الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زاد بعض الحنفية على التعريف المتقدم قيدًا، وهو: "
…
فقط، أو مع الإحسان إلى النَّاس كبناء الرِّباط والمسجد" (1). وذلك ليشمل نوعي القربة من حيث التعدي، وعدمه، فيشمل القرب غير المتعدية، وهي القرب المتعينة من صلاة، ونحوها، والقرب المتعدية كالأذان، والإمامة، والقضاء، والإفتاء، والتعليم.
والذي أراه: أن هذا القيد لا حاجة إليه في التعريف؛ لأنّ كلمة (ما) تشمل كلّ
أنواع القرب المتعدية الّتي فيها إحسان للناس، وغير المتعدية كما مثلنا من قبل.
وزاد بعض المالكية (2)، والشّافعيّة (3) على التعريف المتقدم ما يأتي: "
…
من نسيكة، وصدقة، وعمل صالح". وهذا بيان منهم لما يتقرب به إلى الله تعالى، وأرى كذلك أنّه لا حاجة إليه في التعريف؛ لأنّ كلمة (ما) تفيد العموم، والشمول؛ فتشمل ما ذكروه، وغيره ممّا يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال، سواء أكانت من العبادات، أو غيرها من الأعمال الصالحة.
وعليه، فلا حاجة لتقييد القربة بما ذكروه، ثمّ إنَّ قولهم:"وعمل صالح"، يشمل جميع القرب. وبناء على ذلك فإن هذه الزيادة تكرار في التعريف، وزيادة لا داعي لها.
وبالتالي يسلم التعريف الّذي اتفقوا على قيوده، ويعتبر حدًا لمفهوم القربة عند أصحاب هذا الاتجاه.
ثانيًا: القربة عند أصحاب الاتجاه الآخر:
وقد عرّف هؤلاء القربة بعدة تعريفات:
(1) حاشية ابن عابدين: 2/ 237.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 4/ 296.
(3)
معالم التنزيل للبغوي: 2/ 144.
التعريف الأوّل: أن القربة "هي فعل ما يثاب عليه، بعد معرفة من يتقرب إليه به، وإنَّ لم يتوقف على نيّة"(1).
وهذا التعريف جارٍ على مذهب المتكلمين؛ وبيان ذلك: أن قوله: "بعد معرفة من يتقرب إليه به"، يدلُّ على أن من شرط القربة العلم بالمتقرَّب إليه، وأنّه لا يمكن أن توجد قربة إِلَّا بعد العلم بالمعبود سبحانه وتعالى، والعلّم بالله تعالى لا يكون إِلَّا بعد النظر، والاستدلال، أو القصد إلى النظر، كما يزعم أرباب الكلام، فإنهم يقولون: إنَّ أول واجب على المكلَّف هو النظر، أو القصد إلى النظر
…
ولكن أهل السُّنَّة، وأئمة السلف متفقون على أن أول واجب على المكلَّف هو الشهادتان، والتوحيد أول ما يُدخَلُ به في الإسلام، وآخر ما يخرج به في الدنيا (2).
والدّليل على ذلك هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
(أمرت أن أقاتل النَّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إِلَّا لله، وأن محمدًا رسول الله
…
). وفي رواية: (حتّى يقولوا لا إله إلا الله
…
) (3).
وهذا القيد ذكروه في التعريف؛ ليبينوا أن هناك من الأفعال ما يكون طاعة، ولكن لا يكون قربة، مثل قضية النظر المؤدي إلى معرفة الله الّتي ذكروها، فإنها عندهم طاعة، وليست بقربة؛ لعدم تحقق شرط القربة، وهو العلم بالمتقرب إليه.
(1) حاشية ابن عابدين: 1/ 132، 2/ 72.
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز: 1/ 23: تحقيق د/ التركي، وانظر: المنثور في القواعد للزركشي: 3/ 61 - 62، حاشية ابن عابدين: 1/ 72. وانظر: درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية: 7/ 405، 464، 9/ 3 - 66. والفصل في الملل والنحل لابن حزم: 4/ 35 - 44. ففي هذين الكتابين ردّ وافر على أرباب هذه المقولة.
(3)
أخرجه البخاريّ في كتاب الإيمان، باب "فإن تابوا وأقاموا الصّلاة
…
" 1/ 94 (25). ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال النَّاس حتّى يقولوا لا إله إِلَّا الله: 1/ 51 - 53 (32 - 36) من حديث أبي هريرة.