذا يحصل بالولي وبغيره؛ كقضاء دينه (2).
رابعًا: تصريح النصوص بأن ما على الميت من صوم إنما هو دين، وإذا كان دينًا فلا يختص الولي بقضائه (3).
المسألة الثانية: أخذ الأجرة على قضاء الصيام عن الميت
هذه المسألة مبناها على مسألة النيابة في الصوم، وقد تقدم معنا أن من مات وعليه صوم واجب فإن له حالتين:
الحالة الأول: أن يموت وهو غير مفرط في قضاء ما وجب عليه، وفي هذه الحالة لاشيء عليه البتة، لا صيام، ولا إطعام، إلا أنه قد خالف بعض أهل العلم في الإطعام كما سبق، إلا أنهم فيما يتعلق بالصوم فلا خلاف إلا ما ذكره أبو الخطاب من أنه يحتمل الصوم عنه.
(1) المغني لابن قدامة: 4/ 400، المبدع شرح المقنع لابن مفلح: 3/ 48.
(2)
المغني لابن قدامة: 4/ 400.
(3)
فتح الباري لابن حجر: 4/ 229.
وبناءً على ما سبق، فإنه لا تجوز الإجارة على الصوم عن الميت في هذه الحالة؛ لأن الصوم لا يجب عليه أصلاً، ومن ثم لا شيء على وليه، ولا يجب في تركته شيء إن لم يكن له ولي.
الحالة الثانية: أن يموت وقد فرط في قضاء ما وجب عليه، وقد تقدم أن للعلماء في ذلك أربعة أقوال تعود في مجملها من حيث جواز النيابة وعدمها إلى قولين: قول يجيز النيابة، وقول لا يجيزها على تفصيلات بينهم في ذلك، كما تقدم.
أما من لا يجيز النيابة فلا يجيز الإجارة قولاً واحدًا، وأما من يجيز النيابة فقد اختلفوا في جواز الإجارة على الصيام عن الميت على قولين قول يجيزها، وقول لا يجيزها، والبعض أطلق في الجواز، والبعض خص بالنذر، فتحرر الأقوال بناء على ما سبق كما يأتي:
القول الأول: تصح الإجارة على الصوم الواجب على الميت بالنذر فقط دون غيره من الصوم الواجب بأصل الشرع.
وإلى هذا ذهب الحنابلة - على الصحيح من المذهب - (1).
قال المرداوي: "واعلم أنه إذا كان له تركة وجب فعله، فيستحب للولي الصوم، كله أن يدفع إلى من يصوم عنه - من تركته، عن كل يوم مسكينًا، وجزم به في القاعدة الرابعة والأربعين بعد المائة (2)، فإن لم يكن له تركة لم يلزمه شيء"(3).
(1) الإنصاف للمرداوي: 3/ 336 - 337، معونة أولي النهى لابن النجار: 3/ 88 - 90، الروض المربع للبهوتي مع حاشية ابن قاسم: 3/ 443، القواعد لابن رجب الحنبلي ص: 318، القاعدة: الرابعة والأريعون بعد المائة.
(2)
القواعد لابن رجب، ص: 315 - 318.
(3)
الإنصاف للمرداوي: 3/ 336 - 337.
القول الثاني: تصح الإجارة على الصوم الواجب على الميت مطلقًا سواء أكان صومًا من رمضان، أم من نذر، أم من كفارة. وإليه ذهب الشافعية في الصحيح المختار من مذهبهم (1)، وإليه ذهب الظاهرية؛ قال ابن حزم: "ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم
…
فإن لم يكن له ولي استؤجر عنه من رأس ماله من يصومه عنه، ولا بد، أوصى بكل ذلك، أو لم يوص وهو مقدم على ديون الناس" (2).
القول الثالث: لا تصح الإجارة على الصوم عن الميت مطلقًا، سواء أكان صومًا من رمضان، أم من كفارة، أم نذر.
وإلى هذا ذهب الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية في الجديد من مذهبهم (5)، ووافقهم الحنابلة في الصوم الواجب بأصل الشرع، وهو صوم رمضان والكفارة (6).
(1) المهذب للشيرازي: 1/ 187، المجموع للنووي: 6/ 368، روضة الطالبين: 2/ 381، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي: 3/ 438، نهاية المحتاج للرملي: 3/ 190، ومغني المحتاج للشربيني: 2/ 344.
(2)
المحلى لابن حزم: 7/ 2، وقد نسبه ابن حزم لأبي ثور، وأبي سليمان داود بن علي الظاهري، قال:"وهو قول أبي ثور، وأبي سليمان وغيرهما".
(3)
بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 191 - 192، الاختيار لتعليل المختار للموصلي: 2/ 59، البحر الرائق لابن نجيم: 8/ 22، تبيين الحقائق للزيلعي: 5/ 124.
(4)
عقد الجواهر الثمينة لابن شاس: 2/ 842، الخرشي على خليل: 7/ 23، حاشية العدوي على شرح الخرشي/ 7/ 23، جواهر الإكليل للآبي: 2/ 21 - 22، والشرح الكبير للدردير على مختصر خليل: 4/ 21 - 22.
(5)
المهذب للشيرازي: 1/ 187، المجموع شرح المهذب للنووي: 6/ 368، أسنى المطالب للأنصاري: 2/ 410.
(6)
المغني لابن قدامة: 8/ 141، الفروع لابن مفلح: 4/ 436، الإنصاف للمرداوي: 6/ 47، كشاف القناع للبهوتي: 4/ 12، مطالب أولي النهى للرحيباني: 3/ 642.