الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِى حَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، يَجُوزُ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ. وَالأُخْرَى، لَا يَجُوزُ، إِلَّا أنْ لَا يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ، أوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَه بِنَا، وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ.
ــ
1397 - مسألة: (وَفِى حَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، يَجُوزُ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ. وَالأُخْرَى، لَا يَجُوزُ، إِلَّا أنْ لَا يُقدَرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ، أوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَه بِنَا، وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ)
وحملةُ ذلك، أنَّ الزَّرْعَ والشَّجَرَ ينْقَسِمُ ثلاثةَ أقْسامٍ؛ أحَدُها، ما تدْعُو الحاجَةُ إلى إتْلافِه، كالذى يَقْرُبُ مِن حُصُونِهم، ويَمْنَعُ مِن قِتالِهم، أو يَسْتَتِرُون به مِن المسلمين، أو يُحْتاجُ إلى قَطْعِه؛ لتَوْسِعَةِ الطَّرِيقِ، أو تَمَكُّن مِن قِتالٍ، أو سَدِّ شئٍ، أو إصْلاحِ طَرِيقٍ، أو سِتارَةِ مَنْجَنِيقٍ، أو غيرِه، أو لا يُقْدَرُ عليهم إلَّا به، أو يَكُونُون يفْعلُون ذلك بنا، فيُفْعَلُ ذلك بهم؛ ليَنْتَهُوا، فهذا يجوزُ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. الثانى، ما يتَضَرَّرُ المسلمون بقَطْعِه؛ لكَوْنِهم يَنْتَفِعُونَ ببَقائِه لعَلُوفَتِهم، أو يَسْتَظِلُّون به، أو يَأْكُلُون مِن ثَمَرِه، أو تَكُونُ العادَةُ لم تَجْرِ بذلك بَيْنَنا وبينَ عَدُوِّنا، فإذا فعَلْناه بهم فَعَلُوه بنا، فهذا يَحْرُمُ؛ لِما فيه مِن الإِضْرارِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمسلمين. الثالثُ، ما عَدا هذَيْن القِسْمَيْن، ممّا لا ضَرَرَ فيه بالمسلمين، ولا نَفْعٌ سِوَى غَيْظِ الكُفّارِ، والإِضْرارِ بهم، ففيه رِوايتان؛ إحْداهما، لا يجوزُ؛ لحديثِ أبى بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، ووَصِيَّتِه (1)، وقد رُوِى نحوُ ذلك مَرْفُوعًا إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ فيه إتْلافًا مَحْضًا، فلم يَجُزْ، كعَقْرِ الحيوانِ. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو ثَوْرٍ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. قال إسْحاقُ: التَّحْرِيقُ سُنَّةٌ، إذا كان أنْكَى في العَدُوِّ، ولقولِ اللَّهِ تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (2). وروَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ، وقَطَعَ، وهى البُوَيْرَةُ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} . ولها يقولُ حَسّان (3):
وَهانَ على سَراةِ بَنِى لُؤَىٍّ
…
حَرِيق بالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 25.
(2)
سورة الحشر 5.
(3)
البيت له، في سيرة ابن هشام 3/ 272، وفتوح البلدان 1/ 19، ومعجم ما استعجم 1/ 285، ومعجم البلدان 1/ 765. وهو بغير نسبة في: اللسان والتاج (ط ى ر). وانظر حاشية الديوان 253.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُتَّفَقٌ عليه (1). وعن الزُّهْرِىِّ، قال: فحدَّثَنى عُرْوَةُ، قال: فحَدَّثَنِى أُسامَةُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان عَهِدَ إليه، فقال:«أغِرْ عَلَى أُبْنَى (2) صَبَاحًا، وحَرِّقْ» . رَواه أبو داودَ (3). قيل لأبِى مُسْهِرٍ: أُبْنَى (2)؟ قال: نحن أعْلمُ، هى يُبْنا فِلَسْطِين. والصَّحيحُ أنَّها أُبْنَى (2) كما جاءَتِ الرِّوايةُ، وهى قريبةٌ مِن أرْضِ الكَرْكِ، في أطْرافِ الشامِ، في النَّاحِيَةِ التى قُتِلَ فيها أَبُوه، فأمَّا يُبْنا فهى مِن أرضِ فِلَسْطِين، وَلم يَكُنْ اُسامَةُ ليَصِلَ إليها، ولا أمَرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالإِغارَةِ عليها؛ لبُعْدِها، والخَطَرِ بالمصيرِ إليها، لتَوَسُّطها في البلادِ، وبُعْدِها مِن أطْرافِ الشامِ، فما كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم ليَأْمُرَه بالتَّغْرِيرِ بالمسلمين، فكيف يُحْمَلُ الخبرُ عليها، مع مُخالَفَةِ لَفْظِ الرِّوايَةِ، وفَسادِ المَعْنَى!
(1) أخرجه البخارى، في: باب قطع الشجر والنخيل، من كتاب الحرث والمزارعة، وفى باب قوله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا. . .} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 3/ 136، 137، 6/ 184. ومسلم، في: باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1365.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الحرق في بلاد العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 36. والترمذى، في: باب ومن سورة الحشر، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 187، 188. وابن ماجه، في: باب التحريق بأرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948، 949.
(2)
في م: «أبناء» .
(3)
في: باب في الحرق في بلاد العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 36.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب التحريق بأرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومتى قُدِرَ على العَدُوِّ، لم يَجُزْ تَحْرِيقُه بالنَّارِ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. وقد كان أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، يَأْمُرُ بتحْرِيقِ أهلِ الرِّدَّةِ بالنّارِ (1). وفَعَلَه خالدُ بنُ الوليدِ بأمْرِه. فأمَّا اليومَ فلا نعلمُ فيه خِلافًا بينَ النّاسِ. وقد روَى حَمْزَةُ الأَسْلَمِىُّ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمَّرَه على سَرِيَّةٍ، قال: فَخَرَجْتُ فيها، فقال:«إنْ أخَذْتُمْ فُلَانًا، فأحْرِقُوه بِالنَّارِ» . فوَلَّيْتُ، فنادانِى، فرَجَعْتُ، فقاك:«إِنْ أَخَذْتُمْ فُلَانًا، فَاقْتُلُوهُ، ولَا تُحْرِقُوهُ؛ فَإنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ» . رَواه أبو داودَ، وسعيدٌ (2). وروَى البخارىُّ (3)، عن أبى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم نحوَ حديثِ حمزةَ. فأمَّا رَمْيُهم بالنَّارِ قبلَ أخْذِهم، فإن أمْكَنَ أخْذُهم بدُونِها، لم يَجُزْ؛ لأنَّهم في مَعْنى المَقْدورِ عليه، وأمَّا عندَ العَجْزِ عنهم بغيرِها، فجائِزٌ في قولِ أَكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم الأوْزَاعِىُّ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال. . .، من كتاب قتال أهل البغى. السنن الكبرى 8/ 178. وعبد الرزاق، في: باب القتل بالنار، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 212.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في كراهية حرق العدو بالنار، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 50. وسعيد بن منصور، في: باب كراهية أن يعذب بالنار، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 243.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 494.
(3)
في: باب لا يعذب بعذاب اللَّه، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 4/ 75.
كما أخرجه أبو داود، في: الباب السابق. سنن أبى داود 2/ 51. والترمذى، في: باب حدثنا قتيبة. . .، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 66. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 307، 338، 453.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ. وقد روَى سعيدٌ (1) بإسْنادِه، عن صَفْوانَ بن عمرٍو، وجَرِيرِ بنِ عُثمانَ، أنَّ جُنادَةَ بنَ أبى أُمَيَّةَ الأزْدِىَّ، وعبدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ الفَزَارِىَّ، وغيرَهما مِن وُلاةِ البَحْرِ، ومَن بعدَهم، كانُوا يَرْمُون العَدُوَّ مِن الرُّومِ وغيرِهم بالنَّارِ، ويُحَرِّقونَهم، هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء. قال عبدُ اللَّهِ بنُ قَيْسٍ: ولم يَزَلْ أمْرُ المسلمين على ذلك. وكذلك الحُكْمُ في فَتْحِ البُثُوقِ عليهم؛ لغَرَقِهم. وإِن قُدِرَ عليهم بغيرِه، لم يَجُزْ، إذا تَضَمَّنَ ذلك إتْلافَ النِّساءِ والذُّرِّيَّةِ، الذين يَحْرُمُ إتْلافُهم قَصْدًا، وإن لم يُقْدَرْ عليهم إلَّا به، جازَ كما يجوزُ البَياتُ المُتَضَمِّنُ لذلك.
فصل: قال الأوْزَاعِىُّ: إذا كان العَدُوُّ في المَطْمُورَةِ، فعَلِمْتَ أنَّكَ تَقْدِرُ عليهم بغيرِ النّارِ، فأحَبُّ إلىَّ، أن يَكُفَّ عن النّارِ، وإن لم يُمْكِنْ ذلك، وأَبَوْا أن يَخْرُجُوا، فلا أرَى بَأْسًا، وإن كان معهم ذُرِّيَّةٌ، قد كان المسلمون يُقاتِلُون بها. ونحوَ ذلك قال سفيانُ، وهشامٌ: ويُدَخَّنُ عليهم. قال أحمدُ: أهلُ الشامِ أعْلَمُ بهذا.
(1) في باب كراهية أن يعذب بالنار، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 244.