الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه، فالطعام الفاسد، ولحم الميِّتة، ليسا بمالٍ؛ لأنّه لا ينتفعٍ بهما أصلًا. وحبة القمح، وقطرة الماء ليستا بمال ، لأنّهما لا ينتفع بهما انتفاعًا معتادًا. والمراد بالانتفاع هنا: هو الانتفاع الشروع في حالة السعة، والاختيار، دون حالة الضّرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميِّتة في حال الضّرورة لا يجعل منه مالًا. وليس المقصود بالانتفاع هنا انتفاع النَّاس كافة. بل يكفي انتفاع بعضهم.
وعليه، فلا تزول مالية الشيء إِلَّا إذا ترك النَّاس كلهم تموُّله، ولم تكن له منفعة أصلًا، أمّا إذا ترك بعض النَّاس تموله، وبقي منتفعًا به عند بعضهم فلا تزول ماليته كالملابس القديمة الّتي يستعملها بعض النَّاس دون البعض الآخر" (1).
ثانيًا: المال في اصطلاح الجمهور:
تقدّم معنا أن اختلاف الجمهور مع الحنفية في تعريف المال في الاصطلاح راجع إلى أن الحنفية لا يرون مالية المنافع، بخلاف الجمهور، الّذي يرى أن المنافع أموال. وعليه، فإن تعريف الجمهور للمال سيكون أوسع من تعريف الحنفية، حيث يشتمل على المنافع، بل تتسع دائرة الأموال عند الجمهور لتشمل ما يُعرف في هذا العصر بالحقوق المعنوية. وسأذكر جملة من تعربفات الجمهور للمال ثمّ أذكر التعريف المختار.
أوَّلًا: المال عند المالكية:
التعريف الأوّل: عرّفه ابن عبد البرّ (2) بقوله: "المعروف من كلام العرب: أن كلّ
(1) المدخل لمصطفى شلبي: ص/ 330، 331، أحكام المعاملات الشرعية للأستاذ الشّيخ علي الخفيف، ص/ 25 دار الفكر - بيروت وانظر الملكية للعبادي: 1/ 174 - 175.
(2)
هو الإمام الحافظ أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي المالكي، الفقيه المحدث، ولد سنة 368 هـ - على التصحيح -، برع في العلم، وأصبح من أئمة الدنيا،
تُمول، وتملك فهو مال" (1).
ثمّ ذكر في موضع آخر تعريف المال فقال: "والعلّم محيط، واللسان شاهد في أن ما تملك، وتمول يسمى مالًا"(2).
وعلى هذا، فتعريف المال عند ابن عبد البر هو:"كلّ ما تُمول، وتُملك".
فقوله: "كلّ ما تُمُوِّل، وتملك"، يشمل الأعيان، والمنافع.
التعريف الثّاني: عرّفه الشاطبي (3) بأنّه: "ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه"(4).
فقوله: "ما يقع عليه الملك". حيث انطلق في تعريفه من كون المال محلًا للملك، والملك في حقيقته اختصاص المالك بهذا الشيء، بحيث يكون له الانتفاع، والتصرف فيه بكل أنواع الانتفاع، والتصرف، والاختصاص لايتعلّق إِلَّا بماله قيمة مادية بين النَّاس، وإلا فلا معنى للاختصاص به، وعلى هذا فيكون قوله: "ويستبد به المالك
= وله مؤلفات كثيرة في كلّ فن منها: الكافي في فروع المالكية، والتمهيد لما في الموطَّأ من المعاني والأسانيد، والاستذكار - وكلاهما في الحديث - والاستيعاب في معرفة الأصحاب، وغيرها كثير، وقد توفي سنة 463 هـ أنظر: سير أعلام النُّبَلاء للذهبي: 18/ 153 - 163، وترتيب المدارك للقاضي عياض: 4/ 808 - 810.
(1)
التمهيد لابن عبد البرّ: 2/ 5.
(2)
التمهيد لابن عبد البرّ: 2/ 5، 6، وقد بين ابن عبد البر معنى المال، وردٌ على من زعم أن العين لاتسمى مالًا، وهم دوس، والمراد بالعين هنا: الذهب، والفضة.
(3)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشهير بالشاطبي، من علماء المالكلية، كان إمامًا محققًا وفقيهًا أصوليًا، له مصنفات كثيرة في مختلف علوم الشّريعة منها: الموافقات في أصول الشّريعة - وهو أهم كتبه -، والاعتصام في الحوادث والبدع، وأصول الفقه، توفي سنة 790 هـ انظر: شجرة النور الزكية لمخلوف: 1/ 231، ونيل الابتهاج لبابا التنبكتي ص 46.
(4)
الموافقات للشاطبي: 2/ 14. دار الكتب العلمية تحقيق الشّيخ عبد الله دراز.
عن غيره" مجرد زيادة للتوضيح، والبيان ، لأنّ الملك - كما سبق - يقتضي الاختصاص، والاستبداد بالشيء.
وقوله: "إذا أخذه من وجهه"، الراد به هو التملك المشروع.
ويستفاد من تعريف الشاطبي شمول المال للعين، والمنفعة ، وذلك من قوله:"ما يقع عليه الملك"، فإن كلمة (ما) جنس في التعريف، فهي تشمل العين، والمنفعة، وكذلك فإن المنفعة تمليك، ويقع عليها الملك، فلا خلاف في أنّها تكون محلًا للملك كما سبق (1).
التعريف الثّالث: عرّفه بعض المالكية بقوله: "هو كلّ ما مُلك شرعًا، ولو قلَّ"(2).
وبمثل هذا التعريف عرَّفه الدردير (3) بقوله: "كلّ ما يملك شرعًا ولو قل"(4).
(1) أمّا عند الجمهور فمحل اتفاق في أن المنفعة مال، فضلًا عن كونها محلًا للملك، وأمّا عند الحنفية فالمنفعة ليست بمال، ولكنها تكون محلًا للملك، كما في عقد الإجارة. انظر: حاشية ابن عابدين: 4/ 100، والملكية للعبادي 1/ 184. وانظر: ص: 10 من هذا البحث.
(2)
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأحمد بن غنيم الأزهري: 2/ 372. دار الفكر - بيروت.
(3)
هو الإمام أبو البركات: أحمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الشهير بالدردير، ولد ببني عدي من صعيد مصر سنة 1127 هـ، برع في المذهب المالكي حتّى سُمي مالكًا الصغير، له مؤلفات كثيرة في شتى العلوم منها: أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك في الفقه المالكي، والشرح الصغير عليه، توفي سنة 1201 هـ بالقاهرة، انظر: شجرة النور الزكية: 1/ 359، والأعلام للزركلى: 1/ 232.
(4)
الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير: 4/ 742. دار المعارف - مصر. وضابط القلة والكثرة عند المالكية: أن القليل هو ما دون الكثير، وفوق التافه والكثير: هو ما فوق الدّينار. والتافه: هو ما دون الدرهم، وما بينهما هو القليل: مواهب الجليل للحطاب: 6/ 73، حاشية الدسوقي:4/ 120.