الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ المُسْلِمِين. وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ.
ــ
عشرةٍ عَرِيفًا. ويَجْعَلُ العَطاءَ في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مَرَّتَيْن، ولا يَجْعَل في أقَلَّ مِن ذلك؛ لئلَّا يشْغَلَهم عن الغَزْوِ. ويَبْدَأُ ببنى هاشمٍ؛ لأنَّهم أقارِبُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِما ذَكَرْنا مِن خَبَرِ عُمَرَ، ثم ببَنِى المُطَّلِبِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بَنُو هَاشِم وَبَنُو المُطَّلِبِ شَئٌ واحِدٌ» . وشَبَّكَ بينَ أصابِعِه (1). ثم ببَنِى عبدِ شَمْسٍ؛ لأنَّه أخو هاشِم لأبِيه وأُمِّه، ثم بَنى نَوْفَلٍ؛ لأنَّه أخو هاشِمٍ لأبِيه، ثم يُعْطِى بنى عبدِ الدَّارِ، وعبدِ العُزَّى، ويُقَدِّمُ عبدَ العُزَّى؛ لأنَّ فيهم أصْهارَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ خَدِيجَةَ منهم، وعلى هذا يعْطِى الأقْرَبَ فالأقْرَبَ، حتَّى تَنْقَضِىَ قُرَيْشٌ، وهم بنو النَّضْرِ ابنِ كِنانَةَ، وقيلَ: بنو فِهْرِ بينِ مالِكٍ.
1480 - مسألة: (ثُمَّ الْأنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ المُسْلِمِين. وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ)
يُقَدِّمُ الأَنْصارَ بعدَ قُرَيْشٍ؛ لفَضْلِهم، وسابِقَتِهم،
(1) تقدم تخريجه في 7/ 307.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وآثارِهم الجميلةِ، ثم سائِرَ العربِ، ثم العَجَمَ والمَوالِىَ، فإنِ اسْتَوى اثْنانِ في الدَّرَجَةِ، قَدَّم أسَنَّهما، ثم أقْدَمَهما هِجْرَةً وسابِقَةً، ويَخُصُّ في كلُّ ذا الحاجَةِ.
فصل: واخْتَلَفَ الخُلَفاءُ الراشدونَ، رَضِىَ اللَّهُ عَنهم، في قَسْمِ الفَىْءِ بينَ أهْلِه، فذَهَبَ أبو بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، إلى التَّسْوِيَةِ بينَهم. وهو المَشْهُورُ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. فرُوِىَ أنَّ أبا بكرٍ سَوَّى بينَ الناسِ في العَطاءِ، وأدْخَلَ فيه العَبِيدَ، فقال له عمرُ: يا خليفةَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أتَجْعَل الذين جاهَدُوا في سَبِيْلِ اللَّهِ بأمْوالِهم وأنْفسِهم، وهَجَروا دِيارَهم له، كمَن إنَّما دَخَلُوا في الإِسْلامِ كَرْهًا! فقال أبو بكرٍ: إنَّما عَمِلُوا للَّهِ، وإنَّما أُجُورُهم على اللَّهِ، وإنَّما الدُّنْيا بَلَاغٌ. فلمَّا وَلِىَ عُمَر، رَضِىَ اللَّه عنه، فاضَلَ بينَهم، وأخْرَجَ العَبِيدَ، فلمَّا وَلِىَ علىّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، سَوَّى بينَهم، وأخْرَجَ العَبِيدَ. وذُكِرَ عن عثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه فَضَّلَ بينَهم في القِسْمَةِ. فعلى هذا مذهبُ اثْنَيْن منهم، أبى بكرٍ وعلىٍّ، التَّسْويةُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومذهَبُ اثْنَيْنِ، عمرَ وعُثمانَ، التَّفْضِيلُ. وقد رُوِى عن أحمدَ، رحمه الله [جَوازُ التَّفْضِيلِ](1)، فرَوَى عنه الحسَنُ بنُ علىِّ بنِ الحسَنِ (2)، أنَّه قال: للإِمامِ أن يُفَضِّلَ قَوْمًا على قَوْمٍ؛ لأنَّ عمرَ قَسَمَ بينهم على السَّوابِقِ، وقال: لا أجْعَلُ مَن قاتَلَ على الإِسْلامِ، كمَن قُوتِلَ عليه. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَسَم النَّفَلَ بينَ أهْلِه مُتَفاضِلًا على قَدْرِ غَنائِهم (3). وهذا في مَعْناه. ورُوِىَ عنه، أنَّه لا يجوزُ التَّفْضِيلُ. قال أبو بكرٍ: اخْتارَ أبو عبدِ اللَّهِ أن لا يُفَضلوا. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لِما ذَكَرْنا مِن فِعْلِ أبى بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. قال الشافعىُّ: إنى رأيْتُ اللَّهَ (4) قَسَمَ المَوارِيثَ على العَدَدِ، يكونُ الأخْوَةُ مُتَفاضِلِين في الغَناءِ عن المَيِّتِ، والصِّلَةِ في الحياةِ، والحِفْظِ بعدَ الموتِ، فلا يُفَضَّلُون، وقَسَم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أربعةَ أخْماسِ الغَنِيمَةِ على العَدَدِ، ومنهم مَن يُغْنِى غايةَ الغَناءِ، ويكونُ الفَتْحُ على يَدَيْه، ومنهم مَن يكونُ مَحْضَرُه إمَّا غيرُ نافِعٍ، وإمَّا ضَررٌ بالجُبْنِ والهزِيمَةِ، وذلك أنَّهم
(1) سقط من: م.
(2)
هو الحسن بن على بن الحسن الإسكافى، أبو على، جليل القدر، عنده عن الإمام أحمد مسائل صالحة حسان كبار، أغرب فيها على أصحابه. طبقات الحنابلة 1/ 136، 137.
(3)
انظر ما ذكره أبو عبيد، في الأموال 307، 316.
(4)
في م: «أنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَوَوْا سبَبِ الاسْتِحْقاقِ، وهو انْتِصابُهم للجِهادِ، فصاروا كالغانِمِين. قال شيْخُنا (1): والصَّحيحُ، إن شاءَ اللَّهُ، أنَّ ذلك مُفَوَّضٌ إلى اجْتهادِ الإِمام، يَفْعَلُ ما يَراه مِن تَسْوِيَةٍ وتَفْضِيلٍ؛ لِما ذَكَرْنا مِن فِعْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في الأَنْفَالِ، وهذا في مَعْناه. وقد رُوِى عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه فَرَض للمُهاجِرِين مِن أهْلِ بَدْرٍ خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، ولأهْلِ بَدْرٍ مِن الأنْصارِ أربعةَ آلافٍ أربعةَ آلافٍ، وفَرَض لأهْلِ الحُدَيْبيَةِ ثلاثةَ آلافٍ ثلاثةَ آلافٍ، ولأهْلِ الفَتْحِ ألْفَيْن ألْفَيْن (2).
فصل: قال القاضى: ويَتَعَرَّفُ قَدْرَ حاجَةِ أهْلِ العَطاءِ وكِفايَتِهِم، ويَزِيدُ ذا الوَلَدِ مِن أجْلِ ولَدِه، وذا الفَرَسِ مِن أجْلِ فَرَسِه. وإن كان له عَبِيدٌ في مصالِحِ الحَرْب، حُسِبَتْ مُؤْنَتُهم في كِفايهم، وإن كانُوا لِزينَةٍ أو تِجارَةٍ، لم تُحْسَبْ مُؤْنتَهم. ويَنْظُرُ في أسْعارِهم في بُلْدانِهم؛ لأنَّ أسْعارَ البلادِ تَخْتَلِفُ، والغَرَضُ الكِفايَةُ، ولهذا تُعْتَبَرُ الذُّرِّيَّةُ والوَلَدُ، فيَخْتَلِفُ عَطاؤُهم لاخْتلافِ ذلك. وإن كانوا سَواءً في الكِفايةِ، لا يُفَضِّلُ بعْضَهم
(1) في: المغنى 9/ 301.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب التفضيل على السابقة والنسب، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 349، 350.