الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني النيابة عن العاجز في الحج الواجب
(1)
المسألة الأولى: النيابة عن العاجز عجزًا دائمًا
لا خلاف بين العلماء أن العاجز عن الحج الواجب ببدنه عجزًا دائمًا (2)، وبماله كذلك، ولم يجد من ينيبه أنه لا يلزمه أن يستنيب غيره، ولا يجب عليه الحج في هذه الحالة (3).
والدليل على ذلك:
القياس على الصحيح العاجز بماله؛ فكما أن الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه الحج، فالمريض أولى (4).
أما إذا كان العاجز ببدنه عجزًا دائمًا واجدًا للمال لكنه لم يجد من ينوب عنه فقد قال ابن قدامة: "وإن وجد مالًا - أي العاجز- ولم يجد من ينوب عنه فقياس المذهب أنه ينبني على الروايتين في إمكان المسير، هل هو من شرائط الوجوب، أو من شرائط لزوم السعي؟ فإن قلنا: من شرائط لزوم السعي ثبت الحج في ذمته، هذا يحج عنه
(1) الحج الواجب هنا يشمل: حجة الإسلام (الفريضة)، أو الحج المنذور، أو القضاء: فكل ذلك من الحج الواجب: حاشية ابن عابدين: 2/ 238، المغني لابن قدامة: 5/ 22.
(2)
والمراد به: "كل من وجدت فيه شرائط وجوب الحج، وكان عاجزًا عنه لمانع مأيوس من زواله، كزمانة أو مرض لا يرجى زواله، أو كان نِضْوَ الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحة، إلا بمشقة غير محتملة، والشيخ الفاني": المغني لابن قدامة: 5/ 22.
(3)
المبسوط للسرخسي: 4/ 153 - 154، حاشية ابن عابدين: 2/ 238، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 2/ 18، الأم للشافعي: 2/ 116، 121، المغني لابن قدامة: 5/ 21، المحلى لابن حزم: 7/ 53.
(4)
المغني لابن قدامة: 5/ 21.
بعد موته، وإن قلنا: من شرائط الوجوب لم يجب عليه شيء" (1).
وأما إذا كان العاجز ببدنه عجزًا دائمًا، واجدًا للمال، ولمن ينوب عنه في أداء ما عليه من الحج الواجب، فهل يلزمه أن يستنيب من يحج عنه أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجب على العاجز ببدنه عجزًا دائمًا أن يستنيب من يحج عنه.
وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة في رواية عنه (2)، وهو المذهب عند الشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
وبه قال جمع من السلف منهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري، وسفيان الثوري (6)، وعبد الله بن المبارك (7)، واسحاق ابن
(1) المغني لابن قدامة: 5/ 21، الفروع لابن مفلح: 3/ 245، تصحيح الفروع للمرداوي: 3/ 223، وقد حقق المرداوي القول في ذلك، وأختار أن ذلك من شرائط لزوم الأداء، وليس من شرط الوجوب، والله أعلم.
(2)
المبسوط للسرخسي: 4/ 153.
(3)
الأم للشافعي: 2/ 121، الحاوي الكبير للماوردي: 5/ 11، المجموع شرح المهذب للنووي: 7/ 100، مغني المحتاج: 1/ 469.
(4)
المغني لابن قدامة: 5/ 19، الفروع لابن مفلح: 3/ 245، الإنصاف للمرداوي: 3/ 405.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهري: 7/ 53.
(6)
هو: سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب، أبو عبد الله، الثوري، الكوفي، أحد الأئمة الكبار في الفقه والحديث، كان أحد أئمة الدنيا في وقته علمًا وعملًا، ولد بالكوفة سنة 97 هـ، ونشأ بها، قال ابن حجر: ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة. من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير، كلاهما في الحديث، وله كتاب في الفرائض، توفي سنة 161 هـ بالبصرة: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 203، تقريب التهذيب لابن حجر: ص/394.
(7)
هو: عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن، الإمام القدوة شيخ الإسلام مولى بني حَنظلة، التركي المروزي، ولد سنة 118 هـ، ثقة ثبت، فقيه، عالم جواد مجاهد، جمعت فيه - خصال الخير، توفي سنة 181 هـ: سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 378، التاريخ الكبير للبخاري: 2/ 215، تقريب التهذيب لابن حجر: ص: 540.
راهويه (1).
القول الثاني: يجوز للعاجز عجزًا دائمًا أن يستنيب من يحج عنه، ولا يجب عليه ذلك.
وإلى هذا ذهب الحنفية، وهو المذهب عندهم (2)، وبه قال بعض المالكية، ولكنهم قالوا يجوز ذلك مع الكراهة (3).
قال محمد بن الحسن (4): "لا بأس بالحج عن الميت، وعن الرجل، والمرأة، إذا بلغا من الكبر ما لا يستطيعان أن يحجا، وهو قول أبي حنيفة والعامة من أصحابنا"(5).
القول الثالث: لا تجوز النيابة في الحج الواجب عن العاجز ببدنه عجزًا دائمًا، وإن كان مستطيعًا بماله، وإن وجد من ينوب عنه في ذلك.
وبهذا قال المالكية في المشهور عندهم، وهو المعتمد من مذهبهم على الصحيح (6).
(1) المجموع شرح المهذب للنووي: 7/ 100، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 4/ 151.
(2)
الأصل (المبسوط) لمحمد بن الحسن: 2/ 505، المبسوط للسرخسي: 4/ 153، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 212، شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 310، تبيين الحقائق للزيلعي: 2/ 85.
(3)
التفريع لابن الجلاب: 1/ 315، مواهب الجليل للحطاب: 2/ 494، 3/ 3، الزرقاني على خليل: 2/ 244، حاشية البناني على الزرقاني: 2/ 244، الشرح الصغير للدردير: 2/ 15، والقول بالكراهة هو ما سار عليه خليل في مختصره، ص/75.
(4)
هو الإمام محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم الكوفي أبو عبد الله صاحب أبي حنيفة، ولد بواسط سنة 132 هـ، ونشأ بالكوفة، من الأئمة المجتهدين، له مؤلفات كثيرة منها: الأصل المعروف بالمبسوط، والسير الكبير، والجامع الكبير والجامع الصغير وغيرها، وهي كتب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، توفي الري سنة 179 هـ: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 134، وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 184.
(5)
موطأ مالك رواية محمد بن الحسن، ص/ 163.
(6)
المنتقى للباجي: 2/ 269، مواهب الجليل للحطاب: 2/ 313، 494، حاشية البناني على الزرقاني: 2/ 244، الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي: 2/ 18.