الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف الخامس: ومنهم من عرّفها بأنّها: "الطّاعة"(1). وليس بصحيح؛ للفرق بين القربة والطاعة - وسيأتي -.
التعريف المختار:
والذي أراه راجحًا من تعريفات القربة هو: ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأوّل، وهو أن القربة هي:"ما يتقرب به إلى الله تعالى".
وذلك لما يأتي:
أوَّلًا: أنّهم نظروا إلى حقيقة القربة في نفسها، وهو المطلوب في التعريف.
ثانيًا: أنّه بالنظر إلى النصوص الواردة في الكتاب والسُّنَّة المتعلّقة - بالقربة نجد أن مفهوم القربة فيها دائر على الأعمال نفسها، ومن ذلك قوله تعالى:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} [التوبة: 99]. وقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ..} [المائدة: 27].
ومن السُّنَّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام اللّيل، فإنّه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكْفَرَةٌ للسيئات، ومنهاة للإثم)(2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ فأيَّما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة)(3).
فهذه النصوص تدل على أن القربة تطلق في الغالب، ويراد بها أعمالها.
(1) المرجع السابق نفسه.
(2)
أخرجه التّرمذيّ من حديث بلال وأبي أمامة رضي الله عنهما: كتاب الدعوات: باب في دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم (3549)، 5/ 516 - 517.
(3)
أخرجه البخاريّ من حديث أبي هريرة في الدعوات: باب قوله صلى الله عليه وسلم: من آذيته
…
(6361) 11/ 175 (فتح). ومسلم في البرّ والصلة: باب من لعنه النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم أو سبه
…
(2601) 4/ 2009 (طبعة محمّد فؤاد عبد الباقي).
ثالثًا: أن هذا الاصطلاح هو ما عليه أكثر أهل العلم، واختاره كثير من المحققين، كما سبق أن ذكرنا، والله تعالى أعلم (1).
(1) هناك من العلماء من فسر القربة من حيث النظر إلى الفاعل فبين أنّها: "ما يختص المسلم بفعله دون الكافر"، وهذا الّذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية قال: "
…
ومآخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع: أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث، والفقه، والإمامة، والأذان، لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إِلَّا مسلم".
قلت: وهذا لا يُعد تعريفًا بالمعنى الاصطلاحي، وإنّما هو تفسير للقرب المتمحضة الّتي لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة، وأمّا الأعمال الّتي تقع تارة قربة، وتارة غير قربة، كبناء المساجد، والقناطر، فلا يشملها هذا المفهوم للقربة إذا فعلها المسلم على وجه العبادة.
انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 30/ 206 - 207.