الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثّاني الاستئجار على الحجِّ والعمرة
الإجارة على الحجِّ مبنية على صحة النيابة فيه، وعليه فإن كلّ من لا تجوز النيابة عنهم، لا تجوز الإجارة في حقهم.
ومن ذلك:
الحي القادر المستطيع للحج بنفسه وماله، لا تجوز النيابة في حقه، بل عليه المبادرة بالحج بنفسه، وهذا محل إجماع بين العلماء - كما تقدّم - (1)، فهذا لا خلاف في عدم جواز الاستئجار على الحجِّ والعمرة في حقه.
وبالجملة، فحيث لا تجوز النيابة - على ما سبق بيانه - فلا تجوز الإجارة. وعلى هذا يصبح المراد بقولنا: الاستئجار على الحجِّ والعمرة هو الاستئجار على الحجِّ والعمرة في الحالات الّتي تقبل النيابة (2).
وقد اختلف الفقهاء في حكم الاستئجار على الحجِّ والعمرة على ثلاثة أقوال:
(1) بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 212، الاختيار للموصلّي: 1/ 170، قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي، ص / 147، المهذب للشيرازي: 1/ 199، المغني لابن قدامة: 5/ 22، وانظر ص/347 من هذا البحث.
(2)
تقدّم معنا أن المالكية لا يجيزون النيابة في الحجِّ، ومع ذلك نجدهم يجيزون الإجارة على الحجِّ مع الكراهة، ونراهم تكلموا عن أنواع الإجارة في الحجِّ؛ فكيف ذلك؟
الجواب عن هذا: أن قولهم بجواز الإجارة على الحجِّ مع الكراهة، مفرع عن صحة الوصيَّة بالحج عندهم، فإنهم يقولون إنَّ الرَّجل إذا أوصى عند موته أن يحج عنه، فإنّه ينفذ ما أوصى به، قال الإمام مالك:"إذا أوصى أنفذ ذلك، ويحج عنه من قد حج أحب إلي". فهذا نصّ مالك كما في المدوّنة: 1/ 491، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير 2/ 119:" وإنّما نفذت الوصيَّة به عند مالك، كان كان لا يجيز النيابة فيه؛ مراعاة لخلاف الشّافعيّ القائل يحواز النيابة فيه
…
".
القول الأوّل: يجوز مطلقًا الاستئجار على الحجِّ والعمرة.
وإلى هذا ذهب الشّافعيّة (1)، والحنابلة في رواية (2)، وهو قول الظاهرية (3)، وقد نقل هذا القول عن بعض الحنفية، وفيه نظر (4).
القول الثّاني: يجوز الاستئجار على الحجِّ، لكن مع الكراهة؛ وذلك إذا أوصى الميِّت أن يحج عنه، فتنفذ وصيته.
وهذا هو قول المالكَية (5)، وهو منصوص الإمام مالك، كما في المدوّنة (6).
القول الثّالث: لا يجوز مطلقًا الاستئجار على الحجِّ والعمرة.
وإلى هذا ذهب الحنفية (7)، وهو المذهب عند الحنابلة (8).
(1) الأم للشافعي: 2/ 124، الحاوي الكبير للماوردي: 5/ 343، المجموع للنووي: 7/ 120، قال الشّافعيّ:"للرجل أن يستأجر الرَّجل يحج عنه، إذا كلان لايقدر على المركب لضعفه، وكان ذا قدرة بماله، ولوارثه بعده، والإجارة على الحجِّ جائزة، جوازها في الأعمال سواه، بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البرّ خير منها على ما لا بر فيه". الأم: 2/ 124.
(2)
المغني لابن قدامة: 5/ 23، الإنصاف للمرداوي: 6/ 45.
(3)
المحلى لابن حزم: 7/ 62، 273، 274، 8/ 191، 192.
(4)
ذكر العيني في عمدة القاري: 12/ 95، أن هذا قول بعض متأخري الحنفية كأيي نصر، وأبي اللَّيث وغيرهما، وذكر ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص/176، الجواز نقلًا عن الخانية، وقد تتبع ذلك كله ابن عابدين وبين أن نسبة هذا إلى هؤلاء الفقهاء لا تصح، وأن القول الصحيح الّذي عليه جميع فقهاء المذهب سواء المتقدمين منهم، أو المتأخرين أن الاستئجار على الحجِّ لايجوز. وانظر تفصيل ذلك في مجموع رسائل ابن عابدين: 1/ 154 - 164.
(5)
المدوّنة للإمام مالك: 1/ 491، 4/ 420، الكافي لابن عبد البر:1/ 408، مواهب الجليل للحطاب: 1/ 456، 2/ 546، حاشية الدسوقي: 2/ 18، 19.
(6)
المدوّنة للإمام مالك: 4/ 440.
(7)
المبسوط للسرخسي: 4/ 158، 159، بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 191، تببين الحقائق للزيلعي: 5/ 124، حاشية ابن عابدين: 2/ 236، رسائل ابن عابدين: 1/ 156 - 164.
(8)
المغني لابن قدامة: 5/ 24، 8/ 546، الإنصاف للمرداوي: 6/ 45، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 5/ 320.