الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ (1). لفظ البخاري في أول هذا الحديث قد تقدم في مناقب أبي هريرة. وَقَوْلهَا: إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ ذكره في موضع (2) آخر.
5191 -
(2) مسلم. عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ (3) زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:(لا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ -قَال هَمَّامٌ: أَحْسَبُهُ قَال-: مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)(4). ولا أخرج البخاري أَيضًا هذا الحديث.
5192 -
(3) وخرّج عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)(5).
بَابٌ
5193 -
(1) مسلم. عَنْ صُهَيبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَال لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ (6) فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ (6) إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ
(1) مسلم (4/ 2298 رقم 2493)، البخاري (6/ 567 رقم 3567)، وانظر (3568).
(2)
في (أ): "مواضع".
(3)
في (أ): "بن".
(4)
مسلم (4/ 2298 - 2299 رقم 3004).
(5)
البخاري (6/ 496 رقم 3461).
(6)
في (أ): "وكان".
بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَال: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَقَال: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ (1)؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَال: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَال لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ (2) أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ (3) ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ (4) الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ (5) وَالأَبْرَصَ ويدَاوي النَّاسَ سَائِرَ الأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَال (6) مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيتَنِي، فَقَال (7): إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ آمَنْتَ باللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ؟ قَال: رَبِّي. قَال: ولكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَال: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ، فَجِيءَ بِالْغُلامِ فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: أَي بُنَيَّ قَدْ (8) بَلَغَ مِنْ سِحْرِكِ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَال: إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى،
(1) قوله: "أفضل" ليس في (أ).
(2)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "يا بني اليوم"، وفي (ك):"أنت يا بني اليوم".
(3)
في (أ): "وإن".
(4)
في (أ): "فكان".
(5)
"الأكمه": الذي خلق أعمى.
(6)
في (أ): "وقال".
(7)
في (أ): "قال".
(8)
قوله: "قد" ليس في (أ).
فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ (1) فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ (1) فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِيِنكَ فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ (1) فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ (2): ارْجِعْ عَنْ دِيِنكَ فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابهِ فَقَال: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ (3) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ (4) بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَال: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَال: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورَةٍ (5) فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِيِنهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ (6) بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَال: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَقَال لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَال: وَمَا هُوَ؟ قَال: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ (7) وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ (8)، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلامِ، ثُمَّ ارْمِنِي (9)، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَال: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ
(1) في (أ): "المنشار".
(2)
في (أ): "فقال له".
(3)
ذروة الجبل: أعلاه.
(4)
"فرجف" أي: اضطرب وتحرك حركة شديدة.
(5)
"قرقورة": السفينة الصغيرة، وقيل: الكبيرة.
(6)
"فانكفأت" أي: انقلبت.
(7)
"صعيد" هنا: الأرض البارزة.
(8)
"كبد القوس": مقبضها عند الرمي.
(9)
في (ك): "ارميني".
[فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ (1)](2) فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَال النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ وَاللهِ نَزَلَ حَذَرُكَ (3)، قَدْ آمَنَ النَّاسُ. فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ (4) بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ (5) فَخُدَّت وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ (6)، وَقَال: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا (7)، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا، حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ (8) أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَال لَهَا الْغُلامُ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ) (9). لَمْ يُخْرِج الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيث.
5194 -
(2) وخرَّج في باب "ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة"، عَنْ خبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً (10) وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ: أَلا تَدْعُو اللهَ؟ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَال: (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشمَطُ بِمِشَاطِ (11) الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَينِ (12) مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إلا اللهَ والذِّئْبَ
(1)"الصدغ": هو ما بين العين إلى شحمة الأذن.
(2)
ما بين المعكوفين ليس في (أ).
(3)
"نزل بك حذرك" أي: ما كنت تحذر وتخاف.
(4)
"الأخدود": هو الشق العظيم في الأرض.
(5)
"بأفواه السكك" أي: بأبواب الطرق.
(6)
في (ك): "فيها النيران".
(7)
"فاحموه فيها" معناه: ارموه فيها.
(8)
"فتقاعست" أي: توقفت ولزمت موضعها وكرهت الدخول في النار.
(9)
مسلم (4/ 2299 - 2301 رقم 3005).
(10)
في حاشية (أ): "برده".
(11)
"بمشاط": جمع مشط.
(12)
في (ك): "باثنتين".
عَلَى غَنَمِهِ) (1). وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ، أَلا تَدْعُو (2) لَنَا؟ وقَال فِيهِ:(وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا (3) يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ). خرَّج هذا في كتاب "الإكراه". وَفِي طَرِيقٍ أخْرَى: "أَو الذِئْب" بزيادة ألف.
5195 -
(3) مسلم. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتَ قَال: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ (4) أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ (5)، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ (6)، فَقَال لَهُ أَبِي: يَا (7) عَمِّ إِنِّي أرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ (8)، قَال: أَجَلْ كَانَ لِي عَلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ الْحَرَامِيِّ (9) مَالٌ، فَأَتَيتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ، أَثَمَّ هُوَ قَالُوا: لا، فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ (10) فَقُلْتُ: أَينَ أَبُوكَ؟ فَقَال: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ (11) أُمِّي. فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ فَقَدْ عَلِمْتُ أَينَ أنْتَ، فَخَرَجَ فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَال: أَنَا وَاللهِ
(1) البخاري (7/ 164 - 165 رقم 3852)، وانظر (6943، 3612).
(2)
في (أ): "يدعوا".
(3)
في (ك): "ما".
(4)
يا (أ): "وكان".
(5)
"ضمامة من صحف" أي: رزمة يضم بعضها إلى بعض.
(6)
"بردة ومعافري" البردة: شملة مخططة، وقبل: كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب. والمعافري: نوع من الثياب يعمل في قرية تسمى معافر.
(7)
قوله: "يا" ليس في (أ).
(8)
"سعفة من غضب " أي: علامة وتغير.
(9)
في (أ): "الحزامي". و"الحرامي": نسبة إلى بني حرام.
(10)
الجفر: هو الذي قارب البلوغ.
(11)
"أريكة": هي السرير الذي عليه قبة تستر بالثياب ويكون لها أزرار كبار، وقيل: كل ما اتكأت عليه فهو أريكة.
أُحَدِّثكَ ثُمَّ لا أَكْذِبُكَ خَشِيتُ وَاللهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكُنْتُ وَاللهِ مُعْسِرًا. قَال: قُلْتُ: آللهِ؟ قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قُلْتُ: آلله؟ قَال: الله. قَال: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، فَقَال: إِنْ (1) وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي وَإِلا أَنْتَ فِي حِلٍّ، فَأَشْهَدُ (2) بَصَرُ عَينَيَّ (3) هَاتَينِ وَوَضَعَ إِصْبَعَيهِ عَلَى عَينَيهِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ (4) هَاتَينِ (5)، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ (6) رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:(مَنْ أَنْظرً مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ). قَال: فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا (7) يَا عَمِّ! لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلامِكَ وَأَعْطَيتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، أَوْ أَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ (8) وَأَعْطَيتَهُ بُرْدَتَكَ فَكَانَتْ عَلَيكَ حُلَّةٌ (9) وَعَلَيهِ حُلة، فَمَسَحَ رَأسِي وَقَال: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ (10)، يَا ابْنَ أَخِي بَصَرُ عَينَيَّ هَاتَينِ وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَينِ (11) وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا (12)، وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:(أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ). وَكَانَ (13) أَنْ أَعْطَيتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَن عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتَي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ مَضَينَا حَتَّى أَتَينَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مَسْجِدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ،
(1) في (ك): "قال: فإن".
(2)
في (أ): "فاشهده".
(3)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "عيناي".
(4)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "أذناي".
(5)
في (أ): "هاتان".
(6)
"مناط قلبه": هو العرق الذي معلق به القلب.
(7)
قوله: "أنا" ليس في (أ).
(8)
في (ك): "مغافريه".
(9)
الحلة: هي ثوبان: إزار ورداء من جنس وغير لفقين، فإن اختلفا فليست بحلة.
(10)
قوله: "فيه" ليس في (أ)
(11)
حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "عيناي هاتان" أو "أذناي هاتان".
(12)
قوله: "هذا" ليس في (أ).
(13)
في (ك): "فكان".
فَتَخَطَّيتُ الْقَوْمَ حَتَّى جَلَسْتُ بَينَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ أَتُصَلِّي (1) فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ قَال (2): فَقَال بِيَدِهِ فِي صَدْرِي هَكَذَا وَفَرَّقَ (3) بَينَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا، أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الأَحْمَقُ (4) مِثْلُكَ فَيَرَانِي كَيفَ أَصْنَعُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِنَا هَذَا وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ (5) ابْنِ طَابٍ فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالْعُرْجُونِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا فَقَال:(أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ ). قَال: فَخَشَعْنَا (6)، ثُمَّ قَال:(أَيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ . [قَال (2): فَخشَعْنَا، ثُمَّ قَال:(أَيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ )] (7). قُلْنَا: لا أَيُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فَإِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلا يَبصُقَنَّ (8) قِبَلَ وَجْهِهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ (9) فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هَكَذَا). ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَه عَلَى بَعْضٍ فَقَال:(أَرُونِي عَبِيرًا)(10)(11). فَقَامَ فَتَّى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ (12) إِلَى أهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِي رَاحَتِهِ (13)، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ الْعُرْجُونِ ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ، قَال جَابِرٌ:
(1) في (ك): "يرحمك تصلي".
(2)
قوله: "قال" ليس في (أ).
(3)
كذا في "مسلم"، وفي (أ) و (ك):"قرن".
(4)
الأحمق هنا: الجاهل، وحقيقة الأحمق: من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه.
(5)
العرحون: الغصن. وابن طاب: نوع من تمر المدينة.
(6)
"فخشعنا": هو الخضوع والتذلل والسكون، وأيضًا غض البصر والخوف.
(7)
ما بين المعكوفين تكرر في (ك).
(8)
كتب فوق "يبصقن" في (أ): "يبصق".
(9)
"فإن عجلت به بادرة" أي: غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه.
(10)
في (ك) وفي حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "عنبرا".
(11)
العبير: هو الزعفران، وقيل: هو أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران.
(12)
في (أ): "يشد"، و"يشتد" أي: يسعى ويعدو عدوًا شديدًا.
(13)
في (أ): "راحتيه".
فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الْخَلُوقَ فِي مَسَاجِدِكُمْ، سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ (1) وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرو الْجُهَنِيَّ، وَكَانَ النَّاضِحُ (2) مِنَّا يَعْتَقِبُهُ (3) الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ، فَدَارَتْ (4) عُقْبَةُ (5) رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ (6) عَلَيهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَال لَهُ: سِرْ لَعَنَكَ الله، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ هَذَا اللاعِنُ بَعِيرَه؟ ). قَال: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: (انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونِ، لا تَدْعُوا (7) عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ (8) فِيهَا عَطَاءٌ (9) فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ). سِرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَتْ عُشَيشِيَةٌ (10) وَدَنَوْنَا مِنْ مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ، قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ رَجُلٌ يَتَقَدَّمُنَا فَيَمْدُرُ (11) الْحَوْضَ. فَيشْرَبُ وَيَسْقِينَا؟ ). قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّ رَجُل مَعَ جَابِرٍ؟ ). فَقَامَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْبِئْرِ فَنَزَعْنَا (12) في الْحَوْضِ سَجْلًا أَوْ سَجْلَينِ، ثُمُ مَدَرْنَاهُ، فَنَزَعْنَا فِيهِ حَتَّى أفهقناه (13)، فَكَانَ أَوَّلَ طَالِعِ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:(أَتَأْذَنَانِ). فَقُلنا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَشْرَعَ (14) نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ
(1)"بطن بواط": هو جبل من جبال جهينة.
(2)
"الناضح": هو البعير يستقى عليه.
(3)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "يعقبه".
(4)
في (ك): "قدار".
(5)
العقبة: هي ركوب هذا نوبة وهذا نوبة، وقيل: ركوب مقدار فرسخين.
(6)
"فتلدن" أي: تلكأ وتوقف.
(7)
في (أ): "يدعو".
(8)
في (أ): "تسأل".
(9)
كذا في "مسلم"، وفي (أ) و (ك):"عطاءًا".
(10)
"عشيشية": تصغير عشيّة وهي ما بعد زوال الشمس إلى المغرب.
(11)
"فيمدر" أي: يطينه ويصلحه.
(12)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "ثم نزعنا".
(13)
"أفهقناه" معناه: ملأناه.
(14)
"فأشرع" أي: أرسل رأسها في الماء لتشرب.
وَشَنَقَ (1) لَهَا (2) فَشَجَتْ (3) فَبَالتْ، ثُمَّ عَدَلَ بهَا فَأَنَاخَهَا، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحَوْضِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ قُمْتُ فَتَوَضَّأَتُ مِنْ مُتَوَضَّإِ (4) رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ فَذَهَبْتُ أَنْ (5) أُخَالِفَ بَينَ طَرَفَيهَا فَلَمْ تَبْلُغْ لِي وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبُ (6)، فَنَكَّسْتُهَا ثُمَّ خَالفْتُ بَينَ طَرَفَيهَا، ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيهَا (7)، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَني حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ (8) بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدَينَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمُقُنِي (9) وَأَنَا لا أَشْعُرُ، ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ فَقَال هَكَذَا بِيَدِهِ (10)، يَعْنِي شُدَّ وَسَطَكَ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:(يَا جَابِرُ). قُلْتُ: لبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَال:(إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَينَ طَرَفَيهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوَيكَ (11)). سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةً، فَكَانَ يَمَصُّهَا ثُمَّ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ، وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا فَأُقْسِمُ لأُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا، فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ (12) فَشَهِدْنَا
(1)"وشنق لها" أي: كلها بزمامها وهو راكبها.
(2)
قوله: "لها" ليس في (أ).
(3)
"فشجت" يقال: شج البعير، إذا فرق بين رجليه للبول. في حاشية (أ):"ففجت" وعليها "معًا".
(4)
في (أ): "فتوضأت فتوضأ".
(5)
في (أ): "إلى أن".
(6)
"ذباذب" أي: أهداب وأطراف.
(7)
"تواقصت عليها" أي: أمسكت عليها بعنقي وحنيته عليها لئلا تسقط.
(8)
في (أ): "جابر".
(9)
"يرمقني" أي: ينظر إليّ نظرًا متتابعًا.
(10)
في (أ): "بيديه".
(11)
الحقو: معقد الإزر.
(12)
"ننعشه" نرفعه ونقيمه من شدة الضعف والجهد.
لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا (1) فَأُعْطِيَهَا (2) فَقَامَ فَأَخَذَهَا، سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ (3)، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ (4) مَاءٍ، فَنَظرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرَ شَيئًا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ (5) الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَال:(انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ). فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ (6) الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى فَأَخَذَ بغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَال:(انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ). فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ (7) فِيمَا بَينَهُمَا فَلامَ بَينَهُمَا حَتَّى (8) جَمَعَ بَينَهُمَا، فَقَال:(الْتَئِمَا (9) عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ). فَالْتَأَمَتَا. قَال جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ (10) مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ (11) - رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ. فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي (12) لَفْتَةٌ (13)، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ رَقْفَةً فَقَال بِرَأْسِهِ هَكَذَا -وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَعِيلَ بِرَأسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا- ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَال (14):(يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيتَ مَقَامِي؟ ). قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: (فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَينِ فَاقْطَعْ
(1) يا (أ): "يعطيها".
(2)
في (ك): "فأعطها".
(3)
"أفيح": واسعًا.
(4)
قوله: "من" ليس في (ك).
(5)
"بشاطئ" بجانب.
(6)
"المخشوش": هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير ويشد فيه حبل ليذل وينقاد.
(7)
المنصف: هو نصف المسافة.
(8)
كتب فوق "حتى" في (أ): "يعني".
(9)
"التئما" أي: اجتمعا.
(10)
"أُحضر" أي: أعدو وأسعى سعيًا شديدًا.
(11)
في (أ): "يحس بي".
(12)
في (أ): "متى"، وفي (ك):"منه".
(13)
"اللفتة": النظرة إلى جانب.
(14)
في (أ): "فقال".
مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ). قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ (1) فَانْذَلَقَ (2) لِي، فَأَتَيتُ الشَّجَرَتَينِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَال (3):(إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَينِ يُعَذبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ (4) ذَلِكَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَينِ). قَال: فَأَتَينَا الْعَسْكَرَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا جَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ)(5). فَقُلْتُ: أَلا وَضُوءَ، أَلا وَضُوءَ، أَلا وَضُوءَ؟ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا وَجَدْتُ في الرَّكْبِ مِنْ قَطرَةٍ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ فِي أَشْجَابٍ (6) لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ (7) مِنْ جَرِيدٍ، قَال فَقَال لِيَ:(انْطَلِقْ إِلَى فُلانِ [بْنِ فُلان] (8) الأَنْصَارِيِّ فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيءٍ). قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَيهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ (9) شَجْبٍ مِنْهَا (10)، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ (11) لَشَرِتهُ يَابِسُهُ، قَال:(اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ). فَأَتَيتُهُ بِهِ فَأخذَهُ بِيَدِهِ
(1) في (أ): "حشرته". و"حسرته" أي: أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به.
(2)
"فانذلق" أي: صار حادًّا.
(3)
في (أ): "فقال".
(4)
"يرفه" أي: يخفف.
(5)
في (أ): "الوضوء".
(6)
"أشجاب": هو السقاء الذي قد خلق وبلى وصار شنًا.
(7)
" (ك): "حمار". و"الحمارة من جريد" أي: أعواد تعلق عليها أسقية الماء.
(8)
زيادة من مسلم.
(9)
العزلاء: فم القربة.
(10)
قوله: "منها" ليس في (ك).
(11)
في (أ): "أفرغته".
فَجَعَلَ يَتَكَلمُ بِشَيءٍ لا أَدْرِي مَا هُوَ ويغمزه بِيَدَيهِ (1)، ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَال:(يَا جَابِرُ نَادِ بِجَفْنَةٍ). فَقُلْتُ: يَا جَفنةَ الرَّكب فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ، فَوَضَعْتُهَا بَينَ يَدَيهِ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فِي الْجفنة هَكَذَا فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ، وَقَال (2):(خذ يا جَابِرُ فَصب عَلَيَّ وَقُلْ: بِاسْمِ الله [فَصَبَبْتُ عَلَيهِ وَقُلْتُ: بِاسْمِ الله] (3) فَرَأَيت الْمَاءَ كَالْعُيونِ يَفورُ بَينَ أصَابِع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ فَارَتِ (4) الجفنة، وَدَارَت (5) حَتى امْتَلأَتْ، فَقَال:(يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ (6) لَهُ حَاجَة بِمَاءٍ) قَال: فَأَتَى الناسُ فَالسْتَقَوْا حَتى رَوُوا، قَال: فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَه حاجة؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ وَهِيَ مَلأَى. وَشَكَا الناسُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ، فَقَال:(عَسَى الله أنْ يُطْعِمَكُمْ). فَأتَينَا سيفَ الْبَحْر (7) فَزَخَرَ الْبَحْرُ (8) زَخْرَةً فَأَلْقَى دَابَّةً فَأوْرَينَا (9) عَلَى شِقها النارَ، فَاطبَخْنَا واشتوينا وَأَكَلْنَا وَ (10) شَبعْنَا، قَال جَابِر: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلانٌ وَفُلانٌ حَتى عَدَّ خَمسة في حِجَاج عَينهَا (11) مَا يرَانَا أَحَدٌ حَتى خَرَجْنَا، فَأخَذنا ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعها (12) فَقَوَّسْنَاهُ، ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ
(1) في (أ): "بيده"، وفي الحاشية:"بيديه".
(2)
في (ك): "فقال".
(3)
ما بين المعكوفين ليس في (أ).
(4)
في (أ): "قارب".
(5)
في (أ): "قارن"، وفي الحاشية:"دارت".
(6)
في (أ): "كانت".
(7)
"سيف البحر": هو ساحله.
(8)
"فزخر البحر" أي: علا موجه.
(9)
"فأورينا": أوقدنا.
(10)
في حاشية (أ): "حتى".
(11)
"حجاج عينها": هو عظمها المستدير بها.
(12)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "أضلاعه".
رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ (1) وَأَعْظَمِ كِفْلٍ (2) فِي الرَّكْبِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأطِئُ رَأسَهُ (3). أخرج البخاري مواضع من هذا الحديث في مواضع متفرقة منها قوله عليه السلام "أَطْعِمُوهُم مِمَّا تَأكُلُون وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبِسُون". خرَّجه من حديث أَبي ذَرٍّ (4). وأخرج صلاة جابر في الثوب الواحد من حديث محمد بن المنكدر عن جابر (5). وخرَّج قوله السلام عليه" إنَّ أَحدكُم إذا قَامَ يُصَلِي" إلى قوله "عَلَى بَعْضٍ" من حديث أبي هريرة (6)، وأنس (7)، وغيرهما (8). وخرج أَيضًا قوله السلام عليه في الثوب إذا كان واسعًا "إِلَى حِقْوَيهِ" من حديث جابر أَيضا (9). وخرج قصة الغصنين على القبرين من حديث ابن عباس في قصة أخرى (10). ونبع الماء من بين أصابع رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أَيضا (11)، ومن حديث غيرِه (12). وذكر قصة الدابة التي ألقاها البحر
(1) قوله: "في الركب" ليس في (أ).
(2)
الكفل هنا: الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط، فيحفظ الكفل الراكب.
(3)
مسلم (4/ 2301 - 2309، رقم 3006).
(4)
البخاري (1/ 84 رقم 30)، وانظر (2545، 6050).
(5)
البخاري (1/ 467 رقم 352)، وانظر (353، 361، 370).
(6)
البخاري (1/ 509 رقم 408)، وانظر (410، 416).
(7)
البخاري (1/ 353 رقم 241)، وانظر (405، 412، 413، 417، 531، 532، 822، 1214).
(8)
كأبي سعيد، وابن عمر رضي الله عنهما، وأحاديثهم في كتاب الصلاة، أبواب البزاق في المسجد.
(9)
البخاري (1/ 472 رقم 361).
(10)
البخاري (1/ 317 رقم 216)، وانظر (218، 1361، 1378، 6052، 6055).
(11)
البخاري (6/ 581 رقم 3576)، وانظر (4152، 4153، 4154، 4840، 5639).
(12)
انظر كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (6/ 580) وما بعدها.
في قصة الركب الذين (1) كان أميرهم أبو عبيدة بن الجراح (2)(3). ولم تكن (4) قصة الركب (5) بحضرة (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت في "الأطعمة"(7) بالاختلاف الذي فيها. ولم يخرج البخاري (8) عن أبي اليسر في كتابه شيئًا.
5196 -
(4) مسلم. عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَال: جَاءَ أَبو بَكْرٍ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْترَى مِنْهُ رَحْلا، فَقَال لِعَازِبٍ: ابْعَثْ مَعِيَ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي إِلَى مَنْزِلِي، فَقَال لِي أَبِي احمله، ، فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أَبِي مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ (9)، فَقَال لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كيف صَنَعْتُمَا لَيلَةَ سَرَيتَ (10) مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ قَال: نَعَمْ أَسْرَينَا لَيلَتَنَا كلها حَتى فَامَ قَائِمُ الظهِيرَةِ (11) وَخَلا الطرِيقُ فَلا يَمُر فِيهِ أَحَدٌ، حَتى رُفِعَتْ لنا (12) صَخْرَة (13) طَويلَة لَهَا ظِلّ لَمْ تَأتِ عَلَيهِ الشَّمْسُ بَعْدُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا، فَأتيت الصَّخْرَةَ فَسَوَّيتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ النبِي صلى الله عليه وسلم ظِلِّهَا، ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيه ثُمَّ قُلْتُ: ثمْ يَا رَسُولَ الله وَأَنَا أَنْفُضُ (14) لَكَ مَا حَوْلَكَ (15)، فَنَامَ وَخَرجت أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ (16) مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصخْرَةِ يُرِيدُ منها الذي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا
(1) في (أ): "الذي".
(2)
البخاري (5/ 128 رقم 2483) من حديث جابر، وانظر (2983، 4360، 4361، 4362، 5493، 5494).
(3)
قوله: "ابن الجراح" ليس في (ك).
(4)
في (ك): "يكن".
(5)
قوله: "قصة الركب" ليس في (ك).
(6)
في (أ): "لحضرة".
(7)
كتب في حاشية (ك) أمام هذا الموضع: "هذا غلط وإنما تقدم في الصيد والذبائح" وهو كما قال، وانظر حديث رقم (3354) من هذا الكتاب.
(8)
قوله: "البخاري" ليس في (أ).
(9)
"ينتقد ثمة" أي: يستوفيه.
(10)
في (أ): "سرت".
(11)
"قائم الظهيرة": نصف النهار.
(12)
في (ك): "إلينا".
(13)
"رفعت لنا صخرة" أي ظهرت لأبصارنا.
(14)
"انقض لنا" أي: افتش لئلا يكون هناك عدو.
(15)
قوله: "ما حولك" ليس في (ك).
(16)
في (أ) و (ك): "براعٍ"، والمثبت من حاشية (أ).
غُلامُ (1)؟ فَقَال (2): لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ. قُلْتُ لَهُ: أفِي غَنَمِكَ لَبَن؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قال: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى، قَال: فَرَأَيتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ (3) مَعَهُ كُثْبَةً (4) مِنْ لَبَنٍ، قَال: وَمَعِي إِدَاوَة أَرْتَوي (5) فِيهَا لِلنبِي صلى الله عليه وسلم لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأ، قَال: فَأتَيتُ النبِي صلى الله عليه وسلم وَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظهُ (6) مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَقتهُ قَدْ اسْتَيقَظَ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللبَنِ، قال فَشَرِبَ حَتى رَضِيتُ، ثُمَّ قَال: أَلَمْ يَأنِ لِلرَّحِيلِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَارْتَحَلنا بَعْدَمَا زَالتِ الشَّمْسُ وَاتبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِك، قَال: وَنَحْنُ فِي جَدَدٍ (7) مِنَ الأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أُتِينَا، فَقَال:(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا). فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ (8) فَرَسُهُ (9) إِلَى بَطنهَا أُرَى، فَقَال: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أنكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي (10) فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطلَبَ، فَدَعَا اللهَ فَنَجَا، فَرَجَعَ لا يَلْقَى أَحَدًا إِلا قَال: قَدْ كَفَيتُكُمْ مَا هَاهُنَا فَلا يَلْقَى أَحَدًا إِلا رَدَّهُ، قَال: وَوَفَى لَنَا (11).
5197 -
(5) وَعَنْهُ قَال: اشْتَرَى أبو بَكْرٍ مِنْ أبِي رَحْلًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ..
(1) قوله: "غلام" ليس في (ك).
(2)
في (ك): "قال".
(3)
القعب: قدح من خشب معروف.
(4)
الكثبة: هي قدر الحلبة، وقيل: هي القليل منه.
(5)
"أرتوي" أستقي.
(6)
في (أ) و (ك): "أوقضه".
(7)
"جدد من الأرض": هو المستوي.
(8)
في (1): "فارتمطت".
(9)
"فارتطمت فرسه" أي: غاصت قوائمها في تلك الأرض الجدد.
(10)
في (أ): "فادعو الله".
(11)
مسلم (4/ 2309 - 2310 رقم 2009)، البخاري (5/ 93 رقم 2439)، وانظر (3615، 3652، 3908، 3917، 5607).
وَسَاقَ الْحَدِيثَ، قال فيه: فَلَمَّا دَنَا دَعا عليه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَاخ (1) فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطنهِ وَوَثَبَ عَنْهُ، وَقَال يا: مُحَمَّدُ قَد عَلِمتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ وَلَكَ علي لأُعَمِّيَنَّ (2) عَلَى مَنْ وَرَائِي (3)، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ سَهْمًا مِنْهَا، فَإِنكَ ستمرُّ عَلَى إِبِلِي وَغِلْمَانِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، قَال:(لا حاجة لِي فِي إِبِلِكَ). قَال: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيلًا فَتَنَازَعُوا أيهُمْ يَنْزِلُ عَلَيهِ، فَقال:(أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطلِبِ أُكْرِمُهُمْ بذَلِكَ). فَصَعِدَ الرجال وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ، وَتَفَرقَ الْغِلمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطرُقِ يُنَادُونَ: يَا محمدُ يَا رَسُولَ الله، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله (4). وقال البخاري: فَقُلْتُ: لمن أَنتَ يَا غُلامُ؟ قَال: لِرَجُلٍ مِنْ أهلِ الْمَدِينَةِ أو مَكةَ. وفي آخر: لِرَجُل من قُرَيش سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ. وقال (5): فَاضْطَجَعَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُر ما حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطلبِ أَحَدًا. وزاد في بعض الطرق: وقَال (6): ثُمَّ ارْتحلنا وَالطلَبُ فِي إِثْرِنَا. وفيه: قال الْبَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ فإذا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَة قَدْ أصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيتُ أبَاهَا، يُقبلْ خَدَّهَا وَقَال: كيف أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ.
5198 -
(6) البخاري. عَنْ عَائشَةَ قَالت: لَمْ أعْقِلْ أَبَوَيَّ قط إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَينَا يَوْم إِلا يَأتينا فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النهَارِ بُكْرَةً (7) وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خرج أَبو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ (8) أَرْضِ
(1)"فساخ" هو بمعنى ارتطمت.
(2)
في (أ): "أن أعمي"، والمثبت من الحاشية.
(3)
"لأعمين على من ورائي" يعن: لأخفين أمركم عمن ورائي ممن يطلبكم.
(4)
انظر الحديث الذي قبله.
(5)
في (ك): "قال".
(6)
قوله: "وقال ليس في (ك).
(7)
في (أ): "وبكرة".
(8)
في (ك): "إلى نحو".
الْحَبَشَةِ، حَتى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ (1) لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيّدُ الْقَارَةِ (2)، فَقَال: أَينَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَال أبو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعبدَ رَبّي. قَال ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ، إِنكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ (3)، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ (4)، فَأَنَا لَكَ جَارٌ (5) ارْجِعْ، وَاعبدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيش، فَقَال لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثلُهُ وَلا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيفَ، ويعِينُ عَلَى نَوَائب الْحَقّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيش (6) بِجِوَارِ (7) ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْر فَلْيَعبدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلّ فِيهَا وَلْيَقرَأ مَا شَاءَ وَلا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإنا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَال (8) ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِث أبو بَكْرٍ بذَلِكَ يَعبدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلا يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتهِ وَلا يَقْرَأُ فِي غَيرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْر فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ (9)، وَكَانَ (10) يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ (11) عَلَيهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ
(1)"برك الغماد": موضع على خمس ليال من مكة جهة اليمن.
(2)
"سيد القار": هي قبيلة مشهورة من بني الهون.
(3)
في حاشية (أ): "المعدم". والمعنى: تعطي الناس المعدومين من المال والنفقة.
(4)
النوائب: الحوادث، وإنما قال: نوائب الحق لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر.
(5)
"فأنا لك جار" أي: مجير أمنع من يؤذيك.
(6)
"فلم تكذب قريش" أي: لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر.
(7)
في (أ): "بجواز".
(8)
في حاشية (أ): "بلغ".
(9)
في (ك): "بقاء دارة".
(10)
في (ك): "فكان".
(11)
"فينقذف" أي: يسقط.
يَعْجبونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيهِ، وَكَانَ أبو بكرٍ رَجُلًا بَكاءً لا يَمْلِكُ عَينَيهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ (1) ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيشٍ من الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيهِمْ، فَقَالُوا إِنا كُنا أَجَرْنَا أَبَا بكرٍ بجِوَارِكَ (2) عَلَى أَنْ يَعبدَ رَبهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بفناء دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإنا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا (3) فانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعبدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإنْ أَبَى إِلا يعلن بِذَلِكَ (4) فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ (5) ولسنا (6) مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ، قَالتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بكر فَقَال: قَدْ عَلِمْتَ الذي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وإمَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَني أُخْفِرْتُ فِي رجلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَال أبو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى (7) بِجِوار الله تَعَالى، وَالنبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكةَ، فَقَال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:(إِنِّي أُرِيتُ دار هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَينَ لابَتَينِ). وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمدينة، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أبو بكرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَن لي). فَقَال أبو بَكْرٍ: وَهَلْ (8) تَرْجو ذَلِكَ بِأَبِي أَنت؟ قَال: (نَعَمْ). فَحَبَس أبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَينِ كَانَتَا عِنْدَهُ ورق السَّمُرِ وَهُوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
(1)"فأفزع ذلك" أي: أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا" إلى دين الإسلام.
(2)
في (أ): "بجوارك".
(3)
في (ك): "وأبنا".
(4)
في (أ): "ذلك".
(5)
"أن نخفرك" أي: نغدر بك.
(6)
في (أ): "فلسنا".
(7)
في (ك): "وأرض".
(8)
في (أ): "فهل".
قَال ابْنُ شهَابٍ: قَال عُرْوَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: فَبَينَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظهِيرَةِ (1)، قَال قَائِلٌ لأَبي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتقَنِّعًا (2) فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأتِينَا فِيهَا، فَقَال؛ بو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، والله مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ، قَالتْ: فَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ:(أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ). فَقَال أبو بَكْرٍ: إِنمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، قَال:(فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوج). قَال أبو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ (3) بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(نَعَمْ). قَال أبو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَينِ، قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(بِالثمَنِ). قَالتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ (4) الْجِهَازِ (5)، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ (6)، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُميتْ: ذَاتَ النِّطَاقَينِ (7)، قَالتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ يبيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلامٌ شَاب ثَقِفٌ لَقِنٌ (8)، فَيُدْلِجُ (9) مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فيصْبِح مَعَ قُرَيشٍ بِمَكةَ كَبَائِتٍ، فَلا
(1)"نحر الظهيرة" أي: أول الزوال، وهو أشد ما يكون في حرارة النهار.
(2)
"متقنعا" أي: مغطيا رأسه.
(3)
"الصحابة" أي: أريد المصحابة.
(4)
في (أ): "أحب".
(5)
"أحث الجهاز" من الحث وهو الإسراع، والجهاز: ما يحتاج إليه في السفر.
(6)
"سفرة في حراب" أي: زاد في جراب.
(7)
"ذات النطاقين" النطاق: ما يشد به الوسط، وقيل: هو إزار فيه تكة، وقيل غير ذلك.
(8)
"ثقف لقن" الثقف: الحاذق، واللقن: السريع الفهم.
(9)
"فيدلج" أي: يخرج بسحر من مكة.
يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ (1) بِهِ (2) إلا وَعَاهُ حتى يَأتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظلامُ، وَيَرْعى عَلَيهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيرَة مولى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فيرِيحُهَا عَلَيهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَة مِنَ الْعِشَاءِ فيبيتان فِي رِسْل وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا (3)(4) حَتى يَنْعِقَ (5) بِهِمَا عَامر بغلس، يَفْعَلُ ذَلِك فِي كُلّ لَيلَةٍ مِنْ تِلْكَ الليَالِي الثلاثِ، وَاسْتَأجَرَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَني الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ عَدِي هَادِيَا خِريتًا -وَالْخِرِّيت (6): الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا (7) فِي آلِ الْعَاصِ (8) بْنِ وائل السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفارِ قُرَيشٍ فَأمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيهِ رَاحِلَتَيهِمَا) (9)، وَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيهِمَا (10) صُبْحَ ثَلاثٍ، وَانْطلقَ معهما عَامِرُ بْنُ فُهَيرَةَ (11) وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّاحِلِ.
قَال ابْنُ شِهَابٍ: [فَأَخْبَرَنِي (12) عَبد الرحمن بْنُ مَالِك الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِك بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، (13)، أنهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ (14): جَاءَنَا رُسُلُ (15) كُفار قريش يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
(1) في (ك): "بكيادان".
(2)
"يكتادان به" أي: يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد.
(3)
في (أ) و (ك): "رضيعهما"، والمثبت من "صحيح البخاري".
(4)
"ورضيفهما" أي: اللبن المرضوف، أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته.
(5)
"ينعق" أي: يصيح بغنمه.
(6)
في (أ): "جريبا والجرب".
(7)
"غمس حلفًا" أي كان حليفًا، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق فيكون ذلك تأكيدًا للحلف ..
(8)
في (أ): "العاصي".
(9)
في (ك): "راحلتهما".
(10)
في (أ): "فأتاهما براحلتهما".
(11)
في (ك): "فهرة".
(12)
في (أ): "قال فأخبرني".
(13)
ما بين المعكوفين ليس في (ك).
(14)
عبارة (ك): "قال سراقة بن جعشم".
(15)
في (أ): "رسيل"، وفي الحاشية عن نسحه أخرى:"رسل".
وَأبِي بَكْرٍ ديَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَينَمَا أَنَا جَالِس فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِج إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتى قَامَ عَلَينَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَال: يَا سُرَاقَةُ (1) إِنِّي قدْ رَأَيتُ آنِفًا أَسْودَةً (2) بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا (3) وَأصْحَابَهُ، قَال سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أنهُمْ هُمْ فَقُلْتُ: إِنهُمْ لَيسُوا بِهِمْ، وَلَكِنكَ رَأَيت فُلانًا وَفُلانًا انْطَلَقَا بِأَعينِنَا (4)، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ وَأخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيتِ فَخَطَطْتُ (5) بِزُجِّهِ (6) الأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتى أَتَيتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا (7) تُقَرِّبُ (8) بِي (9) حَتى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمتُ فَأهْوَيت يَدِي إلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلامَ (10) فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا، فخرَجَ الذي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيتُ الأَزْلامَ تُقَرِّبُ (8) بِى حَتى إِذَا (11) سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لا يَلْتَفِتُ وَأبو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَينِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ (12) تُخْرِجُ يَدَيهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا (13) لأَثَرِ
(1) في (ك): "يا أبا سراقة".
(2)
"أسودة" أي: أشخاصًا.
(3)
في (ك): "محمد".
(4)
في (ك): "بأغيننا".
(5)
"فخططت" أي: أمكنت أسفله.
(6)
"بزجة" الحديدة التي في أسفل الرمح.
(7)
"فرفعتها" أي: أسرعت بها السير.
(8)
في (ك): "بقرب".
(9)
"تقرب بي" التقريب: السير دون العدو.
(10)
"الأزلام": هي الأقداح، وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل.
(11)
قوله: "إذا" ليس في (أ).
(12)
في (ك): "تكن".
(13)
في (ك): "إذ".
يَدَيهَا غُبَار سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ فَخَرَجَ الذي أَكْرَهُ، فَنَادَيتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتى جِئتهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الديَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ الناسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي (1) (2) وَلَمْ يَسْأَلانِي (3) إِلا أَنْ قَال (4):(أَخْفِ عَنا). فَسَأَلتهُ أَنْ يَكتبَ لِي كِتَابَ (5) أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزبيرِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزبيرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا الزبيرُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَج رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ (6) كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنتظِرُونَهُمْ حَتى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الطهِيرَةِ، فَانْقَلبوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أوَوْا إِلَى بيوتِهِمْ أَوْفَى (7) رَجُل مِنْ يَهُودَ (8) عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظرُ إِلَيهِ، فَبَصُرَ برَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأصحَابِهِ مُبيَضِينَ (9) يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ (10)، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِي أَنْ قَال بِأَعْلَى صَوته: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدكُمُ (11) الذي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السلاح
(1) في (أ): "يذزآني شيئًا".
(2)
"فلم يرزآني" أي: لم ينقصاني مما معي شيئًا.
(3)
في (ك): "يسألني".
(4)
في حاشية (أ) عن نسخة أخرى: "قالا".
(5)
في (أ): "كتابًا".
(6)
"يغدون" أي: يخرحون غداة.
(7)
"أوفى" أي: طلع إلى حصن عالٍ فأشرف منه.
(8)
في (أ): "اليهود".
(9)
"مبيضين" أي: عليهم الثياب البيض.
(10)
"يزول بهم السراب" يقال: زال به السراب إذا ظهر شخصه فيه خيالا.
(11)
في (ك): "حاكم". و"جدكم" أي: حظكم وصاحب دولتكم.
فَتَلَقوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَينِ مِنْ شَهْرِ رَبِيع الأَوَّلِ، فَقَامَ أبو بَكْرٍ لِلناسِ (1) وَجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَحْوَ أَبَا بَكْرٍ، حَتى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتى ظَللَ عَلَيهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ الناسُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بني عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الذي أُسِّسَ عَلَى التقْوَى وَصَلى فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشي مَعَهُ الناسُ حَتى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَال مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا (2) لِلتمْرِ لِسُهَيلٍ وَسَهْلٍ غُلامَينِ يتِيمَينِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ (3) بْنِ زُرَارَةَ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:(هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ). ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْغُلامَينِ (4) فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالا: لا، بَلْ نَهبهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله، فَأَبَى رَسُولُ الله أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللبِنَ:
(هَذَا الْحِمَالُ (5) لا حِمَال خيبَرْ
…
هَذَا أبرُّ (6) رَبَّنَا وَأَطْهَرْ).
وَيَقُولُ:
(اللهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِره
…
فَارْحَمِ الأنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ).
(1)"فقام أبو بكر للناس" أي: يتلقاهم.
(2)
"مربدًا: هو الموضع الذي يجفف فيه التمر.
(3)
في (أ): "سعد".
(4)
في (أ): "بالغلامين".
(5)
"الحمال": هو ما يحمل من اللبِن.
(6)
"أبر" أي: أبقى ذخرا وأكثر ثوابًا وأدوم منفعة وأشد طهارة من حمال خيبر، أي: التي تحمل التمر والزبيب ونحو ذلك.
فَتَمَثلَ بِشِعرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَ لِي. قال ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يبلُغنا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَمَثلَ بِبَيتِ شِعرٍ تَام غَيرَ هَذِهِ الأَبياتِ (1).
وخرَّج منه طرفًا في كتاب "البيوع"، وقال فيه: أَخْرِجْ مَنْ (2) عِنْدَكَ). قَال: يَا رَسُولَ الله إنمَا هُمَا ابْنَتَايَ (3)، يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ، وقَال: إنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوج فَخُذْ إِحْدَيهُمَا (4).
5199 -
(7) وخرج عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: أَقْبَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأبو بَكْرٍ شَيخ يُعْرَفُ وَالنبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَابّ لا يُعْرَفُ، قَال: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذي بَينَ يَدَيكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُل الذي يَهْدِدنِي السَّبِيلَ. قَال: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنهُ (5) إِنمَا يَعْنِي الطرِيقَ، وَإِنمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيرِ، فَالتفَتَ أبو بَكْرٍ فَإذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَال: يَا رَسُولَ الله هَذَا فَارِس قَدْ لَحِيَّ بِنَا، فَالتفَتَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال:(اللهُمَّ اصْرَعهُ). فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ فَقَال: يَا نَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَ شِئْتَ، قَال:(فَقِفْ (6) مَكَانَكَ لا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلحَقُ بِنَا)، قال (7): فَكَانَ أَوَّلَ النهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ آخِرَ النهَارِ مَسْلَحَة (8) لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكرٍ فَسَلْموا عَلَيهِمَا، وَقَالُوا (9): ارْكَبَا آمِنَينِ مُطَاعَينِ فَرَكِبَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري (7/ 230 - 240 رقم 3905)، وانظر (476، 2128، 2263، 2264، 2297، 4093، 5807، 6079).
(2)
في (ك): "ما".
(3)
في (ك): "ابتتاي".
(4)
في (أ): "إحداهما".
(5)
قوله: "أنه" ليس في (أ).
(6)
في (أ): "فقال قف".
(7)
قوله: "قال" ليس في (أ).
(8)
في (ك): "مسلخة"، وفي (أ):"مصلحة"، وفي الحاشية:"مسلحة" وعليها "خ". ومعناه: يدفع عنه الأذى بمثابة السلاح.
(9)
في (أ): "قالوا".
وَأبو بَكْر وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسلاح، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله (1)، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أيوبَ فَإنهُ ليحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لأَهْلِهِ (2) يَخْترِفُ (3)، فَعَجِلَ أَنْ يَضمَّ الذي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَال نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم:(أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ )، فَقَال أبو أيوبَ: أَنَا (4) يَا نَبِيَّ الله هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَال: فَانْطَلِقْ فَهَيئْ لَنَا مَقِيلًا (5)، قال: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ الله، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ فَقَال: أَشْهَدُ أَنكَ رَسُولُ الله وَأَنكَ جِئْتَ بِحَق (6)، وَقَدْ عَلِمتْ يَهُودُ أَنِّي سَيدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهمْ، فَادْعُهمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ (7) أَسْلَمتُ، فَإِنهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيسَ فِيَّ، فَأَرْسَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلُوا عَلَيهِ، فَقَال لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيلَكُمِ (8) اتقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الذي لا إِلَهَ إِلا هُوَ (9) إِنكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله حَقا، وَأَنِّي جِئتكُمْ بِحَق فَأَسْلِمُوا). قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالهَا (10) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَال:(فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ؟ ). قَالُوا: ذَاكَ سَيدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَال: (أَفَرَأَيتُمْ إنْ أَسْلَمَ؟ ). قَالُوا: حَاشَى لِلهِ (11) مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَال: (أَفَرَأَيتُمْ
(1) قوله: "جاء نبي الله" الثانية ليس في (أ).
(2)
في (أ): "لأهله له".
(3)
"يخترف" أي: يجتني من الثمار.
(4)
قوله: "أنا" ليس في (ك).
(5)
في (أ): "مقبلًا".
(6)
في (أ): "بالحق".
(7)
قوله: "قد" ليس في (أ).
(8)
قوله: "ويلكم" ليس في (ك).
(9)
في (ك): "فوالذي لا إله إلا هو".
(10)
في (أ): "وقالها".
(11)
في (أ): "قالوا حاشى قالوا حشى لله".
إنْ أسْلَمَ؟ ). قَالُوا: حَاشَى لِلهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَال: (أَفَرَأَيتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ ). قَالُوا: حَاشَى لِلهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَال: (يَا ابْنَ سَلامٍ اخْرُجْ عَلَيهِمْ). فَخَرَجَ عَلَيهِمْ فَقَال: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتقُوا اللهَ فَوَاللهِ الذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ إنكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنهُ رَسُولُ الله وَأَنهُ جَاءَ بِحَق (1)، فَقَالُوا: كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (2). خرَّج هذا والذي قبله في باب "هجرة النبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة".
5200 -
(8) وخرَّج عَنْ عَائشَةَ أيضًا قَالتِ: اسْتَأذَنَ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أبو بَكْرٍ فِي الْخُرُوج حِينَ اشْتَدَّ عَلَيهِ الأَذَى، فَقَال لَهُ:(أَقمْ). فَقَال: يَا رَسُولَ الله أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنِّي لأرْجُو ذَلِكَ). قَالتْ (3): فَانْتَظَرَهُ أَبو بَكْرٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا. وذكر في الحديثِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ فُهَيرَةَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ ابْنُ فُهَيرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ (4). وسمى الناقة التي ارتحل النبِي صلى الله عليه وسلم، قَال هِي الْجَدْعَاءُ (5). [قال: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيرَةَ غُلامًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الطُّفَيلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمّهَا] (6). خرَّجه (7) في كتاب "المغازي" في "غزوة الرجيع".
5201 -
(9) وذكر في "تفسير {سَبِّح اسمَ رَبّكَ الأَعْلَى} "، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَال: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَينَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبُ بْنُ عُمَيرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكتومٍ، فَجَعَلا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّار وَبِلال وَسَعْد، ثُمَّ جَاءَ
(1) في (أ): "بالحق".
(2)
البخاري (7/ 249 - 250 رقم 3911)، وانظر (3938، 3329، 4480).
(3)
في (أ): "قال".
(4)
انظر الحديث رقم (6) في هذا الباب.
(5)
في (أ): "الجذعاء".
(6)
ما بين المعكوفين ليس في (ك).
(7)
في (ك): "أخرجه".
عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَأيتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتى رَأَيتُ الْوَلائِدَ وَالصِّبيانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتى قَرَأتُ {سَبِّع اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا (1). وخرجه في باب "مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة" وقال: فِي سُوَرٍ (2) مِن الْمُفَصَّلِ.
5202 -
(15) وذكر في الباب (3)، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ (4) يَوْمًا قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ (5) فِي دُخُولهِمْ فِي الإسْلامِ (6).
5203 -
(11) وذكر في باب "من أين أرخوا التاريخ"، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَال: مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا مِن وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ (7)(8).
* * *
(1) البخاري (8/ 699 - 700 رقم 4941)، وانظر (3924، 3925، 4995).
(2)
في (أ): "سورة".
(3)
في (أ): "باب".
(4)
في (أ): "بغاث". وبُعَاث: موضع من نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية.
(5)
"سراتهم": أي شرفاؤهم.
(6)
البخاري (7/ 110 رقم 3777)، وانظر (3846، 3930).
(7)
البخاري (7/ 267 رقم 3934).
(8)
في حاشية (ك): "بلغ مقابلة".