الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
أخذ المال على الجنازة (تجهيز الميِّت ودفنه)
الجنازة (1): المراد بها الميِّت، ونعني بأخذ المال عليها: على تجهيزها حتّى توارى التراب، والتجهيز يشمل أشياء كثيرة هي: غسل الميِّت، وتكفينه، والصلاة عليه، وحمله، ودفنه.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى على أن تجهيز الميِّت، ودفنه فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط عن بقية المكلفين، وإذا تركه الجميع أثموا جميعًا (2).
قال النووي: "غسل الميِّت فرض كفاية، وكذا التكفين، والصلاة عليه، والدفن بالإجماع"(3).
وأمّا نفقات التجهيز فإنها تكون من تركة الميِّت، إنَّ ترك مالًا، وهي تقدّم على
كلّ الحقوق المتعلّقة بالتركة؛، فإن لم يخلف مالًا، فحينئذٍ يجب تجهيزه على من وجبت
(1) الجنازة في اللُّغة: الميِّت.
والجنازة: بالفتح والكسر في الجيم، والكسر أفصح، وهي: مشتقة من جنز الشيء يَجْنِزه جَنْزًا: ستره، والجنازة جمعها جنائز. (المصباح المنير للفيومي: 1/ 111 مادة: جنز، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص: 650، مادة جنز، لسان العرب: 5/ 324، مادة: جنز).
(2)
بدائع الصنائع للكاساني: 1/ 299 - 309، مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للشرنبلالي: ص 536، 541 التاج والأكلليل للمواق: 2/ 207، المفهم لأبي العباس القرطبي: 2/ 295، المجموع للنووي: 5/ 128، وروضة الطالبين له: 2/ 98 - 99، الإنصاف للمرداوي: 2/ 470.
(3)
روضة الطالبين للنووي: 2/ 98، وانظر: الإجماع لابن المنذر ص: 46؛ دار طيبة، وموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي لسعدي أبي جيب: 1/ 269، 679؛ دار العربيّة بيروت وقد تعقب الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري: 3/ 150، هذا الإجماع فقال: (وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميِّت فرض كفاية وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور عند المالكية
…
عليه نفقته في حال حياته، فإن لم يوجد، فيجب تجهيزه في بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد، أو وجد ولكن تعذر الأخذ منه، إمّا لخلوه من الأموال، أو لأي سبب آخر، فتكون نفقة تجهيزه على عامة المسلمين فرض كفاية على الغني منهم (1).
وأمّا أخذ الأجرة على تجهيز الميِّت، ودفنه، فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أنّه لا يجوز أخذ الأجرة على الصّلاة على الجنازة (2).
وعللوا ذلك بما يأتي:
أن صلاة الجنازة عبادة، وهي من جنس الصّلاة المتميزة بصورتها للعبادة، والصلاة لا تفعل لغير العبادة، ولهذا منع الاستئجار عليها (3).
فأمّا غير الصّلاة نحو: غسل الميِّت، وتكفينه، وحمله، ودفنه، فقد اختلف الفقهاء في حكم أخذ الأجرة عليها على ستة أقوال:
القول الأوّل: يجوز الاستئجار على تجهيز الميِّت، ودفنه ما لم يتعين عليه ذلك، فإذا تعين عليه بأن لا يوجد معه غيره فلا يجوز الاستئجار على قيامه بهذا العمل.
وإلى هذا ذهب الحنفية (4)، والمالكية (5)، في المشهور عندهم، وهو قول عند
(1) بدائع الصنائع: 1/ 308 - 309، الشرح الصغير للدردير: 1/ 551 - 552، المجموع للنووي: 5/ 189 - 190، معونة أولي النّهي شرح المنتهى لابن النجار: 2/ 419 - 421؛ دار خضر للطباعة والنشر، بيروت، تحقيق د. عبد الملك بن دهيش 1416 هـ
(2)
جواهر الإكلليل للآبي: 2/ 189، الشرح الصغير للدردير: 4/ 11، منح الجليل لعلّيش: 7/ 500، حاشية قليوبى على شرح المحلى على المنهاج: 3/ 76، مطالب أولى النّهي: 1/ 844
(3)
الشرح الصغير للدردير: 4/ 11، جواهر الإكلليل للآبي: 2/ 189، مطالب أولي النّهي: 1/ 844.
(4)
بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 191 - 192، الاختيار لتعليل المختار للموصلّي: 1/ 91، الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 269، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: 1/ 256 - 257، الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية: 5/ 239، الفتاوى الهندية: 1/ 159 - 160.
(5)
الشرح الكبير للدردير: 4/ 21 - 22، الشرح الصغير للدردير: 4/ 11.
الشّافعيّة (1).
القول الثّاني: يجوز الاستئجار على التكفين، والحمل، والدفن. أمّا الغسل فلا يجوز الاستئجار عليه.
وإلى هذا ذهب بعض الحنفية (2)، وهو قول قوي عند الحنابلة (3).
القول الثّالث: يكره أخذ الأجرة على تجهيز الميِّت، مطلقًا، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (4).
قال المرداوي: "يكره أخذ الأجرة للحمل، والحفر، والغسل، ونحوه على الصحيح من المذهب"(5).
القول الرّابع: يكره أخذ الأجرة على تجهيز الميِّت من غير حاجة، فإن كانت هناك حاجة فيجوز بلا كراهة.
وهو رواية عند الحنابلة (6).
القول الخامس: يَجوز أخذ الأجرة على تجهيز الميِّت، ودفنه مطلقًا، سواء كان فرض كفاية، أو فرض عين.
(1) الروضة للنووي: 5/ 187، الأشباه والنظائر لابن الوكيل: 2/ 122 - 123.
(2)
بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 191 - 192، شرح فتح القدير لابن الهمام: 1/ 452، حاشية ابن عابدين: 1/ 576 - 577.
(3)
الإنصاف للمرداوي: 2/ 539 - 540، كشاف القناع للبهوتي: 1/ 126، مطالب أولي النّهي للرحبياني: 1/ 844.
(4)
الفروع لابن مفلح: 2/ 256، تصحيح الفروع للمرداوي: 2/ 258، الإنصاف للمرداوي: 2/ 539، معونة أولي النّهي لابن النجار الفتوحي: 2/ 465، تحقيق: د/ عبد الله بن دهيش.
(5)
الإنصاف للمرداوي: 2/ 539.
(6)
المستوعب للسامري: 3/ 99 - 100، تحقيق د/ مساعد الفالح، الفروع لمحمد بن مفلح: 2/ 258، المبدع لإبراهيم بن مفلح: 2/ 221، تصحيح الفروع للمرداوي: 2/ 258، الإنصاف للمرداوي: 2/ 539، كشاف القناع: 2/ 126.