الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّاني
أخد المال على الأذان والإقامة
اتفق الفقهاء على أنّه إذا وجد متطوع بالأذان والإقامة أنّه لا يجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال، ولا أخذ الأجرة عليهما كذلك منه، أو من غيره.
وعلل الفقهاء ذلك: بأن الإمام في بيت المال كالوصي في مال اليتيم، والوصي لو وجد من يعمل في مال اليتيم متبرعًا، لم يجز أن يستأجر عليه؛ فكذلك الإمام (1).
قال الشّافعيّ رحمه الله تعالى: "وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين، وليس للإمام أن يرزقهم، ولا واحدًا منهم، وهو يجد من يؤذن له متطوعًا ممّن له أمانة"(2).
وقال الإمام النووي: "قال أصحابنا: ولا يجوز أن يرزق مؤذنًا وهو يجد متبرعًا عدلًا"(3).
وقال ابن قدامة: "وإن وُجد متطوعٌ به، لم يرزق غيره؛ لعدم الحاجة إليه"(4).
وقد ذكر الفقهاء أنّه: إذا علم القوم حاجته فواسوه بشيء على سبيل البرّ والصلة والهدية، والمجازاة على إحسانه، أن ذلك جائز، إذ1/ يكن عن شرط؛
(1) بدائع الصنائع للكاساني: 1/ 152، شرح الزرقاني على خليل:2/ 2، الأم للشافعي: 1/ 84، الحاوي للماوردي: 2/ 77، المجموع للنووي: 3/ 126 - 127، المغني لابن قدامة: 2/ 70، الممتع شرح المقنع لابن المنجى: 1/ 320.
(2)
الأم للإمام الشّافعيّ: 1/ 84؛ دار المعرفة - بيروت -.
(3)
المجموع للنووي: 3/ 126، وانظر كذلك: الحاوي للماوردي: 2/ 77، ومغني المحتاج للشربيني: 1/ 140.
(4)
المغني لابن قدامة: 5/ 23، وانظر كذلك: الإنصاف للمرداوي: 1/ 409. والممتع شرح المقنع لابن المنجى التنوخي: 1/ 320. وقد علل ابن المنجى لذلك بقوله: "لأنّ بيت المال مرصد للمصلحة ولا مصلحة في الرزق مع وجدان المتطوع، فلا يفعل لعدم المصلحة".
وذلك لأنّه فرّغ نفسه لحفظ المواقيت، وإعلامه لهم بالأذان، وهذا يجعله لا يتفرغ للكسب لنفسه وعياله (1).
فإذا لم يوجد متطوع به، جاز أخذ الرزق عليه، باتِّفاق الفقهاء (2).
قال ابن قدامة: "ولا نعلم خلافًا في جواز أخذ الرزق عليه"(3).
هذا ما يتعلّق بأخذ الرزق من بيت المال.
أمّا ما يتعلّق بأخذ الأجرة على الأذان والإقامة، فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك على أقوال أشهرها ما يلي:
القول الأوّل: عدم جواز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، إِلَّا للضرورة (4)، والحاجة (5).
وإلى هذا ذهب: متأخرو الحنفية، وهو ما عليه الفتوى عندهم (6)، وهو قول
(1) المبسوط للسرخسي: 1/ 140، 4/ 158، 16/ 37، بدائع الصنائع للكاساني: 1/ 152، شرح فتح القدير لابن الهمام: 1/ 172، المحلى لابن حزم: 3/ 146، 145.
(2)
رسائل ابن عابدين: 1/ 163 (رسالة شفاء الغليل)، الذّخيرة للقرافي: 2/ 66 - 67، والفروق للقرافي: 3/ 4 - 5، الأم للشافعي: 1/ 84، المغني لابن قدامة: 2/ 70.
(3)
المغني لابن قدامة: 2/ 70.
(4)
الضروة: لغة: اسم من الاضطرار: الاحتياج الشديد، والضيق والشدة: لسان العرب: 4/ 482. اصطلاحًا: "هي بلوغ الإنسان حدًا إذا لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ". الأشباه والنظائر للسيوطي: ص/176، المنثور في القواعد للزركشي: 2/ 319.
(5)
الحاجة: لغة: الافتقار. لسان العرب: 2/ 342 اصطلاحًا: (ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب). الموافقات للشاطبي: 2/ 9.
(6)
البحر الرائق لابن نجيم:1/ 268، الفتاوى البزازية لابن البزاز الكردري: 5/ 37 - 38) بهامش الفتاوى الهندية)، حاشية ابن عابدين: 1/ 263، 5/ 34 - 35. قال ابن عابدين:"وقد اتفقت كلمتهم جميعًا في الشروح والفتاوى على التعليل بالضرورة". وحاشية الطحطاوي: 4/ 30.
عند الحنابلة (1)، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (2).
القول الثّاني: لا يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على الأذان والإقامة.
وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة، ومتقدمو أصحابه، وهو المذهب عندهم (3)، وهو قول ابن حبيب (4) من المالكية (5)، ووجه عند الشّافعيّة (6)، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة (7)، وإليه ذهب ابن حزم (8)، واختاره الشوكاني (9) من المحققين (10).
القول الثّالث: يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة مطلقًا.
(1) الفروع لابن مفلح: 4/ 435، الإنصاف للمرداوي: 1/ 409.
(2)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 30/ 202، 24/ 316.
(3)
مختصر القدوري (الكتاب) مع شرحه اللباب: 2/ 100، المبسوط للسرخسي: 1/ 140، وبدائع الصنائع الكاساني 1/ 152، الفتاوى الخانية بهامش الفتاوى الهندية: 1/ 78.
(4)
وابن حبيب: هو: عبد الله بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جناهمة بن عبّاس بن مرداس الألبيري القرطبي، عالم الأندلس، وفقيهها في عصره، من كبار علماء المالكية، أديب نحوي مؤرخ شاعر، له مؤلفات كثيرة في شتى الفنون منها: الواضحة في الفقه والسنن، وفضائل الصّحابة، وطبقات الفقهاء والمحدثين، وتفسير موطَّأ مالك وغيرها، توفي بقرطبة عام 238 هـ انظر: الديباج المذهب لابن فرحون ص: 154، ترتيب المدارك: 2/ 30، شجرة النور الزكية: ص: 74 - 75.
(5)
الذّخيرة للقرافي: 2/ 66، مواهب الجليل للحطاب: 1/ 455 - 456، والخرشي على خليل: 1/ 236.
(6)
الحاوي للماوردي: 2/ 77 - 78، المهذب للشيرازي: 1/ 59، روضة الطالبين: 1/ 205 - 206.
(7)
المغني لابن قدامة: 2/ 70، الفروع لابن مفلح: 1/ 323،والإنصاف للمرداوي: 1/ 409.
(8)
المحلى لابن حزم: 3/ 145 - 146، 8/ 191 - 192.
(9)
هو محمّد بن علي بن محمّد بن عبد الله الشوكاني، أبو محمّد فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء، ولد بهجرة شوكان سنة 1173 هـ، نشأ بصنعاء وتولى بها القضاء إلى أن مات، له مؤلفات كثيرة منها: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، والسيل الجرار، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، توفي سنة 1250 هـ:(معجم المؤلِّفين لكحالة: 11/ 53، الأعلام للزركلي: 6/ 298).
(10)
نيل الأوطار للشوكاني: 1/ 58 - 59.