الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد ليدلُّه على الطريق، ونحو ذلك.
الضرب الآخر: إجارة الذِّمَّة:
وهذا النوع خاص بالآدمي جائز التصرف؛ لأنّها عقد على منفعة في الذِّمَّة مضبوطة بصفات السلم (1). ويسمى الأجير فيها بالأجير المشترك.
نحو الخيَّاط الّذي يتقبل لجماعة، وكذلك القصَّار (2)، ومن في معناه، فتكون منفعته مشتركة بينهم (3).
المسألة الرّابعة: أركان عقد الإجارة:
يختلف الفقهاء في عدد أركان عقد الإجارة؛ وذللث تبعًا لاختلافهم في مفهوم الركن، والخلاف في ذلك دائر بين الجمهور من جهة، وبين الأحناف من جهة. فالجمهور يرون: أن الركن هو ما "يتوقف عليه وجود الشيء، وإن لم يكن جزءًا من حقيقته".
وبناء على ذلك كانت أركان عقد الإجارة ثلاثة على الإجمال، وستة على التفصيل (4):
الركن الأوّل: الصيغة، وتشمل الإيجاب، والقبول.
(1) السلم في اللُّغة: الإعطاء والتسليف: لسان العرب: 12/ 295، مادة: سَلَم.
وفي الشّرع: هو (عقد على موصوف في الذِّمَّة مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد). الإقناع للحجاوي: 2/ 133.
(2)
مأخوذ من قصر الثّوب، قصاره، ومنه سمي القصَّار: وهو المحوَّر للثياب؛ لأنّه يدقها بالقصرة، والقصرة: هي القطعة من الخشب. لسان العرب لابن منظور: 5/ 104 مادة (قصر)، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي: ص/93.
(3)
تحفة الفقهاء للسمرقندي: 2/ 352، حاشية الدسوقي: 4/ 3، تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي: 6/ 124 - 125، الشرح الكبير على المقنع لشمس الدِّين ابن قدامة: 6/ 30.
(4)
حاشية الدسوقى: 4/ 2، شرح منتهى الإرادات للبهوتي: 2/ 351.
الركن الثّاني: العاقدان، وهما: المؤجر، والمستاجر.
الركن الثّالث: العِوضان، وهما: الأجرة، والمنفعة.
وعند الحنفية: أن الركن: هو "ما توقف عليه وجود الشيء، وكان داخلًا في الماهية".
وعليه، فإن ماهية العقد عندهم، وحقيقته: هي الصيغة فقط.
وهي ركن الإجارة الوحيد عندهم (1).
وأمّا بقية الأركان الّتي ذكرها الجمهور، فهي عندهم شرط لتحقق الماهية، ومن أطراف العقد، ومقوماته.
ورغم هذا الخلاف فإن الكل متفقون على أنّه لا قيام للعقد إِلَّا باجتماع ذلك كله، فآل الخلاف إلى خلاف لفظي، لا ثمرة له في الفروع - والله أعلم- (2).
ممّا سبق يتبين لنا أن من أركان عقد الإجارة: المنفعة، بل هي المقصودة أصلًا من الإجارة، وما عقدت الإجارة إِلَّا من أجلها. ونظرًا لأهميتها، وتعلّقها بمباحث الرسالة نذكر شروطها إجمالًا، ومن خلال تلك الشروط يتبين لنا شيء من سبب الخلاف فيما يتعلّق بأخذ المال على القرب المختلفة.
وهذه الشروط هي:
الشرط الأوّل: أن تكون المنفعة معلومة (3).
اشترط الفقهاء في المنفعة أن تكون معلومة علمًا يمنع المنازعة، ويرفع الخلاف؛
(1) تبين الحقائق للزيلعي: 5/ 105، بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 174.
(2)
الإجارة الواردة على عمل الإنسان للدكتور/ شرف بن علي الشريف: ص 62، الموسوعة الفقهية - الكويت 1/ 254.
(3)
بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 180، أسنى المطالب شرح منهج الطالب للأنصاري: 2/ 406، المغني لابن قدامة: 8/ 14، شرح منتهى الإرادات للبهوتي: 2/ 351.
لأنّها المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالثّمن في البيع.
الشرط الثّاني: أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة (1).
بمعنى: أن تباح مطلقًا، بخلاف ما يباح للضرورة، كاستئجار أواني الذهب، أو
استئجار الكلب، ونحوهما، فإن هذه الأشياء لا يجوز العقد عليها إِلَّا للضرورة.
الشرط الثّالث: أن تكون المنافع مقدورة على تسليمها (2).
وهذا محل اتفاق بين العلماء؛ فما لا يقدرعلى تسليمه لا يجوز العقد عليه.
الشرط الرّابع: ألَّا يترتب على استيفاء المنفعة استهلاك العين (3).
اشترط الجمهور في المنفعة عدم استهلاك العين، نحو استئجار الشمع للإضاءة،
والصابون للغسل به؛ لأنّ هذه الأشياء لا ينتفع بها إِلَّا بإتلاف عينها.
الشرط الخامس: أن تكون للمنافع قيمة مالية (4).
حتّى يتأتى بذل الأجرة في مقابلتها، فإن لم تكن لها قيمة مالية فلا يجوز العقد
عليها. ومثال ذلك: الأعمال المحرمة كتعليم الموسيقى، والغناء، والعمل في مصانع
الخمور، ونحو ذلك.
(1) كشاف الفناع: 3/ 559.
(2)
حاشية ابن عابدين: 4/ 505، حاشية الدسوقي: 4/ 218، مغني المحتاج للشربيني: 5/ 332،
المقنع لابن قدامة: 2/ 201.
(3)
حاشية الدسوقي: 4/ 218، مغني المحتاج للشربيني: 2/ 334، أسنى المطالب للأنصاري:
2/ 410، شرح منتهى الإرادات للبهوتي: 2/ 357، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية:
20/ 550، إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية؛ 1/ 454.
(4)
حاشية الدسوقي: 4/ 218، مغني المحتاج لدشربيني: 2/ 334، أسنى المطالب للأنصاري:
2/ 410، شرح متهى الإرادات للبهوتي: 2/ 357، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية:
20/ 550، إعلام الموقعين لابن القيم: 1/ 454.
الشرط السّادس: أن تكون منفعة العمل حاصلة للمستأجر (1).
اشترط الفقهاء لصحة عقد الإجارة أن تكون منفعة العمل حاصلة للمستأجر؛
لأنّها عوض الأجرة الّتي بذلها من أجل الحصول على المنفعة، فإن لم تكن حاصلة
له كانت الإجارة باطلة، فإن كانت المنفعة راجعة للمؤجر، أو لغيرهما كانت
الإجارة باطلة.
وتكون كذلك في حالتين:
الأولى: إذا كان العمل واجبًا على العامل.
الأخرى: إذاكان العمل ليس واجبًا عليه، ولكنه لا يجزئ عن غيره، فلا يجوز
لمسلم أن يصلّي الظهر بأجرة؛ لأنّ هذا العمل واجب عليه من الله تعالى فلا يستحق
الأجرة عليه، وكذلك لا يجوز لأحد أن يستاجر من يصلّي عنه الظهر مثلًا؛ لأنّها
عبادة بدنية لا تقبل النِّيابة، وكذلك جميع العبادات المتعينة.
ومن هنا كان لهذ الشرط أثر كبير في اختلف العلماء في حكم أخذ المال على
بعض القربات، وكان سبب الخلاف فيها وصول النفع إلى المستأجر أو عدم وصوله،
وهذا ما سوف يكون محل البحث في مسائل هذه الرسالة- إن شاء الله تعالى-.
وبعد أن ذكر الإمام النووي هذا الشرط قال: "وأكثر العناية في هذا الشرط
بالقُرب" (2).
(1) تببين الحقالْق للزيلعي: 5/ 124، حاشية الدسوقي: 4/ 18، الشرح الصغير للدردير: 4/ 10،
الذّخيرة للقرافي: 5/ 414، الفروق للقرافي: 4/ 4، روضة الطالبين للنووي: 5/ 187، أسنى
المطالب لزكريا الأنصاري: 2/ 410، مغني المحتاج للشربيني: 2/ 344، الشرح الكبير لشمس
الدِّين ابن قدامة: 6/ 139، كشاف القناع للبهوتي: 4/ 15.
(2)
روضة الطالبين للنووي: 1/ 187. المكتب الإسلامي.