الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثّالث الجعالة
أوَّلًا: الجعالة في اللُّغة:
الجعالة مثلثة الجيم؛ يقال: جُعالة، وجِعالة، وجَعالة.
والجُعْل، والجُعالة، والجِعالة، والجَعالة، والجَعيلة: ما يُجعل للإنسان على الأمر يفعله. وهي أعم من الأجرة، والثواب (1).
ثانيًا: الجعالة اصطلاح الفقهاء:
أ- الجعالة عند الحنفية:
إذا نظرنا في كتب الحنفية لا نجد بابًا، ولا فصلًا لما يسمى بالجعالة، كما هو الحال عند باقي المذاهب، وبالتالي فإنهم لم يعرَّفوها، وإن عرفوها، فإنّما يرجع ذلك إلى عدم مشروعية الجعالة عندهم. فالبعض يرى أنّها من الإجارة الفاسدة، والبعض يرى أنّها من الإجارة الباطلة، إِلَّا أن ثمَّة حالة واحدة يوجب فيها الحنفية الجعالة استحسانًا، وسوف يأتي بيان ذلك:
أمّا من جعل الجعالة من الإجارة الفاسدة فقد عللوا ذلك بما يأتي:
1 -
أن العقد في الجعالة لم يوجه إلى معين يقبل العقد ليتحقق الإيجاب والقبول. ومن المعلوم أن العامل في عقد الجعالة قد يكون مجهولًا، وفي هذه الحالة ينتفي العقد؛ قال السرخسي (2): "وهذا شيء يأباه القياس؛ لأنّ العقد مع المجهول لا ينعقد
(1) معجم مقاييس اللُّغة لابن فارس: 1/ 460، المفردات للراغب: ص 197، لسان العرب لابن منظور: 11/ 111.
(2)
هو: هو: محمّد بن أحمد بن أبي سهل، أبوبكر، شمس الأئمة السرخسي: أحد أئمة الحنفية في الفقه والأصول، له مؤلفات كثيرة هي عمدة في المذهب منها: المبسوط في الفقه، وهو أهم كتبه، وأصول السرخسي في أصول الفقه، وشرح السير الكبير لمحمد بن الحسن، وغيرها، توفي سنة 483 هـ: الجواهر المضية للقرشي: 3/ 78، تاج التراجم لابن قطلوبغا، ص/182.
وبدون القبول كذلك
…
" (1).
2 -
أن في الجعالة تعليقًا للتملك على الخطر، وهو قمار، والقمار حرام؛ قال السرخسي: " .... ثمّ إنَّ هذا تعليق استحقاق المال بالخطر، وهو قمار، والقمار حرام في شريعتنا
…
" (2).
وعدّها ابن عابدين من الإجارة الباطلة، حيث جُهل الطرف الثّاني، أو علم، ولكنه أمكنه أخذ الجعل دون القيام بعمل، فلو قال رجل ضل له شيء: من دلني على كذا فله كذا، قال ابن عابدين:"فهو على وجهين: إن قال ذلك على سبيل العموم بأن قال: من دلني، فالإجارة باطلة؛ لأنّ الدلالة، والإشارة ليست بعمل يستحق به الأجر، وإن قال على سبيل الخصوص: بأن قال لرجل بعينه: إنَّ دللتني على كذا فلك كذا، إنَّ مشى له فدله، فله أجر المثل للمشي لأجله؛ لأنّ ذلك عمل يستحق بعقد الإجارة، إِلَّا أنّه غير مقدر بقدر، فيجب أجر المثل، وإن دله بغير مشي فهو والأول سواء"(3).
فعلى هذا، إنَّ تعين العامل فهي فاسدة، وإلا فهي باطلة.
وثمَّ حالة واحدة يوجب فيها الحنفية الجعالة كما سبق أن ذكرنا، وهي الجعالة الناتجة عن ردّ العبد الآبق؛ وذلك صيانة للمال من الضياع، ولاتفاق الصّحابة على ذلك، واستدلوا بما يأتي:
ما روي من حديث سعيد بن المرزبان، عن أبي عمرو الشيباني؛ قال: كنت جالسًا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاء رجل، فقال: إنَّ فلانًا قدم بإباق من القوم
(1) المبسوط للسرخسي: 11/ 18، حاشية ابن عابدين: 5/ 58.
(2)
المبسوط للسرخسي: 11/ 18، حاشية ابن عابدين: 4/ 281، الاختيار لتعليل المختار للموصلّي: 3/ 34. قال الموصلّي: "وعن الكرخي في اللقطة: إذا قال: من وجدها فله كلذا، فله أجر مثله؛ لأنّها إجارة فاسدة" 3/ 34.
(3)
حاشية ابن عابدين: 5/ 58، 258، بدائع الصنائع: 6/ 203.
فقال القوم: لقد أصاب أجرًا؛ فقال عبد الله بن مسعود: "وجعلًا، إن شاء من كلّ رأس أربعين درهمًا"(1).
قال السرخسي معقبًا على هذا الأثر: "وفي هذا الحديث بيان أن الراد يثاب؛ لأنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم ينكر عليهم إطلاق القول بأنّه أصاب أجرًا، وفيه دليل على أنّه يستحق الجعل على مولاه، وهو استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله، وفي القياس لا جعل، ولكنا تركنا القياس؛ لاتفاق الصّحابة رضي الله عنهم، فقد اتفقوا على وجوب الجعل، لأنّ ابن مسعود رضي الله عنه قال في مجلسه ما قال، وقد اشتهر عنه ذلك لا محالة ولم ينكر عليه أحد من أقرانه، وقد عرض قوله عليهم لا محالة، والسكوت بعد ذلك عن إظهار الخلاف لايحل لمن يعتقد خلافه، فمن هذا الوجه يثبت الإجماع منهم، ثمّ هم اتفقوا على أصل وجوب الجعل، وإن اختلفوا في مقداره
…
" (2).
غير أن ذلك ليس بمطّرد عند الحنفية، حيث لم يوجبوا الجعل في الحيوانات الضالة؛ لعدم تحقق الخطورة، ولذا قال الكاساني: "فكان استحقاق الجعل طريق صيانة الآبق عن الضياع، وصيانة المال عن الضياع واجب، فكان المالك شارطًا للأجر عند الأخذ والردّ دلالة، بخلاف الضالة؛ لأنّ الدابة إذا ضلت فإنها ترعى في
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: في اللقطة: باب الجعالة: 6/ 330 (12125)، وقال:"وهذا أمثل ما في هذا الباب" وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: كتاب البيوع والأقضية، باب: جعل الآبق: 6/ 541. وأخرجه عبد الرزاق في المصنِّف 8/ 207 (14911). وانظر: نصب الراية للزيلعي:/ 470، كتاب الإباق وسعيد بن المرزيان العبسي: ضعيف مدلس، وقد ورد الأثر من طريق سفيان عن عبد الله بن رباح عن أبي عمرو الشيباني، فذكره دون قوله (وجعلا) وفي سنده عبد الله بن رباح ذكره ابن حبّان في الثقات وأورده البخاريّ في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا: التاريخ الكبير للبخاري: 5/ 85 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 52، الثقات لابن حبّان 70/ 34، وتقريب التهذيب رقم (4402).
(2)
المبسوط للسرخسي: 11/ 17، بدائع الصنائع: 6/ 203، شرح فتح القدير لابن الهمام: 4/ 435.