الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: أن الأدلة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع دلت على المنع من الصّلاة عن الحي كما سيأتي، ولم تستثن صلاة دون صلاة؛ فيشمل ذلك ما كان واجبًا، وما كان تطوعًا (1). قال ابن عبد البر: "وأمّا الصّلاة فإجماع من العلماء أنّه لايصلّي أحد عن أحد فرضًا عليه من الصّلاة، ولا سنة، ولا تطوعًا .. * (2).
ثالثًا: أن هذا القول انفرد به ابن حزم؛ إذ لا قائل به من العلماء، والأئمة، وأرباب المذاهب الفقهية المعتبرة، فهو قول غريب، فلا يعوَّل عليه (3).
الحالة الأخرى: الاستئجارعلى قضاء الصّلاة عن الميِّت
.
والمراد بالصلاة هنا مطلق الصّلاة الواجبة، سواء أكانت صلاة فرض، أم صلاة نذر، وسواء أكان قد تركها لعذر، أم لغير عذر.
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم أخذ الأجرة على قضاء الصّلاة عن الميِّت على أربعة أقوال:
القول الأوّل: يجوز أخذ الأجرة على قضاء الصّلاة المنذورة فقط عن الميِّت.
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي المذهب عند
(1) وستأتي أدلتهم مفصلة عند الحديث عن الأجرة في الصّلاة عن الميِّت. وانظر: حاشية قليوبي على شرح المحلي على المنهاج: 3/ 76.
(2)
الاستذكار لابن عبد البر: 10/ 166 - 167.
(3)
ما يتعلّق بأدلة الجمهور فسوف أذكرها عند بحث مسألة الإجارة على الصّلاة عن الميِّت - إن شاء الله.
الحنابلة، وعليها الأكثر (1).
وتفصيل ذلك عند الحنابلة كالآتي:
أن من مات وعليه صلاة نذر، فإنّه يستحب للولي (2) أن ينوب عنه فيها، وليس بواجب عليه، ولكن يستحب له ذلك على سبيل الصلة له، والمعروف. فإن أبى الولي ذلك فإنّه ينظر:
إن كان للميت تركة، فإنّه يجب على الولي أن يدفع من هذه التركة إلى من يصلّي عنه صلاة النَّذْر الّتي تركها.
وإن لم يخلف الميِّت تركة لم يلزم الولي شيء، ولكن يستحب له فعله عن الميِّت لتفرغ ذمته، كقضاء دينه (3).
قال ابن النجار الفتوحي (4): "ومن مات وعليه نذر صوم في الذِّمَّة أو حج،
(1) المغني لابن قدامَة: 13/ 655، شرح الزركشي على الخرفي: 7/ 228، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: 30/ 203، الفروع لابن مفلح: 3/ 103 - 104،الإنصاف للمرداوي: 3/ 340، كشاف القناع للبهوتي: 2/ 336، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 3/ 442.
(2)
الولي: المراد به الوارث، وقيل: القريب عصبة، أو نسبًا وارثًا، أو غيرِ وارث، وقيل: هو من له ولاية التصرف في مال الميِّت بوصاية، أو وراثة. (انظر: حاشية ابن عابدين: 1/ 492، وشرح مسلم للنووي: 8/ 26، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 3/ 442.
(3)
المغني لابن قدامة: 13/ 655، كشاف القناع: 2/ 335 - 336، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 3/ 443.
(4)
هو: محمّد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي، تقي الدِّين، أبو البقاء الفتوحي الشهير بابن النجار، القاضي المصري، الفقيه الحنبلي، الأصولي. ولد بالقاهرة سنة 898 هـ، وأخذ العلم عن والده، وتبحر في العلوم، وانتهت إليه رياسة المذهب الحنبلي بمصر، له مصنفات قيمة منها: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح، وزيادات في الفقه الحنبلي، ومعونة أولي النهى شرح المنتهى، وهو شرح للكتاب السابق، وهو كتاب ضخم طبع حديثًا في تسعة مجلدات كبار، وله مختصر التحرير وشرحه الكبير الكوكب المنير في أصول الفقه، توفي سنة 972 هـ في القاهرة. (السحب الوابلة لابن حميد: 2/ 854، النعت الأكمل للعامري: ص 114، مختصر طبقات الحنابلة لابن شطي: ص 96).
أو صلاةٍ، أو طوافٍ، أو اعتكافٍ، لم يفْعَل منه شيئًا - مع إمكان غير حج - سُنَّ لوليّه فعله
…
وإن خلّف مالًا وجب، فيفعله وليه، أو يدفع لمن يفعل عنه" (1).
والقول بقضاء الصّلاة المنذورة عن الميِّت إنّما هو مقيد بإمكان الفعل حال الحياة، ثمّ لم يفعل حتّى مات، فإنّه يقضى عنه، فإن مات قبل التمكن لم يفعل عنه. قال ابن النجار:"وعلم ممّا تقدّم أن غير الحجِّ، من الصوم، والصلاة، والطواف، والاعتكاف المنذور في الذِّمَّة إنّما يفعل عنه إذا تمكن من فعله قبل موته ولم يفعله؛ وذلك لأنّ النَّذْر، وإن تعلّق بالذِّمَّة، لكنه يتعلّق بالأيام الآتية بعد النَّذْر، فإن مات قبل أن يعيش المدة المقدرة تبينا أن مقدار ما بقي منها صادف نذره حالة موته، وهو يمنع الثبوت في الذِّمَّة، كما لو نذر صوم شهر معين فمات قبله، أو جُنَّ قبله، ودام الجنون حتّى انقضى الشهر المعين، فإن الشهر المنذور صومه لم يثبت في ذمته، ولا كذلك المقدار الّذي أدركه حيًا وهو مريض؛ لأنّ المرض لا ينافي ثبوت الصوم في الذِّمَّة بدليل وجوب قضاء رمضان على المريض"(2).
القول الثّاني: يجوز أخذ الأجرة على قضاء الصّلاة المنذورة عن الميِّت، وكذلك قضاء صلاة الفرض الّتي نسيها، أو نام عنها، ولم يصلها حتّى مات.
وهذا هو مذهب الظاهرية (3).
(1) منتهى الإرادات لابن النجار: 1/ 225 - 226.
(2)
معونة أولي النهى شرح المنتهى لابن النجار: 3/ 88.
(3)
المحلى لابن حزم: 5/ 197، 7/ 8، 59. 8/ 27. 28، 192.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: "ومن مات وعليه نذر ففرضٌ أن يؤدى عنه من رأس ماله قبل ديون النَّاس كلها، فإن فضل شيء كان لديون النَّاس"(1).
ثمّ قال: "فإن كان نذر صلاةً صلاها عنه وليه
…
فإن أبى الولي استؤجر من رأس ماله من يؤدِّي دين الله تعالى
…
وهو قول أبي سليمان (2)، وأصحابنا" (3).
وقال في موضع آخر: "
…
وأمّا الصّلاة المنسية، والمنوم عنها، والمنذورة فهي لازمة للمرء إلى حين موته، فهذه تؤدى عن الميِّت، فالإجارة في أدائها عنه جائزة
…
(4).
والتفصيل في مذهب الظاهرية هو كما مر معنا في مذهب الحنابلة بمعنى: أن على الولي أداء ذلك عن الميِّت استحبابًا، إِلَّا إنَّ خلف تركة ففرض على الأولياء أن يؤدوا ذلك عنه من رأس ماله (5).
(1) المحلى: 8/ 27. وقد نسب ابن حزم هذا القول لإسحاق ابن راهويه.
(2)
هو: داود بن علي بن خلف، أبو سليمان، الأصبهاني، الملقب بالظاهري، إمام المذهب الظاهري، وإليه ينسب المذهب الظاهري، ولد بالكوفة سنة 200 هـ، وقيل: 201 هـ، كان في أول أمره شافعي المذهب، ثمّ استقل بمذهب، ذكر له مؤلفات كثيرة منها: إبطال القياس، وخبر الواحد، وكتاب الحجة، وغيرها. توفي في الكوفة سنة: 270 هـ: (طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 284، وفيات الأعيان: 2/ 255، شذرات الذهب: 3/ 297).
(3)
المحلى: 8/ 28.
(4)
المحلى: 8/ 192.
(5)
نقل الإمام ابن قدامة كما في المغني: 13/ 656، أن مذهب الظاهرية هو وجوب القضاء على الولي، وليس الاستحباب، ولم يظهر لي من خلال النظر في كلام ابن حزم ذلك، ولم ينص على وجوب ذلك على الولي، ولكنه نصّ على فرضية ذلك على الولي في مال الميِّت، كما نقلت ذلك عنه (انظر: المحلى: 7/ 27)؛ فمذهبه في ذلك كمذهب الحنابلة سواء بسواء، والله أعلم.
القول الثّالث: لا يجوز مطلقًا الاستئجار على قضاء الصّلاة عن الميِّت، سواء أكانت صلاة فرض، تركها لعذر، أو لغير عذر، أم كانت صلاة نذر. وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشّافعيّة (3)، وهو الرِّواية الثّانية عند الحنابلة (4).
(1) المبسوط للسرخسي: 3/ 90، 4/ 152، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 212، 4/ 191 - 192، شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 84، 85، 308 - 310، درر الحكام لمنلاخسرو: 1/ 209، والبحر الرائق لابن نجيم: 3/ 64 - 65، مجمع الأنّهر في شرح ملتقى الأبحر لداماد أفندي: 1/ 250، وحاشية ابن عابدين: 1/ 237، 492، 5/ 484.
تنبيه: كما ذكرت، فإن مذهب الحنفية هو عدم جواز النِّيابة في قضاء الصّلاة عن الميِّت والاستئجار على ذلك، إِلَّا أنّهم ذهبوا إلى نوع آخر من البدل، ألَّا وهو الإطعام؛ فقالوا: إنَّ مات وعليه صلوات فائتة، بأن كان يقدر على أدائها، ولو بالإيماء فيلزم الإيصاء بها، فإن أوصى، فإنّه يطعم عن كلّ صلاة فرض تركها مسكينًا بمقدار نصف صالح من البرّ، أو صاع من غيره كالفطرة، أو قيمة ذلك، وهو الأفضل في الذهب، فإن كان لايقدر على أداء الصلوات الفائتة، ولو بالإيماء فلا يلزم الإيصاء، فإن كان يلزم الإيصاء على الصِّفَة الّتي ذكرنا قبلُ، ولم يوص فلا يلزم الولي شيئًا. وانظر: المبسوط: 3/ 90، حاشية ابن عابدين: 1/ 491 - 492. قلتُ: وهذا وجه عند الشّافعيّة كذلك. انظر: تحفة المحتاج: 3/ 439، حاشية قليوبي: 2/ 67.
(2)
عارضة الأحوذي لابن العربي: 3/ 240، الفروق للقرافي: 2/ 205 - 206، 3/ 186، مواهب الجليل للحطاب: 2/ 543 - 544، شرح الزرقاني على خليل: 2/ 238، 7/ 23 - 24، الخرشي على خليل: 7/ 23، منح الجليل لعلّيش: 1/ 202.
(3)
الأم للشافعي: 2/ 115، المجموع شرح المهذب: 6/ 372، 7/ 139، تحفة المحتاج: 6/ 155، مغني المحتاج: 2/ 344، شرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة: 3/ 76، أسنى المطالب: 2/ 410، زاد المحتاج للكوهجي: 2/ 378.
(4)
المغني لابن قدامة: 8/ 141، 13/ 655، الكافي لابن قدامة: 2/ 304، المقنع لابن البنا: 3/ 1281، الشرح الكبير لشمس الدِّين ابن قدامة: 3/ 91 - 92، شرح الزركشي على الخرقي: 7/ 228، المبدع لإبراهيم بن مفلح: 3/ 49 - 50، الإنصاف. للمرداوي: 2/ 340، كشاف القناع: 4/ 12، وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: 30/ 203.
القول الرّابع: يجوز مطلقًا الاستئجار على أداء الصّلاة عن الميِّت، سواء أكانت صلاة فرض، تركها لعذر، أو لغير عذر، أم كانت صلاة نذر.
وإلى هذا ذهب أبو محمّد بن عبد الحكم (1) من أصحاب مالك (2)، وهو مذهب الشّافعيّ القديم (3)، وبه قال جمع من محققي المتأخرين؛ كتقي الدِّين السبكي (4)، وابن أبي عصرون (5)، وغيرهم (6)، وحُكي عن عطاء بن أبي
(1) هو: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع، أبو محمّد المصري، الفقيه المالكي الحافظ، صاحب الإمام مالك رحمه الله. ولد بالأسكندرية سنة 150 هـ، وكان من أعلم أصحاب مالك، وانتهت إليه رئاسة المذهب في مصر بعد أشهب، من مؤلفاته: سيرة عمر بن عبد العزيز، القضاء في البنيان، المناسك. توفي بالقاهرة سنة 214 هـ: (الديباج المذهب لابن فرحون: ص/ 134، شجرة النور الزكية لمخلوف: ص/ 59.
(2)
مواهب الجليل للحطاب: 2/ 543.
(3)
طبقات الشّافعيّة الكبرى لابن السبكي: 10/ 229، تحفة المحتاج مع حاشيتي الشرواني والعبادي: 3/ 439، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: 3/ 193، وانظر: شرح السُّنَّة للبغوي: 6/ 327.
(4)
هو: علي بن عبد الكافي، تقي الدِّين السبكي الشّافعيّ، وهو فقيه، محدث، مفسر، أصولي، لغوي، ولد سنة 683 هـ بسبك من أعمال المنوفية بمصر، وتوفي بالقاهرة سنة 756 هـ، من مؤلفاته: الابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، والإبهاج في شرح المنهاج في أصول الفقه، أكمله ولده تاج الدِّين. (طبقات الشّافعيّة الكبرى: 10/ 139، البداية والنهاية لابن كثير: 14/ 149).
(5)
هو: عبد الله بن محمّد بن هبة الله بن علي، المعروف بابن أبي عصرون، الفقيه، الشّافعيّ، ولد بالموصل سنة 492 هـ، وتوفي بدمشق سنة 585 هـ له مؤلفات كثيرة منها: صفوة المذهب على نهاية المطلب، والانتصار والمرشد، وغيرها:(طبقات الشّافعيّة الكبرى: 7/ 132، البداية والنهاية لابن كثير: 12/ 355).
(6)
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي: 1/ 90، تحفة المحتاج مع حواشيه: 3/ 439، إعانة الطالبين على فتح المعين البكري: 2/ 244.