الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثّاني
العاملون على الزَّكاة
جاء ذكر العاملين على الزَّكاة مصرحًا به في القرآن الكريم عند ذكر الأصناف الذين تكون فيهم الزَّكاة، والصدقات، وهو ما يسمى عند العلماء:(مصارف الزَّكاة).
والعاملون على الزَّكاة معروفون منذ عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، فما زال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبعث العاملين على الزَّكاة لجمعها، ومن ثمّ وضعها في مستحقيها، وعلى ذلك سار خلفاؤه من بعده؛ وبناءً عليه فقد عرف العلماء العاملين عليها، ووضعوا لهم ضابطًا، وهذا ما سأبينه فيما يأتي:
*
تعريف العاملين على الزَّكاة:
عرفهم العلماء بتعريفات عدة نذكر بعضًا منها:
التعريف الأوّل: عرفهم الماوردي، فقال:"هو من ولاه الإمام قبضها، وتفريقها، نيابة عن أهل الصدقات"(1).
التعريف الثّاني: عرفهم ابن قدامة بانهم: "هم الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزَّكاة من أربابها، وجمعها، ونقلها، ومن يعينهم ممّن يسوقها، ويرعاها، ويحملها،
(1) الحاوي الكبير للماوردي: 10/ 561.
وكذلك الحاسب، والكاتب، والكيال، والوزان، والعداد، وكل من يحتاج إليه فيها" (1).
التعريف الثّالث: عرفهم ابن حزم بأنّهم: "هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته"(2).
وبالنظر في تعريف العلماء للعاملين على الزَّكاة نجد أن عبارتهم كلها تدور حول معنى واحد، وهو أنّهم:"هم الذين يوليهم الإمام جمع الزَّكاة، والقيام عليها، حتّى تصل إلى مستحقيها"؛ فكل من يحتاج إليه الإمام فيها فهو من العاملين عليها.
قال ابن بطّال: "اتفق العلماء على أن العاملين عليها: السعاة المتولون لقبض الصَّدقة"(3).
ويلحظ من خلال تعريف العلماء للعاملين عليها أنّهم يشترطون أن يكون العامل مرسلًا من قبل الإمام، أو من يقوم مقامه، فإذا أطلق لفظ العامل انصرف الذهن إلى من يوليه الإمامُ، أو نائبه قبض الصَّدقة، والقيام على أمرها، وشؤونها حتّى تصل إلى مستحقيها.
وبناءً عليه، فإنّه لا يصح إطلاق لفظ "العامل" على غير من يرسله الإمام، أو نائبه. قال ابن حزم: "وقد اتفقت الأُمَّة على أنّه ليس كلّ من قال: أنا عامل عاملًا،
(1) المغني لابن قدامة: 9/ 312. ولمزيد الوقوف على تعريف العاملين على الزَّكاة عند الفقهاء انظر: المبسوط للسرخسي: 3/ 9، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 44، الكافي لابن عبد البرّ: 1/ 326، مواهب الجليل للحطاب: 2/ 349، حاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج: 3/ 196، حاشية الشرقاوي على التحرير: 1/ 390، المبدع لابن مفلح: 2/ 415، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 3/ 213، الجامع لأحكام القرآن للقَرطبي: 8/ 177 - 178، المحلى لابن حزم: 6/ 149، فتح الباري لابن حجر: 3/ 428، نقلًا عن ابن بطّال.
(2)
المحلى لابن حزم: 6/ 149.
(3)
فتح الباري للحافظ ابن حجر: 3/ 428.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ)(1). فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته، فليس من العاملين عليها، ولا يجزئ رفع الصَّدقة إليه" (2).
ومما سبق يتضح لنا جليًا أن العامل مخصوص بمن يرسله الإمام، أو نائبه.
بناءً على ما سبق، فإنّه لو قام شيخ قبيلة - مثلًا -، أو كبير عائلة، أو أحد الأغنياء الكبار بتكليف شخص، أو أشخاص بجمع الزَّكاة، وتفريقها على مستحقيها، فإن هذا الشخص، أو الأشخاص لا يدخلون تحت مسمى (العاملين عليها)، بل يدخلون تحت باب الوكالة، ويكون هذا الشخص وكيلًا عن أصحاب الأموال في إيصال الزَّكاة إلى مستحقيها.
وقد تقدّم أن النِّيابة في الزَّكاة جائزة بالإجماع، وعليه فإن الوكيل يجوز له حينئذ أخذ الأجرة على عصله من أرباب الأموال، لا من الزَّكاة؛ وذللث بصفته وكيلًا، لا عاملًا.
قال المرداوي: "لو وكل غيره في تفرقة زكاته لم يدفع إليه من سهم العامل"(3).
(1) أخرجه البخاريّ معلقًا بصيغة الجزم في كتاب البيوع، باب النجش: 4/ 416 (2142)، ووصله في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود: 5/ 355 (2697)، ولكن بلفظ:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، من رواية عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه مسلم باللفظ الأخير في كتاب الأقضية، باب ناقض الأحكام الباطلة: 3/ 1343 (1718).
(2)
المحلى لابن حزم: 6/ 149.
(3)
الإنصاف للمرداوي: 3/ 227، كشاف القناع للبهوتي: 2/ 275.
أمّا إذا قام الشخص نفسه بتأدية زكلاة ماله، فإنّه حينئذ لا يدخل تحت مسمى العامل، ولا يحل له أخذ شيء منها في مقابل عمله؛ لأنّ تأدية زكاة ماله واجب عليه متعين، ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب العيني (1).
(1) المغني لابن قدامة: 8/ 141.