الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ، وَإنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا.
ــ
لو أسْلَمَ أحَدُ الأبَوَيْن، تَحْقِيقُه أنَّ كلَّ شخْصٍ غُلِّبَ حُكْمُ إسْلامِهِ مُنْفَرِدًا غُلِّبَ مع أحَدِ الأبَوَيْن، كالمُسْلِمِ مِن الأبَوَيْن. الثالثُ، أن يُسْبَى مع (1) أَبَوَيْه، فيَكونُ على دِينِهما. وبه قال أبو حنيفة، ومالكٌ، والشافعىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ: يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لأنَّ السابِىَ أحَقُّ به، لكَوْنِه مَلَكه بالسَّبْى، وزالت وِلايَةُ أبَوَيْه عنه، وانْقَطَعَ مِيراثُهما منه ومِيراثُه منهما، فكان أوْلَى به منهما. ولَنا، قولُه عليه الصلاة والسلام:«فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرَانِه ويُمَجِّسَانِه» . وهما معه، ومِلْكُ السّابِى له لا يَمْنَعُ اتِّباعَه لأَبَوَيْه، بدلِيلِ ما لو وُلِدَ في مِلْكِه مِن عَبْدِه وأمَتِه الكافِرَيْن.
1405 - مسألة: (ولا يَنْفَسِخُ النِّكاحُ بِاسْتِرْقاقِ الزَّوْجَيْنِ، وإن سُبِيَتِ المرأةُ وَحْدَها، انْفَسَخَ نِكاحُهَا، وحَلَّتْ لِسابِيها)
إذا سُبِىَ المُتَزَوِّجُ مِن الكُفَّارِ، لم يَخْلُ مِن ثلاثَةِ أحْوالٍ؛ أحدُها، أن يُسْبَى الزَّوْجانِ معًا،
(1) بعده في م: «أحد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا يَنْفَسِخُ نِكاحُهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والأوْزَاعِىُّ. ويَحْتَمِلُ أن يَنْفَسِخَ. وبه قال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1). والمُحْصَناتُ: المُتَزَوِّجاتُ {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} بالسَّبْى. قال أبو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: نَزَلَتْ هذه الآية في سَبْىِ أوْطاسَ (2). وقال ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما: إلَّا ذَواتِ الأزْواجِ مِن المَسْبِيّاتِ. ولأنَّه اسْتَوْلَى على محلِّ حَقِّ الكافِرِ، فزالَ مِلْكُه، كما لو سَباها وَحْدَها. ولَنا، أنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لا يَمْنَعُ ابْتِداءَ النِّكاحِ، فلا يَقْطَعُ اسْتِدامَتَه، كالعِتْقِ، والآيةُ نزَلَتْ في سَبايا أوْطاسَ، وكانوا أخَذُوا النِّساءَ دُونَ أزْواجِهِنَّ، وعُمُومُ الآيةِ مخْصُوصٌ بالمَمْلُوكَةِ المُزَوَّجَةِ في دارِ الإِسْلامِ، فيُخَصُّ منه محلُّ النِّزاعِ بالقياسِ عليه. الحالُ الثَّانِى، أن تُسْبَى المرأةُ وحدَها، فينْفسِخُ النِّكاحُ، بلا خِلافٍ عَلِمْناه. والآيَةُ دَالَّةٌ عليه،
(1) سورة النساء 24.
(2)
أوطاس: واد في ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين. معجم البلدان 1/ 405. وانظر لقول أبى سعيد وقول ابن عباس ما أخرجه الطبري في تفسير الآية. تفسير الطبري (المعارف) 8/ 151 - 153.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد روَى أبو سعيدٍ الخُدْرِىُّ، قال: أصَبْنا سَبايا يومَ أوْطاسَ، ولَهُنَّ أزْواجٌ في قَوْمِهِنَّ، فذَكَرُوا ذلك لرَسُولِ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم، فنَزَلَت:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . رَواه التِّرْمِذِىُّ (1)، وقال: حديثٌ حَسَنٌ. إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال: إذا سبِيَتِ المرأةُ وحدَها، ثم سُبِىَ زَوْجُهَا بعدَها بيَوْمٍ، لم يَنْفَسِخِ النِّكاحُ. ولَنا، أنَّ السَّبْىَ المُقْتَضِىَ للفَسْخِ وُجِدَ، فانْفَسَخَ النِّكاحُ، كما لو سُبِيَتْ قبلَه بشَهْرٍ. الحالُ الثالثُ، سُبِىَ الرَّجُلُ وحدَه، فلا يَنْفَسِخُ النِّكاحُ؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، ولا القياسُ يَقْتَضِيه، وقد سَبَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعِين رجلًا مِن الكُفّارِ يومَ بَدْرٍ، فمَنَّ على بعْضِهم، وفادَى بعْضًا، فلم يَحْكُمْ عليهم بفَسْخِ أنْكِحَتِهم. ولأنَّنا إذا لم نَحْكُمْ بفَسْخِ النِّكاحِ فيما إذا سُبِيَا معًا مع الاسْتِيلاءِ على مَحَلِّ حَقِّه، فلأن لا
(1) في: باب ما جاء في الرجل يسبى الأمة ولها زوج. . .، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذى 5/ 65.
كما أخرجه أبو داود، في: باب وطء السبايا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 497.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْفَسِخَ نِكاحُه مع عَدَمِ الاسْتِيلاءِ عليه أوْلَى. وقال أبو الخَطّابِ: إذا سُبِىَ أحَدُ الزَّوْجَين، انْفَسَخَ النِّكاحُ. ولم يُفَرِّقْ. وبه قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّ الزَّوْجَيْن افْتَرَقَتْ بهما الدَّارُ، وطَرَأَ المِلْكُ على أحَدِهما، فانْفَسَخَ النِّكاحُ، كما لو سُبِيَتِ المرأةُ وحدَها. وقال الشافعىُّ: إن سُبِىَ واسْتُرِقَّ، انْفَسَخَ نِكاحُه، وإن مُنَّ عليه أو فُودِىَ، لم يَنْفَسِخْ. ولَنا، ما ذَكَرْناه، وأنَّ السَّبْىَ لم يُزِلْ مِلْكَه عن مالِه في دارِ الحَرْبِ، فلم يَزُلْ عن زَوْجَتِه، كما لم (1) يَزُلْ عن أمَتِه.
فصل: ولم يُفَرِّقْ أصْحابُنا في سَبْىِ الزَّوْجَيْنِ، بينَ أن يَسْبِيَهما رجلٌ واحدٌ أو رجلان. ويَنْبَغِى أنْ يُفَرَّقَ بينَهما، فإنَّهما إذا كانا مع رَجُلَيْن، كان مالِكُ المرأةِ مُنْفَرِدًا بها، ولا زوجَ معها، فتَحِلُّ له؛ لقَوْلِه تعالى:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وذَكَر الأوْزَاعِىُّ، أنَّ الزَّوْجَيْنِ إذا سُبِيا، فهما على النِّكاحِ في المَقاسِمِ، فإنِ اشْتَراهُما رجلٌ، فله أن يُفرِّقَ بينَهما إن شاءَ، أو يُقِرَّهما على النِّكاحِ. ولَنا، أنَّ تَجَدُّدَ المِلْكِ في الزَّوْجَيْن لرجلٍ لا يَقْتَضى جَوازَ الفَسْخِ، كما لو اشْتَرى زَوْجَيْن مُسْلِمَيْن. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه لا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بينَهما في القِسْمَةِ والبَيْعِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بذلك.
(1) في م: «لو لم» .