الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن ذلك:
قول الماوردي (1): "وأمّا تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتّى يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة"(2).
وقال النووي: "يفرق الإمام الأرزاق في كلّ عام مرّة، ويجعل له وقتًا معلومًا لايختلف، وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهره ونحوها فعل"(3). وأصرح من ذلك ما ذكره صاحب تحرير المقال، حيث عرّف الرزق في اللُّغة بالعطاء، ثمّ عرّفه في الشّرع، فقال:"فعلم من هذا أن اسم الرزق في عرف الفقهاء لكل ما يجوز إخراجه من بيت المال، والمرتزق: كلّ من يرتبط به مصلحة"(4).
فظهر من ذلك أن العلماء في استعمالاتهم لا يفرقون بين الرزق والعطاء، بل يطلقون الرزق على كلّ ما يخرج من بيت المال للمستحقين، سواء كانوا من الجند، أم من القضاة، والمفتين، أم من غيرهم.
رابعًا: إطلاق لفظ الرزق، هل هو خاص بما يؤخذ من بيت المال
؟:
من المعلوم أن ما يُعطى على القرب الّتي تكون من مصالح المسلمين كالقضاء، والإفتاء، والإمامة، والأذان، ونحو ذلك، قد يكون من بيت المال، وقد يكون من
(1) هو: علي بن محمّد بن حبيب أبو الحسن الماوردي، قاضي القضاة الفقيه الشّافعيّ الأصولي المفسر الأديب، ولد بالبصرة سنة 364 هـ، برز في العلم حتّى أصبح من كبار أئمة الشّافعيّة، من مؤلفاته: الحاوي الكبير في الفقه، والأحكام السلطانية، وأدب الدنيا والدين، وغيرها كثير، توفي سنة 450 هـ ببغداد: طبقات الشّافعيّة الكبرى:5/ 267، طبقات الفقهاء للشيرازي، ص/ 132.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص 205، وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى 226.
(3)
روضة الطالبين 6/ 363، وانظر: مطالب أولي النهى 3/ 641، وكشف القناع 1/ 234.
(4)
تحرير المقال فيما يحل ويحرم من بيت المال لتقي الدينا البَلَاطُنُسي (ت: 936 هـ) ص 147 - 148. دار الوفاء - المنصورة 1409هـ.
غيره من الجمعيات الخيرية، أو الأفراد، ونحو ذلك، فهل يطلق على ما يؤخذ من غير بيت المال على هذه الأعمال رزقًا، أم أن إطلاق لفظ الرزق خاص بما يؤخذ من بيت المال؟
الّذي يظهر من كلام العلماء، أن لفظ الرزق ليس خاصًا بما يؤخذ من بيت المال، فقد يكون من فرد، أو جهة بر، ونحو ذلك، إِلَّا أن الغالب أن الرزق يكون من بيت المال، وعلى هذا يحمل كلام من خصه ببيت المال من العلماء، وتقدمت تعريفاتهم للرزق، وأن - غالبها يدور حول ما يكون من بيت المال.
إِلَّا أنّه توجد نصوص كثيرة عن العلماء تفيد عدم خصوصية ذلك ببيت المال، ومن ذلك:
1 -
ما قاله ابن قدامة في المغني: "فإن لم يكن للقاضي رزق، فقال: لا أقضي بينكما حتّى تجعلا لي رزقًا عليه جاز، ويحتمل أن لا يجوز"(1).
والشّاهد من الكلام واضح، وهو أن الرزق قد يكون من الخصمين.
2 -
ما قاله صاحب نهاية المحتاج (2): "ويجوز للواحد من الرعية أن يرزقه من ماله"(3).
3 -
ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضًا وأجرة، بل رزق للإعانة على الطّاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه
(1) المغني لابن قدامة: 14/ 10.
(2)
هو: محمّد بن أحمد بن حمزة شمس الدِّين الرملي المنوفي المصري الشّافعيّ الشهير بالشّافعيّ الصغير، ولد بالقاهرة سنة 919هـ، وبرز في العلم حتّى أصبح فقيه الديار المصرية، له مؤلفات كثيرة منها: نهاية المحتاج في شرح المنهاج، وشرح التحرير لزكري"لأنصاري وشرح العقود في النحو، توفي سنة: 1004هـ بالقاهرة: خلا صة الأثر: 3/ 342، الأعلام للزركلي: 6/ 7.
(3)
نهاية المحتاج: 1/ 418.
فهو رزق للمعونة على الطّاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البرّ، والموصى به كذلك، والمنذور كذلك ليس كالأجرة" (1).
حيث جعل شيخ الإسلام ما يؤخذ من الأموال الموقوفة على أعمال البرّ، والموصى بها، والمنذورة، ونحوها رزقًا، وليس أجرة.
فدل ذلك على أن إطلاق لفظ الرزق ليس خاصًا بما يؤخذ من بيت المال.
وقد نقل الخلاف في ما يؤخذ من الوقف، واختار أنّه رزق؛ قال:"وما يأخذه الفقهاء من الوقف: هل هو إجارة، أو جعالة، أو كرزق من بيت المال؛ فيه أقوال ثالثها: المختار"(2).
أي: أن المختار فيما يؤخذ من ريع الوقف أنّه رزق، وليس بأجرة، ولا جعالة.
وعليه، فما يؤخذ على أعمال البرّ، ومصالح المسلمين سواء كان من بيت المال، أو من غيره فهو رزق، وعلى هذا جرى اصطلاح الفقهاء.
قال النووي: "وللإمام أن يرزق من مال نفسه، ويجوز للواحد من الرعية، وحينئذ لا حجر، فيرزق كم شاء، ومتى شاء"(3).
وقال في موضع آخر:
"ولو رزق الإمام القاضي من مال نفسه، أو رزقه أهل ولايته أو واحد منهم .. لا يجوز له قبوله"(4).
(1) الاختيارات الفقهية لابن تيمية جمع البعلي: ص 153.
(2)
الاختيارات الفقهية: ص 177، 182.
(3)
روضة الطالبين: 1/ 205. طبع المكتب الإسلامي - بيروت، وانظر: 11/ 137، 138.
(4)
روضة الطالبين: 11/ 137، وانظر في أخذ الرزق من غير بيت المال: إيضاح الأحكام لما ياخذه العمال والحكام لابن حجر الهيتمي الشّافعيّ: 1/ 413 تحقيق د. حسين بن محمّد آل الشّيخ رسالة دكتوراه من المعهد العالي للقضاء.