الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ الصِّيام يجب على المكلَّف قضاؤه، فإذا سقط القضاء بالعجز عنه، وجب البدل، وهو الإطعام قياسًا على الشّيخ الهرم إذا عجز عن الصوم، فإنّه يلزمه الإطعام (1).
وأجيب عن ذلك: بأنّه قياس مع الفارق؛ فإن الشّيخ الهرم حيٌّ من أهل التكليف، وقد توجه إليه الإطعام ابتداء عوضًا عن الصوم، فذمته مشغولة به، بخلاف الميِّت، فلا يجوز ابتداء الوجوب عليه (2).
الحالة الأخرى:
إذا مات بعد تمكنه من قضاء ما وجب عليه من صيام، ولكنه فرط في القضاء حتّى مات (3).
في هذه الحالة، اختلفت أقوال العلماء، وتباينت تباينًا شديدًا؛ فمن قائل بوجوب الصوم عنه، ومن قائل بالاستحباب مطلقًا، ومن قائل بالمنع من الصِّيام عنه مطلقًا، ومن قائل باستحباب ذلك في النَّذْر دون غيره، وكل ذلك يأتي بيانه في الفرع الثّاني - إن شاء الله تعالى -.
الفرع الثّاني: حكم النِّيابة في الصوم عن الميِّت:
إذا مات السلم بعد تمكنه من قضاء ما وجب عليه من الصِّيام - سواء أكان هذا الصِّيام من رمضان، أم كان نذرًا، أم كفارة - فهل تجوز النِّيابة عنه في قضاء ما وجب عليه أم لا؟
(1) المغني لابن قدامة: 4/ 398، مجموع الفتاوى لابن تيمية: 25/ 269.
(2)
المغني لابن قدامة: 4/ 398.
(3)
المبسوط للسرخسي: 3/ 89 - 90، بدائع الصنائع: 2/ 103، الكافي لابن عبد البرّ: 1/ 338، الأم للشافعي: 2/ 104، المهذب للشيرازي: 1/ 187، المجموع للنووي: 6/ 368، المغني لابن قدامة: 4/ 398، المبدع لابن مفلح: 3/ 47، الإنصاف للمرداوي: 3/ 334، المحلى لابن حزم: 7/ 2 - 8، 59.
وإذا قلنا بجواز النِّيابة، فهل يكون ذلك على سبيل الاستحباب أم على سبيل الوجوب؟
اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال أهمها أربعة أقوال:
* القول الأوّل: تجوز النِّيابة عن الميِّت في قضاء ما وجب عليه من صوم واجب سواء أكان صومًا من رمضان، أم من نذر، أم من كفارة؛ وذلك على سبيل الاستحباب.
وإلى هذا ذهب طاووس، والحسن البصري (1)، والزهري (2)، وقتادة، وأبو ثور (3). في قول، والشّافعيّ في القديم من مذهبه، هو الصحيح المختار عند المحققين من الشّافعيّة (4)؛ قال النووي بعد أن ذكر أن في المذهب قولين: "
…
والثّاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به الميِّت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الّذي نعتقده، وهو الّذي صححه
(1) هو: الإمام شيخ الإسلام، الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، كانت أمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين، كان حافظًا من بحور العلم فقيه النفس كبير الشأن، ولكنه كان يرسل كثيرًا، ويدلُّّس، توفي سنة 110 هـ، وله ثمان وثمانون سنة. تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 71، تقريب التهذيب لابن حجر، ص/236.
(2)
هو أعلم الحفاظ، أبو بكر محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزّهريُّ الفقيه الحافظ متفق على جلالته، وإتقانه، وثبته، ولد سنة 50 هـ، روى عن ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك وغيرهم، مات سنة 125هـ على الصحيح: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 108، تقريب التهذيب لابن حجر: ص/896.
(3)
هو الإمام الحافظ الحجة المجتهد أبو ثور، وأبو عبد الله، إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي وشهرته أبو ثور، أحد أئمة الفقه والحديث، ولد في حدود 170 هـ، وثقه أحمد بن حنبل، والنسائي، وأبو حاتم، وغيرهم، توفي سنة 240 هـ. سير أعلام النُّبَلاء للذهبي: 12/ 72، تقريب التهذيب لابن حجر، ص/107.
(4)
المجموع للنووي: 6/ 369، شرح النووي على مسلم: 8/ 25، مغني المحتاج للشربيني: 1/ 439.
محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث
…
" (1).
وهذا القول هو رواية عند الحنابلة (2).
* القول الثّاني: يجب قضاء ما على الميِّت من صيام، سواء أكان صوم فرض من قضاء رمضان، أم نذر، أم كفارة واجبة، وسواء أوصى به الميِّت أم لا.
وإلى هذا ذهب الظاهرية (3).
قال ابن حزم: "ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر، أو كفارة واجبة، ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم، ولا إطعام في ذلك أصلًا، أوصى به أو لم يوص به، فإن لم يكن له ولي استؤجر عنه من رأس ماله من يصومه عنه، ولا بدّ، أوصى بكل ذلك، أو لم يوص، وهو مقدم على ديون النَّاس"(4).
* القول الثّالث: تصح النِّيابة عن الميِّت في قضاء ما وجب عليه من صوم النَّذْر فقط دون غيره من أنواع الصِّيام الواجب، وذلك على سبيل الاستحباب.
وإلى هذا ذهب أحمد في المنصوص عنه (5)، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (6).
(1) شرح النووي على مسلم: 8/ 25، وانظر المجموع له: 6/ 369.
(2)
الفروع لابن مفلح: 3/ 95، والإنصاف للمرداوي: 3/ 334.
(3)
المحلى لابن حزم: 7/ 2 - 8، 59.
(4)
المحلى لابن حزم: 7/ 2.
(5)
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، ص/ 186، المكتب الإسلامي - بيروت، ومسائل الإمام أحمد لأبي داود، ص/96.
(6)
المغني لابن قدامة: 4/ 399، الإنصاف للمرداوي: 3/ 336، معونة أولي النهى لابن النجار: 3/ 84 - 85.
وقال به من السلف: ابن عبّاس رضي الله عنهما، والليث بن سعد (1)، وأبو عبيد (2)، واسحاق، وأبو ثور في قول آخر عنه (3)، وهو اختيار شيخ الإسلام (4) ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم (5).
القول الرّابع: لا تصح النِّيابة عن الميِّت في الصوم مطلقًا، سواء أكان صومًا من رمضان، أم من نذر، أم من كفارة.
وإلى هذا ذهب الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشّافعيّة في الجديد (8)،
(1) هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية، أبو الحارث اللَّيث بن سعد بن عبد الرّحمن، ولد سنة 94 على الصحيح بقرية قرقشندة من أسفل أعمال مصر، سمع من عطاء، والزهري وأبي الزبير المكي وغيرهم، كان ثقة ثبتًا فقيهًا إمامًا مشهورًا، توفي سنة 175هـ.
سير أعلام النُّبَلاء للذهبي: 8/ 136، تهذيب التهذيب لابن حجر: 8/ 459.
(2)
هو: الإمام الحافظ المجتهد، أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله، ولد سنة 157هـ، له مصنفات عديدة سارت بها الركبان منها: كتاب الأموال وغريب الحديث وفضائل القرآن، والطهور والناسخ والمنسوخ، وغيرها كثير، توفي سنة 224 هـ على الصحيح وكانت وفاته بمكة المكرمة. سير أعلام النُّبَلاء للذهبي: 10/ 490، تقريب التهذيب لابن حجر، ص/791.
(3)
المغنى لابن قدامة: 4/ 399، شرح النووي على مسلم: 8/ 26.
(4)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 25/ 269، والاختيارات ص / 109.
(5)
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم: 3/ 281.
(6)
المبسوط للسرخسي: 3/ 89 - 90، بدائع الصنائع للكاساني: 2/ 103، شرح فتح القدير لابن الهمام: 2/ 85 وما بعدها، البحر الرائق لابن نجيم: 2/ 396، حاشية ابن عابدين: 2/ 117 - 118.
(7)
المدوّنة للإمام مالك: 1/ 211 - 212، التمهيد لابن عبد البرّ: 9/ 27، والاستذكار لابن عبد البرّ: 10/ 167 - 168، المنتقى للباجي: 2/ 63.
(8)
الأم للشافعي: 2/ 104، المهذب للشيرازي: 1/ 187، المجموع للنووي: 6/ 368، روضة الطالبين للنووي: 2/ 381، تحفة المحتاج: 3/ 435، مغني المحتاج للشربيني: 1/ 439، نهاية المحتاج للرملي: 3/ 189 - 190.