المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حديث الثلاثة الذين خلفوا - الجمع بين الصحيحين لعبد الحق - جـ ٤

[عبد الحق الإشبيلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ القَدَرِ

- ‌كتَابُ العِلْمِ

- ‌كِتَابُ الذِّكْرِ والدُّعَاءِ

- ‌حَدِيثُ الغَارِ

- ‌بَابٌ في التَّوْبَةِ

- ‌بَابٌ في سَعَةِ رَحْمَةِ الله عز وجل

- ‌ باب

- ‌حَدِيثُ الثلَاثةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

- ‌حَدِيثُ الإِفْكِ وكَانَ فِي غَزْوَةِ الْمَرَيسِيعِ، والْمَرَيسِيعُ مَاءٌ لِبَنِي الْمُصْطَلَقِ

- ‌بَابٌ

- ‌بِابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌ باب

- ‌[بَابُ الْخَلْقِ الأَوَّلِ مِنْ آدم]

- ‌بَابٌ

- ‌بَّابَ

- ‌بَابٌ فِي عَذَابِ القَبْرِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌كِتَابُ الفِتَنِ والأَشْرَاطِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ

- ‌بَابٌ

- ‌كِتَابُ الزُّهْدِ

- ‌بَابٌ

- ‌ باب

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌‌‌بابٌ

- ‌بابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌‌‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌كِتَابُ التفْسِيرِ

- ‌[كِتَابُ الْجَمْع بَينَ الصَّحِيحَينِ أَيضًاعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الكتَابِ

- ‌كَيفَ كَان بَدْءُ الوَحْي

- ‌كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌كِتَابُ العِلْمِ

- ‌كتَابُ الوُضُوءِ

- ‌كتَابُ الصَّلاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كتَابُ الزَكَاةِ

- ‌كِتَابُ الحَجِّ

- ‌كِتَابُ الصِّيامِ

- ‌كِتَابُ البُيُوعِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الإِجَارةِ

- ‌كِتَابُ الحَوَالاتِ

- ‌كِتَابُ الوَكَالةِ

- ‌كِتَابُ الْحَرْثِ

- ‌كِتَابُ الشُّرْبِ

- ‌كِتَابُ الاسْتِقْرَاضِ

- ‌كِتَابُ الْخُصُومَاتِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْمَظَالِمِ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌كِتَابُ العِتْقِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الشَّرُوطِ

- ‌كِتَابُ الوَصَايَا

- ‌كِتَابُ الجِهَادِ

- ‌كِتابُ بدْءِ الخَلْقِ

- ‌كِتابُ الْمَغازِي

- ‌كِتابُ التفْسِيرِ

- ‌وَفِي سُورَة البَقَرَةِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَان

- ‌وَمِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ

- ‌وَمنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ

- ‌وَمنْ سُورَةِ الأنْعَامِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الأعْرَافِ

- ‌وَمِنْ سورَةِ الأنْفَال

- ‌ومِنْ سورَةِ بَراءَة

- ‌مِنْ سُورَةِ يُونُسَ عليه السلام

- ‌وَمِنْ سُورَةِ هُودٍ عليه السلام

- ‌وَمِن سُورَةِ يُوسُفَ عليه السلام

- ‌وَمِنْ سورَةِ الرَّعْدِ

- ‌مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الحِجْرِ

- ‌مِنْ سُورَةِ الْنحْلِ

- ‌وَمِن سُورَةِ بَنِي إِسرَائِيل

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْكهْفِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ {كهيعص}

- ‌وَمِنْ سُورَةِ طه

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ

- ‌وَمِنْ سورَةِ الْحَجِّ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ النُّورِ

- ‌وَمِنْ سورَةِ الْفُرْقَانِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ

- ‌وَمِنْ سورَةِ النَّمْلِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْقَصَصِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الرُّومِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ تَنْزِيل السَّجْدَةِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الأحْزَابِ وَسُورَةِ سَبَإِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْمَلائكَةِ ويس وَالصَّافاتِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ ص وَسورَةِ الزُّمَرِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ وَحم السَّجْدَةِ

- ‌وَمِنْ سورَةِ {حم عسق} وَحم الزُّخْرُفِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الدُّخَانِ وَالْجَاثِيَة وَالأحْقَافِ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا}

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ وَالْحُجُرَاتِ وَق

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ وَالطُّورِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ وَالنَّجْمِ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ {الرَّحْمَن} جل جلاله

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَالحَدِيدِ وَالُمجَادَلَةِ والحَشْرِ والمُمْتَحِنَةِ وَالصَّفِّ وَالمُنَافِقِينَ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ التَّغَابُنِ وَالطَّلاقِ والتَّحْرِيمِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْمُلْكِ وَ {ن وَالْقَلَمِ}

- ‌ومِنْ سُورَةِ الْحَاقَّةِ وَ {سَأَلَ سَائِلٌ} وَسُورَةِ نُوحٍ عليه السلام

- ‌وَمِنْ سُورَةِ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} وَالْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَالقِيَامَةِ وَ {هَلْ أَتَى} وَالمُرْسَلاتِ وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُون} وَالنَّازِعَاتِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ عَبَسَ وَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الإِنْفِطَارِ والمُطَفِّفِينَ وَالإِنْشِقَاقِ

- ‌وَمِنْ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَالطَّارِقِ والغَاشِيَةِ والفَجْرِ وَالبَلَدِ إِلَى آخِرِ القُرْآنِ

- ‌كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌كتَابُ الطَّلاقِ

- ‌كِتَابُ النَّفَقَاتِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كتَابُ العَقِيقَةِ وَكِتَابُ الذَّبَائح وَالصَّيدِ

- ‌كِتَابُ الأَضَاحِي

- ‌كِتَابُ الأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ المَرْضَى

- ‌كِتابُ الطِّبِ

- ‌كِتابُ الْلِّباسِ

- ‌كِتابُ الأَدَبِ

- ‌كِتَابُ الاسْتِئْذانِ

- ‌كِتابُ الدَّعَواتِ

- ‌كِتاب الرِّقَاقِ

- ‌كتابُ القَدَرِ

- ‌كِتابُ الأَيمانِ والنُّذُورِ

- ‌كِتابُ الكَفاراتِ

- ‌كِتَابُ الفَرَائِضِ

- ‌كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌كِتَابُ المُحَارِبِينَ

- ‌كِتَابُ الدَّيِّاتِ

- ‌كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرتَدِّينَ والْمُعَانِدِينَ وَقِتَالُهُم

- ‌كِتَابُ الإِكْرَاه

- ‌كِتَابُ الحِيَلِ

- ‌كتَابُ الرؤْيَا

- ‌كِتَابُ الفِتَنِ

- ‌كِتَابُ الأحكام

- ‌كِتَابُ التَّمَنِّي

- ‌كِتَابُ إِجَازَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ

- ‌كتَابُ الاعتِصَامِ

- ‌كِتَابُ التَّوحِيدِ

الفصل: ‌حديث الثلاثة الذين خلفوا

فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ (1) كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَي رَبِّ، حَتَّى قَرَّرَهُ (2) بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنهُ هَلَكَ، قَال: سَتَرْتُهَا عَلَيكَ في الدُّنْيَا وَأَنَا (3) أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (4). وقال في التفسير:"ثُمَّ تُطْوَى (5) صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُونَ أَو الْكُفارُ فينَادَى عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاءِ الذينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ". وخزجه أَيضًا في كتاب "التوحيد" في باب "كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم"إلى قوله: "وأغْفرُهَا لَكَ اليَوْمَ".

‌حَدِيثُ الثلَاثةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

4801 -

(1) مسلم. عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَال: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَط إلا في غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تخلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيشٍ، حَتَّى جَمَعَ الله بَينَهُمْ وَبَينَ عَدُوّهِمْ عَلَى غَيرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا (6) عَلَى الإِسْلامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ (7) في النَّاسِ (8) مِنْهَا، فَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَنِّي (9) لَمْ أَكُنْ قَط

(1) قوله: "ذنب" ليس في (أ).

(2)

في (أ): "حتَّى قد قرره".

(3)

في (ك): "وإني".

(4)

سورة هود، آية (18).

(5)

في (أ): "يطوى".

(6)

"تواثقنا" أي: تبايعنا عليه وتعاهدنا.

(7)

في (أ): "بدرًا ذكر".

(8)

"أذكر في النَّاس" أي: أشهر عند النَّاس بالفضيلة.

(9)

في (أ): "أن".

ص: 84

أَقْوَى وَلا أَيسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَينِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَغَزَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا (1)، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ (2) لِيَتَأَهَّبوا أُهْبَةَ غَزْوهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمِ (3) الَّذِي يُرِيدُ (4) وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثِير، وَلا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ -يُرِيدُ بِذَلِكَ الدِّيوَانَ- قَال كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغيَّبَ إِلا ظَنَّ (5) أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللهِ عز وجل، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلالُ فَأَنَا إِلَيهَا أَصْعَرُ (6)، فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَي أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيئًا وَأَقُولُ (7) فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ (8) يَتَمَادَى بِي حَتى اسْتَمَرَّ بِالناسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غَادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي (9) شَيئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ (10)، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ فَيَا لَيتَنِي فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي الناسِ بَعْدَ خُرُوج رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَحْزُنُنِي أَنِّي لا أَرَى لِي أُسْوَةً إلا رَجُلًا مَغْمُوصًا

(1)"مفازًا" أي: برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.

(2)

"فجلا للمسلمين أمرهم "أي" كشفهُ وبينه وأوضحه.

(3)

"فأخبرهم بوجههم" أي: بمقصدهم.

(4)

في (أ): "الذي يريدون".

(5)

في (ك): "أظن".

(6)

في (أ) و (ك): "أصغر"، والمثبت من "مسلم". وأصعر: أميلُ.

(7)

في (ك): "فأقول".

(8)

قوله: "ذلك" ليس في (أ).

(9)

"جهازي" أي: أهبة سفري.

(10)

"وتفارط الغزو" أي: تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.

ص: 85

عَلَيهِ في النِّفاقِ (1)، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ تَعالى مِنَ الضُّعَفاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقال وَهُوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتبوكَ:(ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ؟ ). فَقال رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ حَبَسَهُ بُرْداهُ والنَّظَرُ في عِطْفَيهِ (2). فَقال لَهُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ ما قُلْتَ، واللهِ يا رَسُولَ الله ما عَلِمْنا عَلَيهِ إِلا خَيرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَينَما هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا (3) يَزُولُ بِهِ السَّرابُ (4) فَقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(كُنْ أَبا خَيثَمَةَ). فَإِذا هُوَ أَبُو خَيثَمَةَ الأَنْصارِيُّ وَهُوَ الذِي تَصَدَّقَ بِصاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنافِقُونَ (5)، قَال كَعْبُ بْنُ مالِكٍ: فَلَمّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ تَوَجَّهَ قافِلًا (6) مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي (7)، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأقُولُ: بِمَ (8) أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ (9) غَدًا وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رأيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ (10) قادِمًا زاحَ (11) عَنِّي الْباطِلُ حَتى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَدًا فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ (12)، وَصَبَّحَ (13) رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قادِمًا، وَكانَ إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَينِ ثمَّ جَلَسَ

(1) في (ك): "مغموضًا". ومعنى "مغموصا عليه في النفاق "أي: متهمًا به السراب.

(2)

"عطفيه" أي: جانبيه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.

(3)

"رجلًا مبيضًا" المبيض: هو لابس البياض.

(4)

في (ك) وحاشية (أ) عن نسخة أخرى: "التراب". ومعناه: يتحرك ويضطرب به السراب.

(5)

"لمزه المنافقون" أي: عابوه واحتقروه.

(6)

"قافلًا" أي: راجعًا.

(7)

في (أ): "بشي"، و"حضرني بثي": أي: أشد الحزن.

(8)

في (أ): "ثمَّ".

(9)

في (أ): "بسخطته"، وفي (ك):"سخطة"، والمثبت من "صحيح مسلم".

(10)

"أظل" أي: أقبل ودنا قدومه.

(11)

"زاح" أي: زال.

(12)

"فأجمعت صدقه" أي: عزمت عليه.

(13)

في (أ): "أصبح".

ص: 86

لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ (1) الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ عز وجل، حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَال:(تَعَال). فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَينَ يَدَيهِ فَقَال لِي: (مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ). قَال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا (2)، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ (3) اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ (4) فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللهِ (5)، وَوَاللهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ). فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، لَقَدْ عَجَزْتَ فِي أَنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيهِ الْمُخَلَّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ، قَال: فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي (6)(7) حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُكَذِّبَ نَفْسِي. قَال: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي مِنْ (8) أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ. قَالا: مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ.

(1) في (ك): "جاء".

(2)

"أعطيت جدلًا" أي: فصاحة وقوة في الكلام وبراعة.

(3)

"ليوشكن" أي: ليسرعن.

(4)

"تجد عليّ" أي: تغضب.

(5)

"عقبى الله" أي: أن يعقبني خيرًا وأن يثبتني عليه.

(6)

في (أ): "يوثبونني".

(7)

"يؤنبونني" أي: يلومونني أشد اللوم.

(8)

قوله: "من" ليس في (ك).

ص: 87

قَال: قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ (1). قَال: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَينِ صَالِحَينِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ، قَال: فَمَضَيتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، قَال: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَينِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَال: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَقَال: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأرْضُ فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا (2) وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ (3) فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيهِ بِرَدِّ السَّلامِ أَمْ لا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَال ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ (4) جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ (5) ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ اللهَ (6) هَلْ تَعْلَمَنِي أَنِّي (7) أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ (8) فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَقَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَينَايَ وَتَوَلَّيتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، فَبَينَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا (9) نَبَطِيٌّ (10) مِنْ نَبَطِ

(1) في (ك): "الوافقي".

(2)

"فاستكانا" أي: خضعا.

(3)

"أشب القوم وأجلدهم" أي: أصغرهم سنًّا وأقواهم.

(4)

"تسورت": علوته وصعدت سوره وهو أعلاه.

(5)

في (ك): "وهي".

(6)

"أنشدك الله" أي: أسألك بالله.

(7)

قوله: "أني" ليس في (ك).

(8)

في (أ): "ناشدته".

(9)

في (ك): "فإذا".

(10)

يقال: النبط والأنباط: هم فلاحو العجم.

ص: 88

أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَال: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِبًا فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ (1)، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ (2)، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ (3). قَال: فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذِهِ (4) أَيضَا مِنَ الْبَلاءِ فَتَيَامَمْتُ (5) بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا (6) بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ (7)، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأْتِينِي فَقَال إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، قَال: قُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا (8) أَفْعَلُ؟ قَال: لا، بَلِ (9) اعْتَزِلْهَا فَلا تَقْرَبْهَا. قَال: وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَال: فَقُلْتُ لامْرَأَتِي الْحَقِي (10) بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ، حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ، قَال: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هِلال بْنَ أُمَيَّةَ شَيخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لَيسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ فَقَال:(لا، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ). فَقَالتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَى شَيءٍ، وَوَاللهِ مَا زَال يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، قَال: فَقَال لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَو اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لامْرَأَةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: لا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُولُ رَسُولُ

(1)"جفاك" يقال: جفاه إذا بعد عنه.

(2)

"ولا مضيعة" أي: في موضع وحال يضيع فيه حقك.

(3)

"نواسك" معناه: نشاركك فيما عندنا.

(4)

في (ك): "وهذا".

(5)

في حاشية (أ): "فتيممت". و"فتياممت" أي: قصدت.

(6)

"فسجرتها" أي: أحرقتها.

(7)

"استلبث الوحي" أي: أبطأ.

(8)

في (أ): "أم ذا".

(9)

في (أ): "بلى".

(10)

في (ك): "ألحقك".

ص: 89

اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، قَال: فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ (1) لَيلَةً مِنْ حِينَ (2) نُهِيَ عَنْ كَلامِنَا، قَال: ثُمَّ صَلَّيتُ الْفَجْرَ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَينَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ (3)، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى (4) عَلَى سَلْعٍ (5) يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَال: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ (6) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَينَا حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَينِ فَلَبِسْتُهُمَا فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيكَ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَرْولُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيرُهُ، قَال: فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَال كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال وَهُوَ يَبرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: (أَبْشِرْ بِخَيرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ

(1) في (أ): "خمسين".

(2)

في (أ): "منذ" وفي الحاشية "من حين" وعليه "خ".

(3)

"بما رحبت" أي: بما اتسعت.

(4)

"أوفى" أي: صعد وارتفع عليه.

(5)

"سلع": جبل معروف بالمدينة.

(6)

"فآذن": أعلمهم.

ص: 90

أُمُّكَ). قَال: فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ فَقَال:(لا، بَلْ (1) مِنْ عِنْدِ اللهِ). وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّ (2) وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قَال: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ، قَال: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَينَ يَدَيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ (3) مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى (4) اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيرٌ لَكَ). قَال: فَقُلْتُ: فَإِنِّي (5) أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيبَرَ، قَال: وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ، قَال: فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ (6) أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلانِي اللهُ (7) بِهِ (8)، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ عز وجل [فِيمَا بَقِيَ، قَال: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل](9){لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حَتَّى بَلَغَ {إِنَّهُ (10) بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إِلَيهِ} حَتَّى بَلَغَ {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (11)

(1) قوله: "بل" ليس في (ك).

(2)

في (أ): "حتى كأن".

(3)

"أن أنخلع": أخرج منه وأتصدق به.

(4)

قوله: "إلي" ليس في (ك).

(5)

في (أ): "إني".

(6)

قوله: "أن" ليس في (ك).

(7)

"أبلاني الله" أي: أنعم عليه، والبلاء والإبلاء يكون في الخير والشر.

(8)

قوله: "به" ليس في (ك).

(9)

ما بين المعكوفين تكرر في (أ).

(10)

قوله: "إنه" ليس في (ك).

(11)

سورة التوبة، الآيات (117 - 119).

ص: 91

قَال كَعْبٌ: فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ (1) هَدَانِي اللهُ لِلإِسْلامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ اللهَ قَال لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَال لأَحَدٍ، قَال اللهُ تَعَالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (2)، قَال كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ (3) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا (4) حَتَّى قَضَى الله عز وجل فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَال اللهُ عز وجل {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيسَ الَّذِي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفْنَا تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْو، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيهِ فَقَبِلَ مِنْهُ (5). وَفِي رِوَايَةٍ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ. وفي أخرى: وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنَاسٍ كَثِيرٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرَةِ آلافٍ وَلا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ حَافِظٍ. لم يقل البخاري: عَشْرَةِ آلافٍ، وخرَّجه بكماله في "غزوة تبوك" في "المغازي". وخرَّجه في "تفسير بَرَاءَة" مختصرًا، قال فيه: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلامِي وَكَلامِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ

(1) في (ك): "بعد أن".

(2)

سورة التوبة، الآيتان (95 و 96).

(3)

"أرجأ" أي: أخر.

(4)

في (أ): "أميرنا".

(5)

مسلم (4/ 2120 - 2128 رقم 2769)، البخاري (8/ 113 - 116 رقم 4418)، وانظر (2757، 2947، 2949، 2950، 3088، 3556، 3889، 3951، 4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 6690، 7225).

ص: 92